سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبدالله بصفر يكتب عن: القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية
مؤكداً أن المستشرقين لا يريدون الوصول إلى الحقيقة بل هدفهم التشويه ونشر الأكاذيب
نشر في الجزيرة يوم 03 - 11 - 2006

حذر الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم الدكتور عبدالله بن علي بصفر من مخاطر المستشرقين على الإسلام والمسلمين في الماضي والحاضر.. مؤكداً أن ما يقوم به أولئك المستشرقون من دراسات عن الإسلام الهدف منها الإساءة للإسلام، والتشكيك في الشريعة الإسلامية المبنية على الكتاب والسنة.
وشدد فضيلته - في دراسة علمية له عن الاستشراق والمستشرقين بمناسبة ندوة (القرآن في الدراسات الاستشراقية) التي ينظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة في السادس عشر من شهر شوال الجاري - على أن أهداف المستشرقين من كل الدراسات السابقة والمعاصرة مشبوهة، وتسعى في مجملها للنيل من القرآن الكريم، والسنة النبوية وإثارة الشكوك والشبهات حولهما.
وفيما يلي ما جاء في دراسة فضيلته:
(الاستشراق) لغة مشتقة من (شرق)، يقال: (شرقت الشمس شروقاً إذا طلعت)، وهي تعني: مشرق الشمس، والمراد بها: الاهتمام بهذا الحيز المكاني من الكون وهو الشرق، فكلمة (الاستشراق) على هذا: مأخوذة من الاتجاه إلى الشرق.
أما اصطلاحاً فإن الاستشراق تعني اتجاها فكريا يعني بدراسة الإسلام والمسلمين، ويشتمل ذلك كل ما يصدر عن الغربيين من دراسات تتناول قضايا الإسلام والمسلمين في العقيدة والسنة والشريعة والتاريخ وغيرها من مجالات الدراسات الإسلامية الأخرى.
و(المستشرقون): هم الغربيون الذين يقومون بهذه الدراسات التي تتناول قضايا الإسلام والمسلمين.
أهداف مشبوهة
أهداف الاستشراق والمستشرقين في الأساس: أهداف مشبوهة تسعى في مجملها للنيل من القرآن الكريم والسنة النبوية، وإثارة الشبهات والشكوك حولهما، ومن ثم النيل من دين الإسلام جملة وتفصيلاً.
فليس هدف المستشرقين من دراساتهم الوصول إلى الحقيقة وبيانها وإماطة اللثام عنها، ليس هذا هو هدفهم من بحوثهم ودراساتهم الاستشراقية، وإنما هدف غالبهم - إن لم يمكن جميعهم - التشكيك في ثوابت ديننا الإسلامي، والتشكيك في القرآن ومقاصده، والسنة النبوية ورواتها، وإثارة الشبهات حولهما وحول الدين كله، وتضخيم الصغير، وتصغير الكبير، ووضع الشاذ مكان الأصل.. وهكذا.
وليس هذا تجنيا منا عليهم، ولا إرجافاً بالقول، ولا دعوى بلا بينة، بل إن كتب القوم طافحة بما نقول، ومن قرأ ما كتبه المستشرقون عن القرآن، وعن الإسلام، وعن السنة النبوية، وعن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لاسيما المكثرين منهم من رواية السنة كأبي هريرة - رضي الله عنه -، أو المشهورين منهم بالتفسير كابن عباس - رضي الله عنه -، من قرأ ما كتبه القوم في هذه المواضيع رأى سما زعافاً، وأدواء قتالة.. مما يؤكد أهمية فضحهم، وبيان عورهم وفسادهم، وخبث طويتهم، وسوء أهدافهم.
يقول الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله - في كتابه: (الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم) وهو يتحدث عن أهداف الاستشراق:
أولاً: التشكيك بصحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ومصدرها الإلهي، فجمهورهم ينكر أن يكون الرسول نبياً موحى إليه من عند الله - جل شأنه -، ويتخبطون في تفسير مظاهر الوحي التي كان يراها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً، فمن المستشرقين من يرجع ذلك إلى (صرع) كان ينتاب النبي صلى الله عليه وسلم حيناً بعد حين، ومنهم من يرجعه إلى تخيلات كانت تملأ النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يفسرها بمرض نفسي، وهكذا.. ويتبع ذلك إنكارهم أن يكون القرآن كتابا منزلاً عليه صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى.
ثانياً: ويتبع إنكارهم لنبوة الرسول وسماوية القرآن، إنكارهم أن يكون الإسلام ديناً من عند الله، وإنما هو ملفق - عندهم - من الديانتين: اليهودية والمسيحية، وليس لهم في ذلك مستند يؤيده البحث العلمي، وإنما هي ادعاءات تستند على بعض نقاط الالتقاء بين الإسلام والدينين السابقين.
ويلاحظ أن المستشرقين اليهود - أمثال (جولد تسيهر) و(شاخت) - هم أشد حرصاً على ادعاء استمداد الإسلام من اليهودية وتأثيرها فيه.
ثالثاً: التشكيك في صحة الحديث النبوي الذي اعتمده علماؤنا المحققون، ويتذرع هؤلاء المستشرقون بما دخل على الحديث النبوي من وضع ودس، متجاهلين تلك الجهود التي بذلها علماؤنا لتنقية الحديث الصحيح من غيره، مستندين إلى قواعد بالغة الدقة في التثبت والتحري، مما لم يعهد عندهم في دياناتهم عشر معاشره في التأكيد من صحة الكتب المقدسة عندهم.
ب - الأهداف الدينية والسياسية:
وتتلخص فيما يلي:
1- تشكيك المسلمين بنبيهم وقرآنهم وشريعتهم وفقههم، ففي ذلك هدفان ديني واستعماري.
2- تشكيك المسلمين بقيمة تراثهم الحضاري، حيث يدعي المستشرقون أن الحضارة الإسلامية منقولة عن حضارة الرومان.
3- إضعاف ثقة المسلمين بتراثهم، وبث روح الشك في كل ما بين أيديهم من قيم وعقيدة ومثل علينا) أ.ه.
وتأكيداً لما تقدم وتوثيقاً له، خاصة فيما يتعلق بالقرآن والاستشراق، والذي هو موضوع هذه الندوة المباركة، فهذه أسماء بعض كتب المستشرقين، والتي يزعم فيها مؤلفوها أن القرآن، أو قصص القرآن، أو الإسلام برمته يرجع إلى أصول يهودية ونصرانية!!، ويثيرون فيها الشبهات، ويشككون في مصداقية القرآن الكريم:
1- كتاب: (النصرانية واليهودية في القرآن) للمستشرق الألماني (بومشتارك).
2- كتاب: (توافق القرآن والإنجيل) للمستشرق الفرنسي (بوستل).
3- كتاب: (الكلمات الأجنبية في القرآن) للمستشرق الإنجليزي (سل).
4- كتاب: (عناصر يهودية في مصطلحات القرآن الدينية)، و(قصص القرآن) للمستشرق المجري (بيرنات هيللر).
5- كتاب: (عناصر نصرانية في القرآن) للمستشرق (آرنس).
6- كتاب: (مصادر القصص الإسلامية في القرآن)، و(قصص الأنبياء)، و(مصادر القصص الإسلامية في القرآن) ل (سايدر سكاي).
7- كتاب: (القصص الكتابي في القرآن) ل (سايدر جريفنا).
مناهج المستشرقين
مناهج المستشرقين لتحقيق مآربهم، وأهدافهم الخبيثة للطعن في القرآن، وإثارة الشبهات حوله:
تعددت مناهج المستشرقين لتحقيق أهدافهم الباطلة في تشويه ديننا الإسلامي عن طريق الطعن في القرآن وإثارة الشبهات حوله، وكان لهم في ذلك عدة منطلقات ومرتكزات في دراساتهم، ويمكن إجمالها وتلخيصها فيما يلي:
أولاً: التركيز على الكتب القرآنية الشاذة، سواء كانت في التفسير، أو القراءات، أو علوم القرآن، والإشادة بها وتعظيمها وتمجيدها، والتحقير من الكتب القرآنية السنية الموثوق بها، والطعن الشديد عليها.
ومن أمثلة ذلك: تحقيق المستشرق الألماني (برجشتراسر) لكتاب: (القراءات الشاذة في القرآن) لابن خالويه، وتحقيق كتاب: (المصاحف) لابن أبي داود، وإبراز الروايات الشاذة في كتاب (الإتقان) للسيوطي.
يقول الدكتور محمد سعيد السرحاني في بحث له بعنوان: (الموقف الاستشراقي من مناهج تفسير القرآن الكريم): (وظهر من تتبع ذلك النتاج العلمي الاستشراقي في مجال الدراسات القرآنية - وخصوصاً التفسير - إبراز المستشرقين الكتب المنحرفة من كتب الفرق: الباطنية والمعتزلة، مع تمجيد طريقتهم في التفسير، واعتبار تلك التفاسير في التفاسير المثلى، وأهلها أصحاب العقل الحر، مع ذمهم وانتقصاهم لكتب التفاسير بالمأثور من كتب السلف - رحمهم الله -، وهذا يظهر جلياً من خلال عنوانات تلك الكتب، أو من خلال تتبع ما كتبه المستشرقون في ثنايا كتبهم، ويبرز ذلك بجلاء فيما كتبه (جولد زيهر) في كتابه: (مذاهب التفسير الإسلامي) من تمجيد لكتب الفرق المنحرفة كالباطنية والمتصوفة، والشيعة، والمعتزلة، وثنائه على الظواهر المنحرفة في حركة التفسير العصرية المنحرفة).
وقال أيضاً: (ومن اهتمامهم بكتب وتفاسير الفرق المنحرفة ومؤلفاتهم في هذا الجانب:
كتاب: (شرح المعتزلة للقرآن) للمستشرق الإيطالي (جويدي).
و: (القرآن في نظر الإسماعيليين) للمستشرق الروسي (سيمينوف).
و: (تفسير القرآن واللغة الصوفية) للراهب اليسوعي (نويا).
ويبقى الأكثر شيوعاً في هذا المجال كتاب: (مذاهب التفسير الإسلامي) للمستشرق المجري (جولد تسهير).
وللمستشرق الفرنسي (هنري كوريان) عناية خاصة بتفسير الفرق الباطنية.
والمتتبع لإنتاج المستشرقين في هذا المجال يجدهم يعلون من شأن التفسير الشاذ الخاص بالفرق المنتسبة للإسلام).
وكما يمجد المستشرقون تفاسير المبتدعة، فهم في المقابل يطعنون في تفاسير أهل السنة الموثوق بها، وها هو (جولد زيهر) يطعن في تفسير الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله - (جامع البيان)، ويبالغ في ذكر وتضخيم ما ورد فيه من إسرائيليات، دون ذكر لمنهج الطبري في عرض الروايات، بل ويزعم أن مقاطع كثيرة من تفسير الطبري مرتبطة بمثلها من سفر التكوين الذي يعرض للروايات اليهودية والنصرانية، وأن وهب بن منبه هو الطريق الذي انتقلت بواسطته هذه الآثار في نهاية القرن الأول الهجري.
وهكذا فعل المستشرق (كليمان هوار) حيث زعم كثرة الروايات الإسرائيلية في تفسير الطبري.
2- دعوى معارضة الصحابة تفسير القرآن الكريم.
وممن ذهب إلى هذه الدعوى المستشرق (جولد زيهر)، وزعم أن الاشتغال بالتفسير في عصر الصحابة وأول عصر التابعين كان مصحوباً بالمقاومة له، والفزع منه!!، وهذا ليس على إطلاقه، فالصحابة، رضي الله عنهم - يفزعون ويمتنعون عن التفسير للقرآن بالرأي المجرد والهوى، أما تفسير القرآن المبني على علم ودليل فقد قال به كبار الصحابة - رضوان الله عليهم - ولم يمتنعوا منه، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم، دعا لعبدالله بن عباس - رضي الله عنه - بهذا الخصوص فقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).
3- التشكيك في القراءات وهو طريق للطعن في التفسير والقرآن:
يدعي المستشرق (جولد زيهر) أن تعدد القراءات فتح الباب على مصراعيه لتعدد أوجه التفسير، وهذا ما يوافقه فيه عدد من المستشرقين الطاعنين في كتاب الله تعالى أمثال: (نولدكة)، و(بلاشير).
مع أن القراءات العشر هي روايات صحيحة متواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي من القرآن قطعاً، ومن الحكم التي لأجلها تعددت القراءات: التخفيف والتيسير على هذه الأمة في تلاوتهم للقرآن بما يوافق لهجاتهم وتستطيعه ألسنتهم بلا عنتٍ ولا مشقة.
4- التشكيك في عدالة ابن عباس - رضي الله عنهما -:
وهذه عادة المستشرقين وأذنابهم من الحاقدين على هذا الدين، أن يحطموا رموز هذه الأمة، ومن يعول عليهم في كل فنٍ ومجال.
فقد أكثر المستشرقون وأذنابهم - كذلك - من الطعن في عدالة أبي هريرة - رضي الله عنه -، وما ذلك إلا لأنه من أكثر الرواة للحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فبالطعن فيه وإسقاط عدالته يسقط معه كثير من السنة النبوية ويرد، وهذا ما يريده أعداء الدين الحاقدون وأشباههم.
وهكذا هنا: فعبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - هو من أكثر الصحابة تفسيراً للقرآن، وهو الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن (يفقهه في الدين ويعلمه التأويل)، فعندما يطعن المستشرقون فيه، ويسقطون عدالته، فهم بذلك يسقطون غالب تفسير القرآن الكريم الصحيح والثابت عنه، وبذلك يفسحون المجال أمام تفاسير الباطنية والمعتزلة والمتصوفة وغيرهم من أصحاب البدع والضلالات، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تشويه هذا الدين، والطعن فيه عن طريق تحريف مقاصد القرآن وتحريف معانيه.
وانظر معي إلى ما يقوله ذلك المستشرق الحاقد (جولد زيهر): (وكثيراً ما نجد بين مصادر العلم المفضلة لدى ابن عباس: اليهوديين اللذين اعتقنا الإسلام: كعب الأحبار، وعبدالله بن سلام).
ولا يخفى ما في هذا الكلام من ظلمٍ وتجنٍ، وبعدٍ عن الحقيقة، ولمزٍ وحقدٍ دفين عند هؤلاء المستشرقين..
وأما مكانة عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - فلا تخفى على أحدٍ، ولا ينكرها إلا أعمى البصر والبصيرة، أو مغرض حاقد على الإسلام وأهله.
5- التشكيك في صحة مرويات التفسير وخاصة التفاسير المعتمدة عند أهل السنة، بينما لم تطل أيدهم ولا ألسنتهم الكتب الشاذة، ولا تفاسير المبتدعة:
والتشكيك في صحة مرويات التفسير، الغرض منه هو نفس الغرض الذي ذكرته في الفقرة السابقة، وهو أنه بطعنهم في المرويات الصحيحة المسندة في التفسير، وإسقاطهم لها، يفسحون المجال لكل أحدٍ من أهل البدع والضلال، وأهل الغي والإلحاد، أن يفسر كل منهم القرآن على حسب ما يحلو له، من غير ما ضابط ولا مستند، وبهذا يصلون إلى إبطال القرآن نفسه والعياذ بالله تعالى.
يقول المستشرق (كارديفو) في (دائرة المعارف الإسلامية): (وعلم التفسير قديم، قد يرجع تاريخه إلى صدر الإسلام، ويروى أن ابن عباس ت 68ه، كان حجة في التفسير، وقد نسبوا إليه تفسيراً، وتساءل النقاد المحدثون (جولد زيهر) و(لامانس) و(غيرهما) عن قيمة الأحاديث الواردة في هذه الكتب الجامعة، ولم يصلوا بعد إلى رأي يعززها كثيراً، والظاهر أن أغلب هذه الأحاديث موضوع إما لتقرير مسألة شرعية، وإما لأغراض كلامية، وإما لمجرد التوضيح، بل قد يكون لمحض اللهو والتسلية).
ويقول المستشرق (جيلوت) مشككا في صحة روايات الأحاديث في تفسير الطبري: (ولجوء المفسر إلى هذا النوع من الخطاب الذي يعتمد على إسناد الحديث، يكشف لنا مختلف الإسقاطات التي وقعت في كتب التفسير، حيث كانت الرغبة متجهة لتكريس مرويات بعض الصحابة الذين خصتهم كتب التراث بسيرة أسطورية مثل ابن عم محمد - رضي الله عنه - عبدالله بن عباس، على أن هذا النوع من الدراسة يتطلب منا أن نطرح من جديد السؤال عن العلاقة بين ما هو واقعي حقيقي وما كان من إبداع المخيلة، كما سبق أن طرح ذلك في مجال دراسة المجتمعات البدائية (الأنثربولوجيا) والتاريخ الوسيط والقديم بالغرب).
وهذا النقد من هؤلاء المستشرقين منصب ومركز على كتب أهل السنة فحسب، أما كتب المبتدعة وأصحاب الاتجاهات المنحرفة في التفسير فقد سلمت من نقدهم، بل نالت مكانة متميزة لديهم:
6- الدعوة إلى منهجية حديثة في التفسير:
ومن دعاوى ودعوات المستشرقين: إعادة تفسير القرآن الكريم اعتماداً على ما يصطلح عليه بالعلوم الإنسانية المعاصرة في الغرب، والاستفادة من مناهج تلك العلوم في إعادة تفسير القرآن الكريم، وخاصة مناهج الأنثربولوجيا ومنهجية علم اجتماع المعرفة.
ولا يخفى تمجيدهم للاتجاهات الحديثة في تفسير القرآن الكريم ومن ذلك كتاب المستشرق الفرنسي (جاك جو مييه) (الاتجاه الحديث لتفسير القرآن بمصر).
وكتاب المستشرق الهولندي (يانش) (تفسير القرآن في مصر الحديثة).
ونظرية الأنثربولوجيا الدينية تتلخص في أن الإنسان منذ القدم قد استرعت انتباهه بعض الظواهر مثل: الأحلام والرؤى، والمرض، واليقظة والنوم، والموت، فكانت تلك العقائد والطقوس الصورة الأولى للأديان - كما يزعمون -.
والأنثربولوجيا موضوع بحثها: أساطير الجماعات البشرية باعتبار أن الإنسان (البدائي) - كما يسمونه - اعتنق ديانات بدائية أقرب إلى السحر والأساطير، وتلك هي أولى الصور الدينية التي عرفها الإنسان.
وقد سعى عدد من المستشرقين ومن تابعهم إلى إسقاط هذا المنهج على مجال الدراسات القرآنية وخصوصاً قصص الأنبياء، وتاريخ الأقوام السابقين الذين ورد الحديث عنهم في القرآن الكريم.
ومن العلوم الإنسانية التي تردد الدعوة إلى استخدامها منهجية علم اجتماع المعرفة، وقد عرفته دائرة معارف العلوم الاجتماعية بأنه: فرع من علم الاجتماع يهتم بدراسة العلاقة بين الفكر والمجتمع، ويهتم أيضاً بدراسة الظروف الاجتماعية أو الوجودية للمعرفة.
وبإيجاز: يدرس علم اجتماع المعرفة طرق تأثير الظروف الاجتماعية في المنتجات الذهنية أو المعرفية، وفي حقيقته يعني علم اجتماع المعرفة بدراسة الظواهر الاجتماعية المؤثرة في نشوء الأفكار وتطورها، وحقيقته الادعاء بأن المجتمع هو أساس كل الظواهر الدينية والمعرفية، وأن المجتمع يتأثر ويؤثر في معطيات تلك المعرفة.
وبهذا المفهوم لا يعدو الدين - على حد زعمهم - إلا حادثاً اجتماعياً فهذه المنهجية تنكر الغيب ومصدر الوحي، إذ الدين في زعمهم انبثق من المجتمع نفسه.
وسائل المستشرقين
وقد سعى المستشرقون سعياً حثيثاً لتحقيق أهدافهم وتطبيق مناهجهم، واتبعوا في ذلك الكثير من الوسائل، وإليك بعض وسائلهم للوصول إلى أهدافهم:
1- تأليف الكتب في موضوعات مختلفة، عن الإسلام واتجاهاته ورسوله، وقرآنه، وفي أكثرها كثير من التحريف المتعمد في نقل النصوص أو ابتسارها، وفي فهم الوقائع التاريخية والاستنتاج منها، وقد تقدمت الإشارة إلى بعض هذه المؤلفات:
2- إصدار المجلات الخاصة ببحوثهم حول الإسلام وبلاده وشعوبه.
3- إرساليات التنصير إلى العالم الإسلامي لتزاول أعمالاً إنسانية في الظاهر، كالمستشفيات، والجمعيات، والمدارس، والملاجئ، والمياتم، ودور الضيافة كجمعيات الشبان المسيحية وأشباهها.
4- إلقاء المحاضرات في الجامعات والجمعيات العلمية، ومن المؤسف أن أشدهم خطراً وعداءً للإسلام كانوا يستدعون إلى الجامعات العربية والإسلامية في القاهرة ودمشق وبغداد والرباط وكراتشي ولاهور وغيرها ليتحدثوا عن الإسلام..!
5- مقالات في الصحف المحلية عندهم، وربما استطاعوا شراء بعض الصحف المحلية في بلاد المسلمين ليبثوا فيها سمومهم، وينشروا من خلالها أفكارهم وبحوثهم المليئة بالتحريف والتشويه والتشكيك.
6- عقد المؤتمرات لإحكام خططهم في الحقيقة، ولبحوث عامة في الظاهر، ومن أواخر هذه المؤتمرات:
مؤتمر جامعة بون في نوفمبر 1993م والذي جمعت أعماله في كتاب: (القرآن كنص) الصادر عن بريل 1996م.
ومنها: مؤتمر الدراسات القرآنية على أبواب القرن الواحد والعشرين في جامعة لايدن في عام 1998م.
ثم تلاه مؤتمر: القرآن نص وتفسير، والذي عقد في جامعة لندن في أكتوبر عام 1999م.
7- إنشاء موسوعة (دائرة المعارف الإسلامية)، وقد أصدرها المستشرقون بعدة لغات في طبعتها الأولى 1914م، وفي طبعتها الثانية عام 1954م.
وفي هذه الموسوعة التي حشد لها كبار المستشرقين وأشدهم عداءً للإسلام، قد دس السم في الدسم، وملئت بالأباطيل عن الإسلام وما يتعلق به، ومن المؤسف أنها مرجع لكثير من المثقفين عندنا بحيث يعتبرونها حجة فيما تتكلم به، وهذا من مظاهر الجهل بالثقافة الإسلامية، وعقدة النقص عند هؤلاء المثقفين.
وهناك موسوعة استشراقية أخرى، وهي الموسوعة الأشمل والأخطر وهي من خمس مجلدات، (موسوعة القرآن الكريم) عن (بريل) والتي صدر منها جزءان من الأجزاء الخمسة المشتملة على ألف مدخل كدراسة نقدية استشرافية للقرآن وعلومه، وقد كتبت بأيد استشراقية، واستكتب فيها عدد من العرب والمسلمين المتأثرين بالأفكار الاستشراقية ك (محمد أركون) الذي كتب مقدمتها.
8- القيام بترجمات معاني القرآن إلى عدة لغات:
وفي هذه الترجمات تكثر الأخطاء اللغوية والمنهجية، إضافة إلى إثارة الشبهات والطعون في الدين الإسلامي وتعاليمه وفي القرآن وفي السنة، ومن هذه الترجمات:
ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر بدعم من الراهب ( بطرس المبجل)، وهذه تعتبر أول ترجمة لمعاني القرآن.
ومن تلك الترجمات الاستشراقية ترجمة الأب (ماراتشي) 1698م، ثم تلتها ترجمة المستشرق الألماني (جوستاف فلوجيل) إلى اللغة اللاتينية.
ومن أشهر الترجمات الإنجليزية ترجمة (جورج سيل) عام 1734م، وترجمة (آربري) 1955م، و(بالمر) عام 1880م، و(بل) 1939م.
وهناك غيرها من الترجمات التي قام بها المستشرقون للقرآن، والتي حملت جميعها أخطاءً منهجية ولغوية، وطعوناً وشبهات استشراقية، وقد نبه على ذلك عدد ممن قام بحصر تلك الترجمات.
خامساً: دور ندوة: (القرآن في الدراسات الاستشراقية) في التنبيه إلى أخطار تحريف مقاصد القرآن الكريم في تشويه صورة الإسلام، وتنمية الوعي العلمي الناقد للاستشراق ووسائله.
بعد أن تحدثت في العناصر الأربعة السابقة عن معنى الاستشراق والمراد بالمستشرقين، وبينت أهداف المستشرقين المشبوهة، ومناهجهم التي وضعوها، ووسائلهم التي ساروا عليها للوصول إلى أهدافهم والتي تتلخص - عند غالبهم - في الطعن في هذا الدين، وتشويه صورته، والطعن في القرآن، والسنة النبوية، وإثارة الشبهات والشكوك حولهما.. إلخ.
بعد أن ذكرت ذلك وبينت بعض الشواهد عليه من كتب المستشرقين أنفسهم، يظهر بجلاء ووضوح مدى أهمية هذه الندوة في تعرية هذا الفكر الاستشراقي، وتعريف الكثير من المسلمين بخطره الشديد، ودوره الخبيث في تشويه صورة الإسلام وإثارة الشبهات حوله، فللندوة - بإذن الله - أثر بالغ في ذلك الجانب.
دور المراكز البحثية
دور مراكز البحوث والمؤسسات العلمية في الدول العربية والإسلامية في بحث ظاهرة الاستشراق.
أو بعبارة أخرى: هل قامت المؤسسات العلمية ومراكز البحوث والدراسات المخصصة في العالم العربي والإسلامي بدورها في بحث ظاهرة الاستشراق؟
فأقول: إن الجواب عن مثل هذا السؤال بالنفي أو الإثبات صعب جداً، لأنه يتطلب حصر هذه المؤسسات، ومراكز البحوث، وجرد أنشطتها العلمية والبحثية، وهذا يحتاج إلى دراسة علمية أكاديمية ولا يكفيه بحث سريع أو مقالة مختصرة عن (الاستشراق والقرآن).
لكن على وجه العموم أقول: هناك تقصير عام في هذه الناحية، فإن لم يكن في كتابة البحوث المتعلقة بالاستشراق والمستشرقين، وفضح أهدافهم وبيان مقاصدهم من تشويه للإسلام، وطعن في القرآن والسنة، وإنكار لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم.. إلخ، فإن لم يكن التقصير في هذا الجانب، فالتقصير واقع فعلاً في نشر هذه البحوث وإيصالها إلى المثقفين من أبناء أمتنا، فضلاً عن أهل التربية والتعليم من المدرسين والمدرسات، فضلاً عن أئمة المساجد والخطباء، فمثل هؤلاء ينبغي أن يبين لهم حقيقة الاستشراق والمستشرقين، ويبين لهم أهدافهم وما يريدون من وراء دراساتهم وأبحاثهم.
ولعل المسؤولين عن هذه الندوة المباركة يقومون بشيء من ذلك عبر طباعة أبحاث هذه الندوة والقيام بتوزيعها على أكبر قدر ممكن من مثقفي أمتنا وأهل التربية والتعليم والدعاة إلى الله تعالى من أئمة وخطباء وغيرهم ليعم النفع بها، ويكثر المستفيدون منها.. والله تعالى أعلم.
* الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.