انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    «الأونروا» : النهب يفاقم مأساة غزة مع اقتراب شبح المجاعة    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    م. الرميح رئيساً لبلدية الخرج    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «الأنسنة» في تطوير الرياض رؤية حضارية    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    إطلالة على الزمن القديم    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    صرخة طفلة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    ترمب المنتصر الكبير    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكرون والباحثون يكشفون افتراءات ومزاعم المستشرقين عن رسول الله
نقاش علمي ومنهجي وصولاً لتوصيات علمية وبدء جلسات الندوة الدولية
نشر في الجزيرة يوم 08 - 11 - 2006

بحضور معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المشرف العام على مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ.. بدأت يوم أمس الثلاثاء السادس عشر من شهر شوال الجاري أولى جلسات الندوة الدولية عن: (القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية).
وقد رأس الجلسة (التي بدأت عند الساعة الرابعة عصراً) فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي، وقرر لها الدكتور عبدالله بن عمر العبدالكريم.
وتم خلال الجلسة مناقشة ثلاثة بحوث، الأول بعنوان: (مصادر القرآن الكريم عند المستشرقين) للدكتور صدر الدين بن عمر كومش، والثاني بعنوان: (مصدر القرآن الكريم في رأي المستشرقين - عرض ونقد -) للدكتور محمد بن السيد راضي جبريل، والثالث بعنوان: (مصدر القرآن الكريم) للدكتور عبدالودود بن مقبول حنيف.
المصادر عند المستشرقين
ففي البحث الأول، تحدث الدكتور صدر الدين بن عمر كومش عن مصادر القرآن عند المستشرقين، حيث تناول مصادر القرآن حسب مزاعم المستشرقين، وكشف عن افتراءاتهم وردها رداً علمياً، وأثبت توافق آراء اليهود قبل أربعة عشر قرناً في عهد نزول القرآن مع آراء المستشرقين المتأخرين في الوقت الحاضر، ثم تطرق إلى المصادر الخارجية والمصادر الداخلية حسب زعمهم، أما المصادر الخارجية فقال: إنها شملت مصادر القرآن في العهد المكي، والزعم بأن القرآن مأخوذ من اليهود والنصاري الذين كانوا يعيشون بمكة، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخذ من الراهب بحيرا في رحلته التجارية، ومن الصابئين، وأخذ تعاليم القرآن من عمر - رضي الله عنه -، وأن القرآن مأخوذ من الفكر السائد وقت البعثة.
كما تناول الباحث مصادر القرآن الكريم في العهد المدني في زعمهم، وعدو منها أهل الكتاب، وزعموا أن القرآن أخذ من الكتاب المقدس، وبين الباحث تطابق الرسالات السماوية، وأشار إلى بعض الأسباب التي تمنع أن يكون الكتاب المقدس مصدراً للقرآن الكريم، ثم تعرض البحث للمصادر الداخلية التي تتعلق بشخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وزعمهم بأنه ينسب كلامه إلى الله تعالى لتحقيق آماله، وقد أصيب بما يعرف بأمراض الخيال ومزاعم أخرى باطلة، حيث رد عليها الباحث رداً علمياً.
المصدر في رأي المستشرقين
ثم قدم الدكتور محمد بن السيد راضي جبريل البحث الثاني في هذه الجلسة، حيث تضمن عرضاً نقدياً عن: (مصدر القرآن الكريم في رأي المستشرقين) أبان في مقدمته أن عيون التاريخ وهي ترقب - عبر الأزمان - ساحة الصراع بين الحق والباطل قد رصدت عداءً شديداً للإسلام وأهله، انطوت عليه صدور أحزاب الكفر وجند الشيطان وقد حمل هذا العداء السيف أحياناً، ونفث سموم الحقد تشكيكاً وإضلالاً، وتهجماً أحياناً أخرى.
وقال: إن دورات الصراع تتعاقب - تتخللها دروس للمؤمنين وابتلاءات - لتشهد مصارع الباطل واندحار حزبه سواء في مجال السيف والقتال قال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}، أو في مجال الحجة والبرهان قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ }.
وأضاف منذ زمن بعيد - وفي مجال حرب الفكرة والكلمة - لبست جموع من أعداء الإسلام من خارج مجتمعه ومن داخله - في إطار التلبيس - مسوح العلم، وتسربلوا بلباس ظاهرة الحيدة والإنصاف، وباطنه الكفر والتعصب، وراحوا يشنون أعنف الغارات على دين الإسلام في عقيدته وتشريعاته، وآدابه وأخلاقه، من خلال الطعن في كتابه الذي هو دستور ذلك كله، وتنوعت الوسائل في هذا الطعن بتنوع الطاعنين الذين اتحدت قواهم، وحاولوا جاهدين تفريغ الإسلام من مضمونه العقدي والتشريعي عن طريق غزو العقل الإسلامي والفكر الإسلامي فيما اصطلح الباحثون على تسميته بالتغريب، كما شدد الباحث على أن من يملك أدنى قدر من الإنصاف لا يستطيع أن ينكر أو يغض الطرف عن تصاعد حملة العداء على الإسلام وكتابه القرآن تصاعداً تشابك فيه الجانب الفكري مع الجانب المادي، وتمثل ذلك في ممارسات شهدها العالم في الآونة الأخيرة، كان مبعثها الكراهية العمياء والحقد الدفين ليس للمسلمين أفراداً فحسب، ولكن للإسلام ديناً، وللقرآن دستوراً لهذا الدين.
وبين الدكتور محمد بن السيد راضي جبريل في بحثه أنه في وسط ذلك كله، وفي تلك الظروف التي يمر بها الإسلام ويحياها المسلمون حق على كل مسلم أنعم الله عليه بنعمة الإسلام عامة، والعلماء منهم خاصة أن يهبوا بما يملكون، وبما يحسنون من أدوات للدفاع عن هذا الدين وأن يكشفوا زيف الدعاوي المضللة التي تشكك في القرآن، وأن يعرضوا - رغم الجراح - على الدنيا منهج الخير، وأن يضيئوا للعالم مصابيح الهدى فذلك واجبهم وقدرهم، وأن يردوا عن دينهم ما يراد إلصاقه به من زيف وبهتان، وأن يصبروا على ذلك له ويحتسبوه عند الله تعالى، وأن يستصحبوا في ذلك منطلق العالمية في رسالتهم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.ولقد كانت المملكة العربية السعودية سباقة في هذا المضمار إلى خدمة كتاب الله تعالى والذود عن حياضه، وذلك عن طريق ذلك الصرح الإسلامي الشامخ، وهو (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة) الذي قام ويقوم بفضل من الله تعالى بخدمة الكتاب الكريم: طباعة للمصحف، وتفسيراً للقرآن العظيم، وترجمة لمعانيه، وإثراءً للدراسات القرآنية في شتى مجالاتها، وفي سياق جهود هذا الصرح الضخم تأتي هذه الندوة التي دعا المجمع إلى عقدها شاملة العديد من المحاور التي تضمنت موضوعات تصب كلها في بيان موقف الاستشراق ومسلكه تجاه القرآن الكريم.
وقد تحدث الباحث بعد ذلك عن موقف المستشرقين من مصدر القرآن الكريم، حيث تضمن الحديث عرض دعاواهم أن مصدر القرآن هو: النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه، أو البيئة الجاهلية، أو الحنفاء، أو اليهودية، أو النصرانية، ورد تلك الدعاوي وتفنيدها، ممهداً لبحثه ببيان موقع القرآن الكريم من رسالة الإسلام، ومبحث: يبين موقف طوائف المكذبين للنبي - صلى الله عليه وسلم - من القرآن في عصر النبوة، وهم: كفار قريش، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى من جهة أخرى.
ففي المبحث الأول عرض الباحث موقف طوائف المكذبين للنبي - صلى الله عليه وسلم - من القرآن (في عصر النبوة)، وفي المبحث الثاني: موقف المستشرقين من مصدر القرآن الكريم، وتناول بعد ذلك بعض الأمور، منها كتمان المستشرقين الحق في كتبهم، تحريفهم لتلك الكتب بتغيير ما فيها من أحكام، وإيمانهم ببعض الكتاب وكفرهم بالبعضن نبذهم الكتاب كله وراء ظهورهم عناداً في القرآن، تلبيسهم الحق بالباطل وكتمانهم الحق، واختلافهم فيما بينهم حول ما عليه كل منهم، ببعض الكتاب الحق، واختلافهم فيما بينهم حول ما عيه كل منهم، وتسجيل السيرة الطاهرة، وفي المبحث الثالث: تساءل الباحث: هل جاء المستشرقون بجديد في محاولة نفي صبغة الوحي الإلهي عن القرآن الكريم؟ خاتماً بحثه ببيان الأدلة القاطعة على كون القرآن الكريم من عند الله تعالى، أولاً: تأخر الوحي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع شدة الحاجة إليه، اتيان الوحي معاتباً له - صلى الله عليه وسلم - أو موجهاً إلى غير ما أراد، ثالثاً: إعجاز القرآن البشر جميعاً عن الإتيان بمثله.
شبهات المستشرقين
أما البحث الثالث في هذه الندوة، فقدمه فضيلة الدكتور عبدالودود بن مقبول حنيف وكان بعنوان: (مصدر القرآن الكريم)، حيث بين فضيلته في بداية البحث أن القرآن الكريم هو المعجزة العظمى والحجة البالغة لخاتم الأنبياء والمرسلين، لا يتطرق إليه شك، قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، فهو كتاب إعجاز وهداية وكتاب تشريع.
وقال الباحث: إن المستشرقين كرسوا جهودهم المالية والفكرية لدراسة القرآن الكريم والإسلام، ووقفوا منهما موقف الخصومة والاستنكار، حتى أضحى القرآن الكريم هو أغنى المواضيع عندهم على الإطلاق، وأنشئت في العالم معاهد وكليات غرضها الرئيس هو حرب الأمة الإسلامية في قرآنها وعقيدتها وأخلاقها وسلوكها، والعمل على غرس مبادئ الكفر والإلحاد في نفوس المسلمين وأبنائهم، وهدم القيم الصحيحة الموجودة في القرآن، وصدق الله، فقد قال في أوجز عبارة وأدق تصوير: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِي وَلاَ نَصِيرٍ}.
ولفت الدكتور عبدالودود حنيف النظر إلى أن للاستشراق آثاراً بليغة في بعض أبناء المسلمين وفي صد الغربيين عن الدخول في الإسلام، مع أن هناك بعض الدراسات التي اتسمت بالموضوعية، وما يفعله الأعداء في هذا العصر وخاصة بعض المستشرقين الذين يتظاهرون بالأمانة العلمية والنزاهة المجردة عن الهوى أشد خطراً وأعظم مكراً ودهاءً، لالتواء هذه الأساليب وتنوع حيلها واستخدامها جميع الفنون للصد عن سبيل الله، والطعن في كتاب الله تعالى، والغرض الرئيس لهؤلاء المستشرقين هو تذويب شخصية الأمة الإسلامية وتمييعها وقطع الصلة بينها وبين قرآنها وسنة نبيها ومنهج ربها، مبرزاً فضيلته أن القرآن الكريم تعرض لافتراءات ودسائس كثيرة منذ فجر الدعوة الإسلامية، وألفت فيه كتب كثيرة اهتمت بنواح عدة، فكان هناك كتب اهتم أصحابها بمصادر القرآن، وتهدف غالبية هذه الكتب إلى إثارة الشبهات والمزاعم حول المصدر الإلهي للقرآن الكريم وأصالة القرآن.
وأكد فضيلته أن أكثر المستشرقين لم يتوصلوا إلى تكوين فكرة صحيحة عن مصدر القرآن ولا عن الوحي الذي أنزله الله على نبيه، فانساق الكتاب الغربيون وراءهم يرددون الفكرة نفسها من غير بينه، بل إن المتعصبين منهم عندما يتحدثون عن الرسول والقرآن والإسلام تتحول ألسنتهم إلى معاول هدمٍ، مشيراً إلى أن الأمة الإسلامية أولت عناية فائقة بالقرآن الكريم منذ نزوله على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا، ولم يدع العلماء ناحية من نواحي القرآن الكريم الخصبة إلا وألفوا فيها المؤلفات القيمة، فمنهم من ألف في نزول القرآن، ومنهم من ألف في إعجازه، ومنهم من ألف في إعرابه، ومنهم من ألف في تفسيره، ويتمالكك العجب حين ترى الكم الهائل من كتب التفسير - وهم يتبارون في تفسيره - فمنهم من يهتم بإبراز الجانب اللغوي، ومنهم من يهتم بإبراز الجانب البلاغي، ومنهم من يهتم بإبراز الجانب البياني، ومنهم من يهتم بإبراز الجانب الفقهي، ومنهم من يهتم بإبراز الجانب الإعجازي.
وشدد عبدالودود أن حكومة خادم الحرمين الشريفين سباقة إلى الخبر، فهي تحرص على المشاركة والحضور في جميع الأوجه والنشاطات التي تخدم الكتاب والسنة وخاصة فيما يتعلق بالعناية بالقرآن الكريم والاهتمام به، وجهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في خدمة القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والدفاع عنهما متواصلة وهي جهود مباركة لا تخفى على أحد، وقد عرف الباحث في مستهل بحثه القرآن في اللغة والاصطلاح، ثم تحدث عن مصدر القرآن الكريم حيث تناول في هذه الفصل ثلاثة مباحث: المبحث الأول: المنزل وهو المولى (جل وعلا) عن طريق جبريل عليه السلام، والمبحث الثاني: عن طريق محمد (صلى الله عليه وسلم) والمبحث الثالث: عن الصحابة، ووصوله إلينا عن طريق التواتر، كما تطرق لشبهات المستشرقين حول مصدر القرآن وفيه مبحثان: المبحث الأول: الاستشراق في اللغة والإصطلاح، والمبحث الثاني: دحض ونقد أهم شبهات المتشرقين حول مصدر القرآن (الشبهة الأولى: بشرية القرآن، الشبهة الثانية: أن مصدر القرآن هو الديانات الأخرى، الشبهة الثالثة: أن مصدر القرآن الحنيفية، ورجالها قبل البعثة المحمدية، الشبهة الرابعة: الحالة التي كانت تعتري النبي صلى الله عليه وسلم حالة صرع، الشبهة الخامسة أن القرآن الكريم لم ينقل عن طريق التواتر بل عن طريق الآحاد، الشبهة السادسة أن القرآن الكريم حرف وبدل بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)).
وخلص الدكتور عبدالودود حنيف إلى القول: إن القرآن الكريم كلام الله تعالى المنزل بالوحي على قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باللفظ والمعنى كلمة كلمة، بل حرفاً حرفاً فهو منقول إلينا عن طريق التواتر، وأنه الكتاب السماوي الوحيد الذي حفظه الله تعالى، فقد وصل إلينا كاملاً غير ناقص سالماً من التغيير والتحريف والزيادة والنقصان، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.وشدد الباحث على أن واجب العلماء والدعاة كبير في كشف باطل المستشرقين وتحريفاتهم للقرآن الكريم، والرد عليهم بالحجج الساطعة والبراهين الواضحة، وأنه لا يوجد دليل واحد صحيح على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ القرآن من يهودي أو نصراني، وقال: إن غالبية المستشرقين يجمعون على الوقوف في وجه القرآن الكريم وكتبهم مليئة بالأكاذيب على القرآن الكريم ومحاولات النيل منه، وأن الاستشراق لون من ألوان الغزو الفكري، وللمستشرقين أهداف خطيرة، أهمها إثارة الشبهات حول الإسلام، وكثيراً ما يحرفون النصوص الإسلامية ويضعونها في غير موضعها، وقد دأب المستشرقون على ذلك قديماً وحديثاً، واندفعوا إلى هذه الطعون بسبب عداوة الغرب للإسلام التي تأصلت فيهم فألجاتهم إلى الكذب والتشوية وذكر أساطير خياليه مبنية على الأوهام وبسبب موروثهم الاستشراقي من وجهة أخرى.
ودعا فضيلة الدكتور عبدالودود حنيف إلى حماية المسلمين من الاستشراق والمستشرقين وذلك بتحصينهم بالإسلام ومبادئه حتى لا يكونوا عرضة لهم ولأهدافهم، مؤكداً أهمية بيان حقيقة القرآن الكريم وعظمة هذا الدين، وبيان حقيقة المستشرقين وكشف فساد مزاعمهم ووضع برامج للحد من خططهم، وأقترح إنشاء مراكز علمية متخصصة عن الاستشراق، ودراسة كل ما يتعلق بالمستشرقين تحت إشراف منظمة المؤتمر الإسلامي أو أي جهة أخرى، وتوضع لها ميزانية مستقلة.
وعند الساعة الثامنة من مساء اليوم ذاته، عقدت الجلسة الثانية للندوة برئاسة معالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الفالح، وقرر لها الدكتور علي بن عتيق الحربي، وناقشت أربعة بحوث: البحث الأول: (مناهج المستشرقين البحثية في دراسة القرآن الكريم) للدكتور حسن بن إدريس عزوزي، والثاني: (مناهج المستشرقين الألمان في ترجمات معاني القرآن الكريم في ضوء نظريات الترجمة الحديثة) للدكتور محمد بن محمد حجاج رشيدي، والثالث: (منهج الإسقاط في الدراسات القرآنية عند المستشرقين - دراسة تحليلية منهجية) للدكتور محمد عامر بن عبدالمجيد مظاهري، والرابع: (الخطاب الاستشراقي والقرآن الكريم - التشريعات المالية في القرآن الكريم نموذجاً) للدكتور عبدالرزاق بن عبدالمجيد ألارو.
مناهج المستشرقين
وكان المتحدث الأول في هذه الجلسة الدكتور حسن بن إدريس عزوزي الذي قدم بحثاً بعنوان: (مناهج المستشرقين البحثية في دراسة القرآن الكريم) حيث تحدث في المقدمة عن طبيعة مناهج المستشرقين في دراسة القرآن الكريم، موضحاً أن هذا البحث يسعى إلى تأكيد أن طرائق المستشرقين في دراسة القرآن الكريم، موضحاً أن هذا البحث يسعى إلى تأكيد أن طرائق المستشرقين ومناهجهم في دراسة القرآن الكريم تختلف عن تلكم الموظفة في علوم أخرى، ذلك أن المنهج الاستشراقي العام في دراسة تاريخ القرآن وعلومه يكاد يكون غير علمي، ومفصولاً عن سياق الموضوعية والحياد المطلوبين في كل بحث، وبالتالي في كل منهج علمي، لقد اهتم المستشرقون بدراسة علوم القرآن والتفسير اهتماماً بالغاً على اعتبار كونها علوماً خادمة للقرآن ومعينة على فهم مقاصده وأغراضه، ولاشك أن القرآنيات تشكل المجال الخصب الذي تواردت عليه أقلام كثير من المستشرقين سواء بالدراسة والبحث أو بالتحليل والنقد، وقال: إلا أن هذا لا يمنع من الإطلاع على ما يقال في حق القرآن الكريم، وبالتالي تبين مناهج وآليات البحث لدى القوم، إننا بالمقابل لا ننكر تغير المنهج الاستشراقي في هذا المجال نحو الأفضل والأحسن، فثمة، فرق بين الاستشراق القديم والاستشراق المعاصر، لكنه فرق في الدرجة فقط وفي النوع، لقد أضحى الاستشراق المعاصر أقدر على تفهم واستيعاب بعض قضايا ومسائل علوم القرآن وإيحاءاتها عكس ما كان سائداً قبل مطلع القرن العشرين، حيث كانت أبحاث المستشرقين القرآنية يطبعها منهج سافر يوجه من خلاله الشتم والسب في حق القرآن الكريم، والنبي - عليه الصلاة والسلام -.
وبعد أن عرض الباحث بعض ما جاء في كتب عدد من المستشرقين في الماضي والحاضر ومنهم الملقب بشيخ المستشرقين في الدراسات القرآنية تيودورنولدكه (ت 1931م) Th Noldeke في هذا المجال كتابه الشهير (تاريخ القرآن) des Qorns Geschichtr الذي يعد دستور المستشرقين في معرفة تاريخ القرآن، حتى أضحى الكتاب أبرز المصادر التي لا يستغني عنها الباحثون الغربيون في ميدان القرآنيات، فهو عرض تاريخي مفصل كل المسائل والموضوعات التي تتصل بتاريخ القرآن الكريم وعلومه ومختلف مباحثه وقضاياه، منذ نزول الوحي إلى عصر المؤلف.وأضاف الدكتور عزوزي أنه يمكن اعتبار كتاب نولدكه منعطفاً بارزاً في سياق البحث الاستشراقي في الدراسات القرآنية، ومما زاد تكريس هذا الأمر اهتمام المستشرقين المتأخرين كافة بالكتاب، واتكاءهم عليه في أبحاثهم ودراساتهم، مشيراً إلى أن تناول المستشرقين لحقل القرآنيات شديد التعقيد والتداخل لا يمكن حصره وتصنيفه بيسر، لاختلاف مناهج المستشرقين وخلفياتهم الفكرية والثقافية التي ينطلقون منها في دراساتهم، وترجع صعوبة التصنيف أيضاً إلى تنوع مداخل وطرق تناول الموضوعات المرتبطة بالقرآن حسب تطبيقهم لها في الزمان والمكان.
وقال: إننا بقدر ما ننوي استعراض مناهج القوم في دراسة القرآن الكريم والتي تعتبر إلى حد بعيد مخلة بقواعد المنهج العلمي الصحيح، نرمي إلى تجاوز الإشارة إلى بعض الأعمال المفيدة التي قدمها زمرة من المستشرقين في مجال تحقيق ونشر النصوص المتعلقة بالدراسات القرآنية، مثل نشر (التيسير) و(المقنع) وكلاهما للداني (ت 444ه) وغاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري (ت 833ه) وبعض كتب شواذ القراءات ومعاني القرآن وغيرها، ويرجع لتلامذة نولدكه الألمان أكبر الفضل في ارتياد تحقيق النصوص القرآنية ونشرها، وهو ما كان يمثل بالنسبة إليهم جزءاً من مشروع ضخم شرع فيه هؤلاء بتأسيس معهد للابحاث القرآنية بمدينة ميونيخ، وقد اهتموا بجمع كل المصادر المطبوعة والمخطوطة المتعلقة بالقرآن الكريم، وعلومه مع الشروع في إنجاز أوسع وأضخم تفسير للقرآن يتمثل في وضع كل آية من آيات القرآن في علبة خاصة تجمع فيها الاقتباسات حسب زمن المفسر الأقدم فالأقدم، فكان من الممكن أن يعرف تطور التفسير لكل لفظة ولكن آية من القرآن، غير أن هذا المعهد الذي احتضن المشروع قد وقعت عليه قنابل الحرب العالمية الثانية فدمرته وأتلفت المشروع.
وخلص الدكتور حسن عزوزي إلى القول: إن مثل هذه الأعمال الإيجابية لن نقف عندها، لأن مهمتنا في هذا البحث تقتضي الكشف عن مناهج هؤلاء المستشرقين في دراسة القرآن وعلومه والتي تؤكد مرة أخرى المستشرق مهما حاول أن يكون على درجة من الحيادية والتزام الموضوعية في أبحاثه القرآنية، فإنه لن يفلح في ذلك، لأن دراسات المستشرقين في مجال القرآنيات ليست كغيرها، لا لشيء إلا لكونها تنصب على موضوع يرتبط بمسألة الوحي المحمدي الذي لا يؤمن به الباحث الغربي، ولا يمكن أن يتعاطف معه مبدئياً، وبالتالي لا بد أن تؤثر فيه قناعاته الدينية وخلفياته الفكرية في مجال البحث، كما أن المسائل القرآنية ترتبط بعالم الغيب الذي ليس بمقدور الحس أو العقل أن يدلي بكلمة فيها إلا بمقدار، إذ إن رؤية المستشرق العقلية والمادية لا بد أن تمارس نوعاً من التكسير والتجريح في حق القرآن الكريم وعلومه، فترتطم بذلك بالبدهيات والمسلمات.
بعد ذلك بدأ الباحث الدكتور حسن عزوزي باستعراض بعض أبرز المناهج الاستشراقية في بحث علوم القرآن وقضاياه، وأنهى الباحث بحثه إلى عقم المناهج الاستشراقية في دراسة القرآن الكريم وعلومه، لأنها مناهج تعالج الظواهر والوقائع وفق منظور مادي وعقلي محض، وهذا ما لا يتناسب ودراسة القرآن الكريم التي لا تخضع لمنهج التجربة ولا يمكن أن تطوع لأحكام العقل، وإذا كان علماء الأديان الغربيون قد درسوا التوراة والأناجيل وفق تلك المناهج المادية في إطار من الدراسات الدينية المقارنة فإن أمر القرآن الكريم يختلف عن ذلك، فهو وحي إلهي لم تمسه تحريفات الإنسان أو تغييرات الزمان، لذلك وجب على من يدرسه ويحلل قضاياه أن يدرسه بعقلية تؤمن بالغيب وما يترتب على ذلك، ليس من المتاح لفئات المستشرقين قدامي كانوا أو معاصرين التخلص من خلفياتهم الفكرية التي نسجتها بيئات معينة وظروف خاصة، ولا من رؤاهم المادية والتغريبية التي أملتها في البحث والتحليل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.