على مدار أربعة أجزاء، استعرضنا أهمية بحث القوة الذاتية للأمة الإسلامية في هذه الآونة التي تمر فيها بأزمة خانقة، وتعيش في واقع أظهر ضعفها ووهنها، الأمر الذي هيأ الأجواء لسلسلة من التنازلات من أوراقها وقوتها. وقد بيَّنا أن التصالح مع النفس أولى خطوات هذا الاصلاح ثم التفتيش عن مكنونات الذات والقوة الشاملة واستنهاضها لمواجهة الحملة الشعواء ضدها. وفي خضم استغراقنا في بحث قوة الأمة وعناصر انتشالها من هذا النفق المظلم، خرج علينا مارق جديد، يريد بكل دهاء أن يمسح عقيدة هذه الأمة وتراثها من الوجود، واستغل حالة اشتغال الأمة بالدفاع عن نفسها ووجودها وصد العدوان الظالم عليها من قوى عديدة، وأصدرجزأين من كتابه، حمل الجزء الأول اسم «فترة التكوين في حياة الصادق الأمين» والثاني «النص المؤسس ومجتمعه». الجزءان يحملان كفراً صريحاً ونيلا من العقيدة الاسلامية والمساس بثوابتها وبالرسول صلى الله عليه وسلم. أهكذا يكون حالنا، ونحن نمر بظروف صعبة ومريرة، يخرج علينا نفر من بين صفوفنا، ومن أبناء جلدتنا يحاولون النيل من ثوابتنا وعقيدتنا، وللأسف هؤلاء هم سلسلة متصلة من الخروج على تراث الأمة يستلهمون أفكارهم وينتقون معلوماتهم من فكر الخوارج والمستشرقين واليهود. سلسلة بدأت حلقاتها الأولى بالخوارج والمعتزلة مرورا بعلي عبدالرزاق وسلامة موسى، وانتهاء بالدكتور نصر حامد أبوزيد وخليل عبدالكريم الذي نحن بصدد التصدي لأفكاره وأطروحاته المارقة، التي حاول بثها للناس في أحرج الأوقات، لينقض بأفكاره المشوهة لاستكمال الخلاص من ثوابت العقيدة والمساس بالقرآن الكريم وهبة خاتم النبيين!. لكن هيهات ان يتحقق غرضه، وعليه أن ينظر عاقبة من سبقه من هؤلاء الذين تناوبوا على الطعن في العقيدة ومصادرها.. ماذا كان مآلهم؟ خليل عبدالكريم هذا كاتب أطلق على نفسه بالكاتب الإسلامي، انضم الى حزب التجمع المصري «وهو حزب يجمع كل التيارات والفصائل اليسارية والاشتراكية والناصرية» وأطلقوا عليه داخل الحزب وجريدته ب«الكاتب الاسلامي المستنير»، وحاول في كتاباته السابقة تطويع الفكر الاسلامي وتقاربه للفكر الماركسي، أو ما كان يسمونه «الاشتراكية الاسلامية» وكان يمضي في نقده للتراث الاسلامي على استحياء ولم يكن من ذلك العيار الثقيل الذي جاء به في الكتابين الأخيرين الذي بين فيهما أنه ليس فقط منكراً لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه منكر لكافة الرسالات السماوية، حيث يعتقد أن «جميع الرسل مصنَّعون في الأرض على أيدي بشر». واستقى هذا الكاتب من التراث اليهودي المحرَّف الكثير من مادته، ومن خلالها ارتكب جرما كبيرا في حق الرسول الذي وصفه بالهوائية والتجرد من القيم ومبادئ الأخلاق فيقول فضى فوه عنه:«لما هاجر الى المدينة وجد لليهود فيها قوة وشوكة فأخذ يتذلل ويتخضع لهم ليستدر عطفهم لأنه كان عبقريا ذكيا يعرف من أين تؤكل الكتف لذلك اتخذ حيالهم الخطوات التالية: وجدهم يصومون عاشوراء لأن الله نجاهم فيه من الغرق ونجَّى نبيهم موسى، فسارع الى أمر أصحابه بصيام ذلك اليوم وصامه هو معهم. أحل لأصحابه أن يتزوجوا فتيات اليهود تقربا اليهم. أباح لأصحابه أن يأكلوا طعام اليهود. اتخذ قبلة اليهود «المسجد الأقصى» قبلة له ولأصحابه في الصلاة. كتب اليهم ما يسمى ب«الصحيفة» ومنحهم حريات دينية لا حدود لها وجعلهم أمة مع المؤمنين. وجد لليهود يوما مقدسا في الأسبوع هو يوم السبت فقلدهم واتخذ يوم الجمعة يوما مقدساً. لكنه لم يجد عطفا من اليهود فناصبهم العداء ونكل بهم وطردهم من المدينة»!!. هذا النص الذي جاء به، هو نص منقول من كتب المناهج التعليمية بالمدارس اليهودية.. وقد أشرنا اليه سلفا في المقال السابق ونحن نفتش عن ذاتنا. كما وجد خليل عبدالكريم في الفكر الشيعي ضالته عندما زعم ان القرآن قرآنان.. أحدهما القرآن الذي حفظه الصحابة في صدورهم. والآخر الذي جمعه ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه إذ يقول: «إن القرآن الذي كان محفوظا في صدور الصحابة، متلواً بألسنتهم قد توقف هذا القرآن عام 40 الهجري، أما القرآن الثاني فهو ملك خاص للمفسرين أصحاب شؤون التقديس..»!!. وهي نفس الرواية التي يرددها الفكر الشيعي من ان هناك مصحفا أصليا صحيحا محجوباً وباقي المصاحف المتناولة بين أيدينا الآن هي مصاحف غير صحيحة. وقد بلغ «الكاتب المستنير» في الجرأة على الله حدا كبيرا لم ينازله فيه أحد من قبل عندما ألغى القرآن برمته بصفته منزلاً من الحق تبارك وتعالى الى رسوله الكريم، فلقد زعم ان القرآن الحالي هو «وليد تفاعل جدلي وحوار بشري تمت صياغته في حياة محمد» بمعنى ان القرآن جاء نتيجة هذا الحوار الجدلي الذي دار بين أفراد ذلك المجتمع. ولم يترك هذا الكاتب رواية اسلامية إلا وتهكم فيها على خاتم النبيين وقذفه، ووصفه بألفاظ فيها تهكم وسخرية لا تليق!!. والمجال هنا لا يسمح بالسرد الكلي الذي نقله لنا د.عبدالعظيم المطعني المفكر الاسلامي والأستاذ بجامعة الأزهر في تقريره الذي نشرته صحيفة «الوطن» وأتوقف هنا عند قصة زادتني احتقانا وغيظاً من هذا المعتدي فقد وجدت فيها تطاولا على رسول الانسانية بلغ مداه ووجب العقاب المناسب على هذا الكاتب، إذ يزعم ان النبي وقع في غرام «زينب بنت جحش» زوجة زيد بن حارثة، حين رآها في ملابسها الداخلية الشفافة «وهل كانت هناك وقتها ملابس شفافة؟»، فدأب على تطليقها منه، ثم تزوجها، وافتضح أمره للناس، ووقع في حرج شديد من نقدهم إياه، فبادر القرآن بالدفاع عنه، وحوَّل هذا الخطأ الى صواب..« فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها». ويزعم ان الصحابة لما أكثروا من الأسئلة المحرجة التي وجهوها ضاق بهم ذرعاً، بادر القرآن في الوقوف معه ونهى الصحابة عن توجيه أي أسئلة اليه في قوله:{يا أيها الذين أمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}، وبذلك كمم القرآن أفواه الصحابة محاباة لمحمد. ومن سياق هذه القصة يذكر «الكاتب المستنير» أمثلة عديدة من ان القرآن جاء منقذاً لمحمد في العديد من المواقف وترضية له مثل عدم الزواج من زوجاته من بعده، كما وقف القرآن معه ضد زوجاته لما طالبنه بزيادة الحظ من نعم الدنيا، فجاءت آيات سورة الأحزاب تهدد نساءه بالتطليق إذا أصررنا على رغباتهن في طلب المزيد من النفقة.. وزعم ان آيات تحريم القذف الواردة في سورة النور هلت بمناسبة رمي السيدة عائشة بالفاحشة لأن ذلك أذى للرسول، كما زعم ان إباحة القرآن للقتال في الشهر الحرام جاءت لتنقذ محمداً من الورطة التي أوقعه فيها أصحابه لما قاتلوا المشركين في أحد الأشهر الحرم.. ويعلق على ذلك..«هكذا أثبت الذكر الحكيم «تهكماً على القرآن» أنه يدور مع القائد المظفر «تهكماً على الرسول» حيثما دار ويصاحبه أينما ذهب ويواكبه أينما تحرك، وما إن يتعرض لضائقة أو يوقعه أصحابه في ورطة أو تتآمر عليه نساؤه.. تشرق إحدى شموسه «يقصد القرآن الكريم ولا يقول نزلت آياته لأنه غير مؤمن أنه منزل» تجلو عنه الظلمة وتبدد من حوله العتمة وتعيد الى أساريره البهجة». *** اختار خليل عبدالكريم ان يكون حلقة ضمن سلسلة هؤلاء الذين تجاسروا على الاسلام وتجرأوا على ذات الله سبحانه وتعالى وطعنوا في صدقية القرآن الكريم والرسول الأمين.. إنها سلسلة متصلة مستمرة لا يراد لها ان تنقطع أو يكون بينها فاصلة.. بل يراد لهذه الأمة أن تكون في حالة دفاع دائم عن عقيدتها وتراثها وثقافتها، وأن تستبدل الأسماء والأشخاص كلما خسر الآخر معركته يبدأ غيره بالنزال مع رجالات الأمة الغيورين عليها وعلى عقيدتها. هؤلاء الخارجون نهلوا من مصادر واحدة ومنهج ثابت، فكان فكر المعتزلة وكتابات المستشرقين، والمحرفات من كتب اليهود والنصارى نبراسا لهم.. يجتمعون على نفس الروايات والأحداث بنفس التفاسير المغالطة للخروج بأحكام مشوهة. وكان منطلق هؤلاء الخارجين وسبيلهم احد الطريقين، أحلاهما مر، الأول: إما باحثون عن شهرة ومجد ومال وإشادة من الغرب مثل سلمان رشدي، وتسليمة نسرين وسلامة موسى ونوال السعداوي وفرج فودة، حيث اعتمدوا في كتبهم على الروايات الباطلة ثم الاشادة بها والتدليس في اسنادها بالاحتيال والتمويه، واعتمادهم على التحريفات المتعمدة لمعاني الأخبار أو الآثار الصحيحة، وكذلك معاني آيات الكتاب الكريم والأحاديث النبوية الشريفة. الثاني: ان يكونوا جنوداً لدوائر الفكر الاستراتيجي الغربي، ذلك الفكر الذي أعلن صراحة وبملء الفم ان الاسلام هو العدو الذي حل محل «امبراطورية الشر الشيوعية».. لذلك آثروا أن تكون الحرب من الداخل، فكان تدعيم هؤلاء النفر ليكونوا سلاحهم، هذا الكلام ليس من عندي ولكنه خارج من ثنايا مؤتمراتهم، حيث عقد عام 1978م مؤتمر للكنائس بمدينة كولورادو بالولايات المتحدة أكدوا فيه:«ان الاسلام هو الدين الوحيد الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية، وان النظام الاسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعيا وسياسياً، انه حركة دينية معادية للنصرانية مخططة تخطيطا يفوق قدرة البشر، ولابد من مئات المراكز التي تؤسس حول العالم، بواسطة النصارى، للتركيز على الاسلام لفهمه والتعامل معه، واختراقه في صدق ودهاء». فكان هؤلاء الخارجون من جنود هذه الكتيبة الذين يخترقون الاسلام بصدق ودهاء ويعملون على زعزعة ثقة المسلمين في مصادر دينهم الذي يناقض أسس المسيحية!! لقد جند هؤلاء النفر ليكونوا ذخيرة لخطة غربية داهية للطعن في أهم مصادر الاسلام «القرآن الكريم والنبي الأمين والأحاديث» حتى تتزعزع الثقة وتبث خيوط الفرقة وتشيع عدم الاحترام لتلك المصادر. ولأن المستشرقين فشلوا في مساعيهم السابقة للنيل من الاسلام جاء من أبناء جلدتنا من يحقق لهم الهدف ويتعاون وينسق مع الحملة المسعورة التي نتعرض لها الآن في الاعلام الغربي فوقعنا فريسة بين مطرقة الاعلام الغربي وسندان المارقين من الداخل من أجل زيادة الزعزعة والاضطرابات وانشغال الأمة دوما بالدفاع عن نفسها وعقيدتها وثقافتها. لذلك وجب عليها ان تقف بكل حزم تجاه هذا الخروج الذي استغل أجواء الحرية ليطعن بسهام من الخلف في العقيدة وثوابتها. ويعلن كل الغيورين على هذا الدين غضبتهم من هذا السيل العارم من الكتابات غير المسؤولة عن الدين والعقيدة وتبادر منظمة المؤتمر الاسلامي وكل المنظمات المعنية بوضع آلية قانونية تردع هؤلاء المارقين والخارجين على ثوابتنا.. وأرى أنه بقدر جرأة هؤلاء على الخروج عن ثوابت الأمة وعقيدتها بقدر ما يكون انزال العقاب الملائم والملحَّ والضروري.. حتى يكون الجزاء من جنس العمل نسأل الله أن يحفظ أمتنا من المطرقة والسندان!!