اختتمت يوم أمس الخميس الثامن عشر من شهر شوال الجاري فعاليات الندوة الدولية: (القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية)التي نظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينةالمنورة نشاطاتها بعقد ثلاث جلسات (السابعة، والثامنة، والتاسعة). وقد عقدت الجلسة السابعة برئاسة معالي الشيخ الدكتور عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان، وقرر لها الدكتور طلال بن عبد الله ملوش، وناقشت أربعة بحوث: الأول :(دراسات القرآن الكريم الاستشراقية (مسح تاريخي) للدكتور محمد مهر علي، والثاني: (جهود العلماء المسلمين في دراسة الكتابات الاستشراقية حول القرآن الكريم (رصد وراقي بيليوجرافي) للدكتور علي ابن إبراهيم النملة، والثالث: (ثبت مراجع حول ترجمات معاني القرآن الكريم الصادرة في إسبانيا) (حصيلة ستة قرون) للدكتور سيف الإسلام بن عبد النور الهلالي، والرابع: (ملاحظات على إسهامات المستشرقين في الدراسات القرآنية) للدكتور شتيفان فيلد. مسح تاريخي وفي بداية الجلسة تم مناقشة البحث الأول للدكتور محمد مهر علي الذي كان بعنوان: (دراسات القرآن الكريم الاستشراقية - مسح تاريخي -)، حيث بين الباحث أن دراسات المستشرقين في القرآن الكريم تمتد عبر ثلاث حقب غير متساوية، وأن الحقبة الأولى بدأت بترجمة معاني القرآن الكريم على اللغة اللاتينية عام 1143م، بينما بدأت الثانية في القرن التاسع عشر الميلادي عندما مد الأوروبيون نفوذهم في عدد من الدول الإسلامية، أما الحقبة الثالثة فبدأت من الربع الأخير من القرن العشرين. واستعرض الباحث عقب ذلك معالم كل حقبة من الحقب الثلاث مع دراسة الأعمال الاستشراقية البارزة المنجزة فيها في مجال القرآن الكريم. رصد وراقي ثم ناقشت الجلسة البحث المقدم من الدكتور علي بن إبراهيم النملة الذي كان بعنوان: (جهود علماء المسلمين في دراسة الكتابات الاستشراقية حول القرآن الكريم) رصد وراقي ببليوجرافي، قال الباحث في مستهله : إن من وسائل نشر المعلومة الشرعية نقلها لغوياً، من اللغة العربية إلى لغات أخرى، يتحدثها من يتحدثون غير العربية، من المنتمين للإسلام، ومن غير المنتمين إلى الإسلام، وتسمى هذه الوسيلة النقل والترجمة، وأول ما يتبادر إلى الذهن في مسألة ترجمة المعلومة الشرعية نقل القرآن الكريم من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، ولكن القرآن الكريم كلام الله - تعالى - المنزل من عنده، بواسطة جبريل عليه السلام إلى محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، وكلام الخالق تعالى معجز، لا يرقى إليه كلام المخلوقين، من حيث الصياغة والمعنى والمدلول والديمومة، وفيه كلمات لا مقابل لها في اللغات الأخرى، ولا تتهيأ ترجمته إلى أي لغة أخرى ترجمة حرفية غير ميسورة، مهما قامت المحاولات قديماً وحديثاً، ولذا كانت هناك محاولات للتعامل مع هذه الاستحالة بتفسير القرآن الكريم بلغات أخرى، كما اصطلح المسلمون على محاولات الترجمة بأنها تعامل مع المعنى. وأبان الدكتور النملة أن هذه المحاولات حول ترجمة معاني القرآن الكريم لا تكاد تخلو من الخلل المتعمد في مجمله، وغير المقصود في قليل منه. ذلك أن هؤلاء النقلة والمترجمين قد افتقدوا عاملين مهمين؛ أولها: الافتقار إلى الانتماء إلى هذا الإسلام، وما يمثله من ثقافة، وبالتالي أعطاهم عدم الانتماء، الجرأة في الحكم والتحليل دون النظر إلى التأثير ولو كان هذا التأثير سلبياً، والعامل الثاني: هو افتقار النقلة والمترجمين إلى الإلمام باللغة التي جاءت بها المعلومة الشرعية، وهي هنا اللغة العربية رغم محاولاتهم الجادة للسيطرة عليها، وهذا العامل الثاني أخف بكثير من العامل الأول، ولكن تأثيره بدا واضحاً من خلال اضطرار المستشرقين إلى الاستعانة بالضليعين باللغة العربية من العلماء والأدباء العرب، يقرؤون لهم، وينسخون ما يكتبون والتركيز هنا مخصص لمحاولات فهم القرآن الكريم من أولئك الذين لا ينتمون إليه، ولا يتحدثون لغته العربية، ثم توالت ترجمات القرآن الكريم دون تدخل مباشر بالضرورة من الأديرة والكنائس والمنصرين، ولكن بقدر من الإيحاء الذي أملته العودة إلى الترجمة السابقة، حتى يأتي جورج سيل سنة 1149ه-1734م، الذي أثنى على القرآن الكريم، وترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية، لكنه نفى أن يكون وحياً من عند الله، بل أكد أنه من صنع محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -. ولفت الباحث إلى أن الدارسين يعيدون ترجمة معاني القرآن الكريم المتقدمة تاريخياً، إلى دوافع تنصيرية بالدرجة الأولى، وهذا مبني على القول بإن الاستشراق قد انطلق من الدافع التنصيري، والديني بصورة أعم. ترجمة من إسبانيا أما البحث الثالث في هذه الجلسة، فقد قدمه الدكتور سيف الإسلام بن عبد النور الهلالي بعنوان: (ثَبَتُ مراجع حول ترجمات معاني القرآن الكريم الصادرة من إسبانيا حصيلة ستة قرون) أوضح في بدايته أن المتتبع لتاريخ ترجمات معاني القرآن إلى اللغات الأوروبية سيجد نفسه أمام الاستثناء الإسباني، فإسبانيا التي كانت مسلمة في القرون الماضية وجدت نفسها مجبرة أمام ضغوط الكنيسة والحكام المسيحيين على أن تطوي صفحات من تاريخها، ففرضت المسيحية على كل السكان الذين كانوا يعيشون في شبه الجزيرة الأيبيرية. فأصبحت بذلك المسيحية ديانة وجنسية اعتمدت عليها القوى الحاكمة في تكوين الهوية الجديدة لإسبانيا الحالية، وأضحى كل من لا يدين بالمسيحية مهدداً عند أدنى وشاية أن يجد نفسه أمام محاكم التفتيش التي نادراً ما نجا من عرضوا عليها من المحرقة. وأعقب ذلك محاولات لطمس كل من له علاقة بالإسلام والمسلمين، فأحرقت الكتب وأجبر المسلمون على التنصر الجماعي، ومنع تعلم العربية، وجعل القرآن هدفاً لمحاكم التفتيش ولرجال الكنيسة الذين حاولوا الترصد له ولمن يحمله في كل مكان، حتى إنهم لم يستثنوا بيتاً ولا حجراً ولا شجراً إلا وقلبوه بحثاً عن هذا الكتاب، أو كل ما له علاقة به، وانغلقت إسبانيا في القرون الوسطى على نفسها رويداً رويداً، في محاولة جاهدة لنسيان ذلك العار - على حد زعم حكامها - المتمثل في حقبتها الإسلامية. وخلص الباحث إلى إنه صدرت في إسبانيا حوالي (27) ترجمة للقرآن الكريم، لها أكثر من(100) طبعة، ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام: ترجمات أنجزها مسلمون لمساعدتهم على فهم كتاب الله وأداء شعائر دينهم وتندرج تحت هذا الباب تلك الترجمات إلى اللغة الأعجمية Aljamiado التي قام بها مسلمو القرون الوسطى عندما تعذر عليهم تعلم العربية؛ أو المسلمون المعاصرون ذوو الأصول الإسبانية، وهي ترجمات حاولت أن تكون لصيقة بالنص العربي وحاولت في مجملها المحافظة على بعض المفاهيم الإسلامية بالاكتفاء بكتابة الكلمات بالحرف الإسباني مثل صلاة الله، إبراهيم، موسى، مكة.. إلخ، أما الترجمة الثانية قام بها رجال دين مسيحيون ومستشرقون حاولوا بها الضرب في الإسلام والمسلمين فبتروا من النص الأصلي ما أرادوا، وأقحموا ما أرادوا فجاءت ترجماتهم ممسوخة لا تصمد أمام أبسط دراسة موضوعية أو مقارنة مع النص العربي. لكنها أسهمت في وقتها في بث الأفكار التي أرادها القائمون عليها. وفي الغالب كان شعار هذه الترجمات أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نقل بعض ما جاء في العهد القديم والأناجيل، وخلق كتاباً مليئاً بالمتناقضات، ولذا نجد ترجماتهم مليئة بالحواشي والملاحظات التي تدفع القارئ إلى اعتقاد ذلك، أما الترجمة الثالثة هي ترجمات أنجزها أساتذة في أقسام العربية، أو ما يصطلح عليه بالمستعربين، وحاولوا توخي الموضوعية، لكنهم في كثير من الأحيان تأثروا بالإيديولوجية والتربية السائدة في محيطهم، فأخرجوا نصوصاً مقبولة من حيث مستوى الترجمة، لكنها مليئة بالحواشي والجمل الاعتراضية التي تبعدهم عن الموضوعية التي رسموها هدفاً لعملهم. ملاحظات على المستشرقين عقب ذلك ناقشت الجلسة البحث الرابع للدكتور شتيفان فيلد بعنوان: (ملاحظات على إسهامات المستشرقين في الدراسة القرآنية)، حيث قال في بداية البحث: إن الاستشراق أصبح يتعرض لوصفه بأنه إشكالي، كما يتعرض المستشرقون أيضاً لذلك. وأشار الدكتور شتيفان فيلد إلى أن اشتغال الباحثين الأوروبيين غير المسلمين بالقرآن الكريم له تاريخه الطويل، مقتصراً في الحديث على إسهام الناطقين منهم باللغة الألمانية في الأبحاث المتعلقة بالقرآن، في القرنين السابع عشر والثامن عشر للميلاد، حيث كانت الأبحاث التي كتبت عن القرآن تتسم بأنها أولاً صادرة عن جهل، وبقصد الطعن الحاد ثانياً، وثالثاً بأنها صادرة عن خوف عميق؛ ذلك الخوف الذي أثارته الكنائس المسيحية؛ فكثيراً ما كان القرآن يوصف بأنه (القرآن التركي) بوصفه الكتاب المقدس للعثمانيين الذي حاصروا فيينا عام 1683م. ولاحظ الباحث أن مناهج أبحاث غير المسلمين ونتائجهم المتعلقة بالقرآن قوبلت بارتياب شديد، ورفض عريض من قبل المسلمين، وعلى الأخص من قبل العرب منهم، عندما بلغتهم أخبار تلك الدراسات، وأحد الأدلة على ذلك الذي يعد أيضاً من عواقب هذه العوامل التاريخية، أنه لا يوجد إلى اليوم إلا بدايات متواضعة للتعاون بين المسلمين وغير المسلمين في مجال الدراسات العلمية حول القرآن، كما أن التعاون في هذا المجال بدأ بالفعل، ولكن بقدر محدود، عارضاً مشروعين يعتمدان أساساً على التعاون بين بعض الباحثين من الألمان والعرب؛ بين مسلمين وغير مسلمين: أولاً: استبدال الطبعة التي أخرجها جوستاف فلوجل للنص القرآني طبعة المصحف الشريف التي اعتمدها الأزهر، ثانياً: مشروع الألمانيين؛ الأستاذ الدكتور ألبربخت نوث، والأستاذ الدكتور جيرد - روديجار بوين لترميم مخطوطات القرآن في صنعاء، مستعرضاً طبعة جوستاف فلوجل للنص القرآني وما فيها من أخطاء، حيث إن النص القرآني الذي انتشر على نطاق واسع بين غير المسلمين في أوروبا في القرن التاسع عشر ضمه المصحف الذي قام بطبعه ونشره جوستاف فلوجل في لايبزج عام 1834 (وفيما تلا ذلك من طبعات كثيرة له، نقح آخرها جوستاف م.ريدسلوب في لايبزج عام 1924). وتناول الباحث الدكتور شتيفان فيلد مسألة ترميم مخطوطات القرآن في صنعاء بقوله: إنه قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وبالتحديد في عام 1972 تم العثور في سراديب المتحف الوطني في صنعاء على أكياس كبيرة، كانت من مقتنيات الجامع الكبير في صنعاء، تحتوي على كنز فريد من نوعه، كان يحتوي على خمسة عشر ألف قطعة مخطوطة على الرق، تعود إلى حوالي ألف مصحف، وتعد من أوائل المخطوطات التي ثبت إلى الآن أنها تعود إلى النصف الثاني من القرن الأول أو إلى النصف الأول من القرن الثاني للهجرة، وتختلف هذه الرقائق من حيث الحجم، كما أن بعضها عبارة عن صحائف كاملة ولكن أغلبها عبارة عن أجزاء من صحائف تشتمل على بعض الألفاظ، ولم تشتمل هذه الرقائق على مصحف، كان معظمها في حالة سيئة إذ كانت ممزقة أو متلاصقة، وفيها آثار الرطوبة، وقرض الحشرات، الأمر الذي قد يكون السبب في عدم استخدامها، كما أنه نظراً إلى قدسيتها لم يجز التخلص منها، غير أن وضعها في أكياس كبيرة، ولمدة طويلة، لم يحسن من حالتها، وفي عام 1980 أبرمت الحكومتان الألمانية واليمنية اتفاقية ثنائية بينهما بشأن مشروع لترميم المخطوطات الإسلامية القديمة وأرشفتها، وفي عام 1981 بدأ العمل في هذا المشروع، بعد أن أنشئت لهذا الغرض ورشة تعتمد على التقنيات الحديثة لترميم المخطوطات، وذلك في دار المخطوطات بصنعاء، ويرجع الفضل في ذلك كله إلى القاضي إسماعيل الأكوع، الذي كان يرأس آنذاك الهيئة العامة للآثار ودور الكتب في اليمن، وفي الجانب الألماني إلى الأستاذ الدكتور ألبريشت نوث الذي كان يعمل آنذاك أستاذا في جامعة بون، ثم عميداً لمعهد الدراسات بجامعة هامبروغ إلى وفاته عام 1999م. الجلسة الثامنة كما عقدت الجلسة الثامنة برئاسة معالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة، وقرر لها الدكتور مازن بن صلاح مطبقاني، ونوقش في الجلسة أربعة بحوث: الأول بعنوان: (إشكالية تأثر القرآن الكريم بالأناجيل في الفكر الاستشراقي الحديث) للدكتور عبد الحكيم فرحات، والثاني بعنوان: (الأثر الاستشراقي في موقف محمد أركون من القرآن الكريم) للدكتور محمد بن سعيد السرحاني، والثالث بعنوان: (دراسة القرآن الكريم عند المستشرقين في ضوء علم نقد الكتاب المقدس) للدكتور محمد خليفة حسن، والرابع بعنوان: (نقض دعوى المستشرقين بتحريف القرآن الكريم من خلال المقارنة مع كتب أهل الكتاب) للدكتور أحمد معاذ علوان حقي. إشكالية التأثر ففي البحث الأول الذي قدمه الدكتور عبد الحكيم فرحات بعنوان :(إشكالية تأثر القرآن الكريم بالأناجيل في الفكر الاستشراقي الحديث)، بين فيه الباحث أنه تبلورت في الآونة الأخيرة دراسات متعددة في المدارس الاستشراقية والكليات النصرانية تنحو منحى مقارنة الأديان في دراسة الخطاب القرآني لمقارنة موضوعاته ومفاهيمه بمختلف مصادر الأديان التي كانت مزامنة لنزوله للبحث في قضايا التناص والتأثير والتأثر ومسائل التكوين والتكون، توظف لذلك العديد من مناهج النقد الأدبي، وطرق النقد التاريخي، وتستعين بنماذج نقد مختلفة، فأنتجت العديد من النظريات حول خطاب القرآن الكريم ومصادره، وتاريخية خطابه، وهذا ما أعطى الدرس القرآني آفاقاً جديدة، وفتح خطابه على علوم عديدة وأسئلة جديدة. وبين الباحث إلى أنه على الرغم من أهمية هذه الدراسات فإنها لم تحظ باهتمام الباحثين المسلمين، ما جعلها مجالاً عاجاً بنظريات تضع النص القرآني أمام نظريات عديدة حول تاريخيته ومصادره، وتجعل من الوحي استمراراً عادياً لعقائد كانت موجودة في الحيز الثقافي العربي القديم، ومظهراً من مظاهر التأثر الديني والتأثر النصراني، وليس وحياً حتى قال فيليب حتي: (إن مصادر القرآن هي بلا شك: المسيحية واليهودية والوثنية العربية)، ويقاربه كرون Crone، وكوك Cook في ربطهما القرآن بأصول ثقافية مفقودة غابرة من غير تحديد. ولا يخفى أنها نظريات تناقض مقررات الدرس الإسلامي، ومحررات النقد التفسيري، وتطيح بالمعتقد الإسلامي جملة وتفصيلاً، مشيراً إلى أن منطق بحث نظريات تأثر القرآن بالأناجيل على نموذج نقدي يعتمد على مقدمتين منهجيتين متكاملتين، وهما: توافق القرآن والإنجيل في الرؤية والمسيحيات، ووجود النصرانية في الحيز التاريخي الذي ظهر في النص القرآني ينتج عنهما أن القرآن امتداد تاريخي للأناجيل، وانتحال محمدي للمعرفة النصرانية. ومن خلال هذا البحث قدم الدكتور عبد الحكيم فرحات تحليلاً لتلك المقدمتين ودراستهما في مبحثين: (الأول :القرآن والأناجيل ومعطيات المقارنة، والثاني - الظرف التاريخي للتأثر القرآني بالأناجيل، خالصاً إلى القول:إن نظريات تأثر القرآن بالأناجيل تقوم على مقدمتين، الأولى: تقر وجود ظرف تاريخي تمت فيه عملية التأثير والتأثر، وقد اتضح من تحليل المقدمتين، أن المقدمتين مجرد ادعاء لا يستند إلى معطى علمي ولا نقد تاريخي، غدا يظهر أن النص القرآني لا يماثل الأناجيل المعتمدة بمختلف تفسيراتها الرسمية والبدعية؛ لأنها لم تكن منتشرة في وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا مترجمة، كما لا يماثل الأناجيل الأبوكريفية، لأنها لم يعثر عليها بعد في ذلك الزمن، وأبعد من ذلك أن تكون مترجمة، ومهما يكن الأمر فبينهما تخالف في اللغة والمفاهيم، ويجعل كل قول بوجود تأثير وتأثر مجانباً للعلم والنقد التاريخي، وهذا ما يجعل مجرد الالتفات إلى المقدمة الثانية للتحقيق فيها عبثاً من القول ومضيعة للوقت، إذ كيف ينظر في ظروف التأثر ولا تأثير ولا تأثر. الأثر الاستشراقي كما ناقشت الجلسة البحث المقدم من الدكتور محمد بن سعيد السرحاني بعنوان :(الأثر الاستشراقي في موقف محمد أركون من القرآن الكريم) وقد تكون البحث من تمهيد وأربعة فصول، حيث عرف الباحث في البداية الاستشراق، ومحمد أركون، ثم تناول في الفصل الأول: الاهتمامات الاستشراقية بالدراسات القرآنية، وفي الفصل الثاني: موقف أركون من القرآن الكريم، وفي الفصل الثالث: الموقف الاستشراقي المشابه لموقف أركون من القرآن الكريم، وفي الفصل الرابع: نقد منهج أركون في موقفه من القرآن الكريم. وقال الباحث: إنه عمل على استقراء معظم ما كتبه أركون عن القرآن الكريم، وأتبعت ذلك بنقد لمنهجه دون التركيز على المناقشة التفصيلية لموقفه من القرآن الكريم، وذلك لتشابه موقفه وموقف المستشرقين، وقد أحلت إلى المصادر التي ناقشت تلك الشبهات بالتفصيل لمن أراد التوسع والاستزادة، وأوليت بيان الأثر الاستشراقي في منهج أركون عناية واضحة لبيان منهج أركون ومن سار على منهجه ممن يسعون إلى تضليل القراء المسلمين بنقدهم لمنهج المستشرقين في ظاهرهم، وفي حقيقة أمرهم يرددون شبهات المستشرقين ويسيرون على خطاهم. وتوصل الباحث من خلال بحثه إلى كثرة الطاعنين في كتاب الله تعالى، وفي دينه ممن ينتسبون للإسلام في هذا العصر مع اختلاف مشاربهم، وكان من أبرزهم انحرافاً (محمد أركون)، وأن (محمد أركون) ومن سار على منهجه حاولوا استخدام أساليب متعددة في الطعن في كتاب الله تعالى، زاعمين حمل لواء التجديد في التفسير والفهم لكتاب الله تعالى، مدعين الوصول إلى مناهج جديدة في التفسير والتأويل لم يصل إليها أحد من قبلهم، ناقمين على مناهج المستشرقين، وفي حقيقة أمرهم لم يخرجوا عن منهج المستشرقين الطاعنين في كتاب الله تعالى قيد أنملة، وإنما يرددون ما سمعوه وتلقوه عنهم. وقال: إنه إذا كان عداء المستشرقين واضحاً وجلياً في مواقفهم من الإسلام، فإن خطورة من سار على نهجهم من تلامذتهم ممن ينتسبون للإسلام ك(محمد أركون) أشد خطراً وأكثر أثراً، كما تبين من خلال البحث الأثر الجلي لمناهج المستشرقين في تكوين الخلفية الفكرية لمحمد أركون مع كونه ينقم عليهم قدم منهجياتهم في دراستهم للإسلام، مؤكداً فقدان أركون المنهج العلمي، وتخبطه وتشتته في المنهجيات التي يزعم استخدامها ويمتدح نفسه دائماً بسردها، مع فشل تلك المناهج في مجالها الذي تنطبق فيه مسار العلوم الاجتماعية واللغوية والإنسانية. دراسة القرآن أما البحث الثالث في هذه الجلسة فكان للدكتور محمد خليفة حسن بعنوان: (دراسة القرآن الكريم في ضوء علم نقد الكتاب المقدس)، حيث أفاد في تمهيده للبحث أن الدراسات القرآنية عند المستشرقين تناولت عدداً كبيراً من الموضوعات المرتبطة بالقرآن الكريم من منظور استشراقي يختلف كثيراً عن وجهة النظر الإسلامية، وعلى الرغم من أن معظم موضوعات الدراسات القرآنية عند المستشرقين يدور حول شبهات استشراقية عن القرآن الكريم فإنه من الممكن حصر هذه الموضوعات وتقديمها في صورة علمية تعكس الاهتمام العلمي الاستشراقي بالقرآن الكريم، وتفيد في التعرف على أهم مجالات الدراسات القرآنية عن المستشرقين، واتجاهات موضوعات الدراسات القرآنية، كما أنها تفيد في رصد تطور الدراسات القرآنية عند المستشرقين في شكل مستقل داخل إطار الدراسات الإسلامية، أو في شكل مقارن داخل إطار مقارنة الأديان، وبخاصة مقارنة الكتب المقدسة في الأديان. وتوصل الباحث إلى أن ترجمة معاني القرآن الكريم نالت جانباً كبيراً من اهتمام المستشرقين، حيث ناقشوا قضايا ترجمة معاني القرآن الكريم، وصعوبات الترجمة، كما قام عدد منهم بعمل ترجمات لمعاني القرآن الكريم إلى كل اللغات الأوروبية، وكذلك اهتم المستشرقون أيضاً بدور القرآن الكريم في حياة المسلمين، وتأثيره في الاجتماع والتمدن الإسلامي، ودوره في بناء الحضارة الإسلامية وفي التربية والسلوك الإسلامي، مبيناً أنه غلب على هذه الموضوعات القرآنية المتعددة عند المستشرقين عدة اتجاهات من أهمها: اتجاه دراسة القرآن الكريم في ضوء علم نقد الكتاب المقدس Biblical Criticim، اتجاه دراسة القرآن الكريم في ضوء المنهج التنصيري، اتجاه دراسة القرآن الكريم في ضوء المنهج المقارن، الاتجاه المرتبط بترجمات معاني القرآن الكريم. وأوصى الباحث بدعم الدراسات القرآنية في الجامعات الغربية، وذلك من خلال تمويل إنشاء الكراسي المتخصصة في الدراسات القرآنية في أهم الجامعات الغربية مع مراعاة التوزيع الجغرافي السليم لهذه الجامعات بحيث ينشأ كرسي واحد على الأقل في كل بلد أوروبي وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا، وتشجيع الاهتمام بالدراسات الإسلامية والقرآنية في العالم والمساعدة المادية والمعنوية لفتح أقسام لدراسة الإسلام والقرآن الكريم مع الحرص على عدم خضوع هذه الأقسام لتأثيرات سياسية، أو أيديولوجية، وأن تكون دراسة القرآن الكريم فيها دراسة علمية موضوعية تسعى إلى تحقيق الفهم الصحيح للقرآن الكريم وللإسلام، ومتابعة الإصدارات العالمية حول القرآن الكريم، وجمعها، وتحليلها، ودراستها، وتقييمها، والرد عليها من خلال مراجعات، ونقود تنشر بالمجلات العلمية العالمية المعتمدة. وطالب بتشجيع إقامة المؤتمرات، والندوات العلمية الدولية حول القرآن الكريم في داخل العالم الإسلامي وخارجه للتعريف بالقرآن الكريم ومفاهيمه، وذلك بالاتفاق والتنسيق مع الجامعات الإسلامية والعالمية ومن خلال الاتفاقيات العلمية المعترف بها بين الجامعات وكذلك بين مراكز البحوث المتخصصة في الدراسات الإسلامية، ومواصلة العمل العلمي الجاد في ترجمات معاني القرآن الكريم إلى كل لغات العالم مع مراجعة الترجمات الموجودة وتقييمها، والإبقاء على الصالح منها، والتنويه إلى غير الصالح منها. وناشد الدكتور محمد خليفة الأمة الإسلامية إلى العمل على مواجهة محاولات تحريف القرآن الكريم، وذلك من خلال المتابعة العلمية الجادة لهذه المحاولات، والتعريف بها، والمتابعة القانونية لأصحابها، وفرض الرقابة الشديدة عليها، ومنع تداولها وانتشارها بكل الوسائل المشروعة، ونشير على وجه الخصوص إلى الكتاب المزعوم (الفرقان الحق) الذي يمثل أعظم محاولة تحريف للقرآن الكريم في التاريخ الحديث بهدف تنصير المسلمين من خلال تقديم عقائد النصرانية في قالب قرآني، ونشر شبهات المستشرقين والمنصرين حول الإسلام والقرآن الكريم من خلال التلاعب بالنصوص القرآنية وتحريفها وتبديلها. وشدد الباحث على أهمية تأسيس قواعد معلومات خاصة بالقرآن الكريم، والتوسع في استخدام شبكة الإنترنت لنشر المعلومات والمواد السليمة الخاصة بالقرآن الكريم، وموضوعاته، وتفسيره، وترجمة معانيه إلى اللغات العالمية، وللرد المختصر على الشبهات المثارة حوله من جانب المستشرقين والمنصرين وغيرهم، وتشجيع الدراسات المعجمية الخادمة للقرآن الكريم والميسرة لاستخدامه، والتعرف على موضوعاته، وتفسير ألفاظه ودلالاته الصحيحة. نقض الدعوى أما البحث الرابع في هذه الجلسة، فقدمه الدكتور أحمد معاذ علوان حقي، بعنوان: (نقض دعوى المستشرقين بتحريف القرآن الكريم)، حيث أكد في مستهل بحثه أن من خدع الآمال أن ننتظر من أحد المستشرقين بحثاً مبرأ من العيوب، فذلك شيء يتنافى مع وظيفة الاستشراق الذي يمهد الطريق أمام الاستعمار الغربي، والشرقي. وأبان الدكتور حقي من خلال الخلل في مناهج المستشرقين، ونقض دعواهم من خلال المقارنة بين كتبهم وكتاب الله، وسيستبين لكل ذي بصيرة من طلاب الحق أن القرآن الكريم نقل إلينا نقلاً متواتراً، وسيدرك بجلاء النعمة، التي أنعم الله بها على هذه الأمة بحفظ كتابها حين يتعرف على تاريخ كتب أهل الكتاب وسيظهر لنا بجلاء أن بقاء القرآن الكريم دون تحريف ولا تبديل على مر القرون هو معجزة من معجزات القرآن الخالد الذي لا تنتهي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد. وخلص الباحث إلى النتائج التالية: أولاً إن الله - عز وجل - لم يتكفل بحفظ الكتب السابقة ولذلك لم يقيض لها عوامل البقاء وذلك للأمور التالية (لم يحفظ أهل الكتب كتبهم، ولم يكن حفظ الكتاب عندهم عن ظهر قلب سنة ولا فرضاً، بقاء الكتب عند فئة معينة ولم يلق انتشاراً، عدم وجود دولة تحافظ على الكتب، وضياع الكتب، وظهور نسخ بعد ذلك متعددة ومختلفة، ويزعم أصحابها أنها صحيحة دون مستند حقيقي، كما أن الله تكفل بحفظ القرآن الكريم، وقيض له جميع عوامل الحفظ وهي: سهل الله سبحانه وتعالى حفظ القرآن ويسره، فحفظه من الصحابة - رضي الله عنهم - جم غفير وتناقله جيلٌ عن جيل يستحيل تواطؤهم على الكذب، حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على حفظ القرآن الكريم، وكان يلقى على الناس، الذي يدخل الإسلام كان يكلف أحد من الصحابة لتعليمه ما فاته، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابة القرآن بين يديه، واحتفظ بنسخة منه، مضيفاً أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يكتبون القرآن الكريم ويحتفظون بنسخ خاصة بهم، والطريقة التي تم بها حفظ القرآن الكريم مكنتهم من حفظه، وهم أمة تعتمد على الحفظ أكثر من الكتابة، بعد التحاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى قام أبو بكر - رضي الله عنه - بكتابة المصحف بين دفتي كتاب، وفق شروط دقيقة، تم نسخه من المصحف الذي كتب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان الدافع وراء ذلك خشية ضياع القرآن الكريم، وخشية أن يستشهد أحد الصحابة - رضي الله عنهم - في معارك وغزوات مستقبلية، وقد قام عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بنسخ نسخ متعددة استنسخها من مصحف أبي بكر - رضي الله عنه - على رسم واحد وأرسلها إلى الأمصار ومع كل نسخة قارئ يعلمهم القرآن الكريم، وأن دولة الإسلام استمرت دون انقطاع، وكان دستورها القرآن الكريم. وأكد في نهاية بحثه أن شبهات المستشرقين متهافتة؛ لأنهم انطلقوا من منطلقات البعد عن الحياد العلمي النزيه، فكانت شبهاتهم إما أنها تقوم على إغفال جانب الحفظ، أو إلقاء التهم جزافاً بغير دليل، أو إساءة فهم النص عمداً، أو جهلهم بقواعد قبول الخبر، أو تحريف النصوص والكذب حتى توافق هواهم. الجلسة التاسعة والأخيرة كما عقدت الجلسة التاسعة والأخيرة برئاسة معالي الشيخ الدكتور أحمد بن علي سير مباركي، فيما قرر لها الدكتور عبد الله بن محمد العتيبي، وناقشت ثلاثة بحوث: الأول بعنوان: (ترجمة أوري روبين لمعاني القرآن الكريم بالعبرية - عرض وتقويم -) للدكتور محمد بن محمود أبو غدير، والثاني بعنوان: (سورة طه في الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم - دراسة نقدية -) للدكتور عامر الزناتي الجابري، والثالث بعنوان: (المستشرق القسيس إيليجا كولا أكنلادي ومنهجه في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اليوربا) للدكتور عبد الغني أكوريدي عبد الحميد. ترجمة أوري وقدم البحث الأول الدكتور محمد محمود أبو غدير بعنوان: (ترجمة أوري روبين لمعاني القرآن الكريم بالعبرية)، حيث تناول البحث دراسة نقدية لأحدث ترجمة عبرية لمعاني القرآن الكريم، وهي الترجمة التي قام بها بروفيسور أوري روبين أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة تل أبيب، وصدرت في عام 2005م، وقد نقل الباحث عن المترجم قوله في تقديمه لترجمته: إن الهدف من ترجمته تجنب وجوه التقصير في الترجمات العبرية السابقة، معلقاً الباحث على ذلك بقوله: لكن على الرغم من بعض الجوانب الإيجابية في ترجمة (أوري روبين) فقد وقع في أخطاء لم يقع فيها من سبقوه إلى ترجمة معاني القرآن الكريم إلى العبرية، والكثير من هذه الأخطاء مقصود مثل التشكيك في نزول الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما تعمد إعادة تفسير وترجمة بعض المصطلحات والمفاهيم القرآنية في ضوء الأحداث السياسية على فهم القرآن الكريم. وعالج الباحث في بحثه العناصر التالية: أولاً: تاريخ الترجمات العبرية السابقة لمعاني القرآن الكريم وسماتها، ثانياً: دوافع الترجمة الجديدة وشبهاتها، ثالثاً: سمات الترجمة الجديدة، رابعاً: دراسة نقدية لنماذج من الترجمة الجديدة، مشيراً إلى أن التسامح الذي حظي به اليهود تحت الحكم الإسلامي في العصور الوسطى كان له أثره في تقدم النشاط الثقافي والأدبي الذي قام به المفكرون والمترجمون اليهود، حتى إن الكاتب اليهودي المعاصر(جدعون جلعادي) يقول في صدد حديثه عن المعاملة الطيبة التي حظي بها اليهود تحت الحكم الإسلامي في العصور الوسطى: إنها كانت تقوم على سياسة حسن الجوار، وهو وضع لا يمكن استيعابه دون مقارنته بأوضاع اليهود تحت الحكم المسيحي الأوربي منذ العصور الوسطى المتأخرة وحتى سقوط ألمانيا النازية. ويضيف إلى ذلك الكاتب اليهودي المعاصر (دانيئل بايبس) فيقول: (إن اليهود الذين عاشوا تحت الحكم الإسلامي لم يعانوا ما عاناه غيرهم من اليهود الذين تعرضوا للاضطهاد من جانب النظم المسيحية الأوربية). وقال الباحث في خاتمة بحثه: إن صدور ترجمة جديدة لمعاني القرآن الكريم إلى العبرية - وهي الترجمة الرابعة المنشورة وغير المنشورة - يعكس مدى الاهتمام اليهودي بالدراسات القرآنية والإسلامية قبل وبعد قيام إسرائيل، وهذا الاهتمام لا يبرز فقط في هذا العدد الكثير من ترجمات معاني القرآن الكريم، بل وفي إصدار سيل من الكتب والدراسات التي تتناول الإسلام والمسلمين وكتابهم المقدس الأول القرآن الكريم، وكذلك السنة النبوية والكتابات الإسلامية الأخرى، وقد تزايد هذا الاهتمام منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومحاولة دمغ المسلمين بالإرهاب، والادعاء بأنه (إن لم يكن جميع المسلمين إرهابيين فإن جميع الإرهابيين مسلمين)، كما أن أصداء هذا التوجه قد وضحت في الترجمة الجديدة التي أنجزها روبين وسعى من خلالها إلى إعادة تفسير بعض المصطلحات والمفاهيم الإسلامية من خلال ربطها بأحداث سياسية شهدها العالم مؤخراً، مما يعني إسقاط نتائج بعض الأحداث السياسية على فهم معاني القرآن الكريم، مشيراً إلى أن روبين اتفق مع بعض الترجمات السابقة لترجمته في العديد من الأمور، ولكن اختلف معها في أمور أخرى، لافتاً النظر إلى المآخذ التي ارتكبها روبين في ترجمته بأن صاغ ترجمته لمعاني القرآن الكريم بلغة عبرية مبسطة لتلبية احتياجات المتلقي اليهودي، مما أدى إلى ابتعاد الترجمة عن شكل النص القرآني وروحه، وهو ما حاول ريفلين تلافيه، لأنه كان حريصاً على مراعاة هذا البعد البلاغي للقرآن الكريم في ترجمته، حتى إنه استعان بشاعر العبرية الأول (حاييم نحمان بيالق) ليراجع معه صياغة أجزاء من ترجمته، مشيراً إلى أن روبين قد استفاد من النقد الذي وجه إلى الأسلوب الذي استخدمه بن شمس في ترجمته القائم على عدم الالتزام بالتقسيم والترقيم المتعارف عليه لآيات القرآن الكريم وقيامة بشرح المعاني المجملة الواردة في كل خمس آيات وبلغة مبسطة، ثانياً: تخلى روبين دون مبرر عن الترقيم المعرف لآيات القرآن الكريم، ووضع رقم كل آية في أولها وليس في نهايتها، مما جعله يختلف في ذلك عن جميع سابقيه، أما المأخذ الثالث، فيتمثل في أن روبين أضفى أبعاداً سياسية على العديد من المصطلحات والمفاهيم الدينية، وبخاصة المصطلحات والمفاهيم الدينية، وبخاصة المصطلحات ذات البعد الديني الإسلامي مثل: (المجاهد)، و(الشهداء)، و(جمع شهيد) وفعل ذلك أيضاً عند ترجمته لأسماء بعض السور القرآنية، والمأخذ الرابع يتمثل في أن روبين صاغ ترجمته بشيء من التصرف واتباع الأسلوب الأدبي القائم على التقديم والتأخير في ترجمته للنص القرآني، متناسياً أن ذلك قد يقبل في الترجمات الأدبية والإبداعية ولكن لا يقبل عند ترجمة النصوص المقدسة، حيث إن وضع كل كلمة داخل الجملة غاية معينة، ولا يمكن فهم النص بصورة سليمة عند تطبيق أسلوب التقديم والتأخير عليه، وبالنسبة للمأخذ الخامس فيتضح في أن روبين لم يشكل ترجمته لمعاني القرآن الكريم وهو في هذا سار في نفس الطريق الذي انتهجه بن شمشم وريكندروف، واختلف عن النهج الذي طبقه ريفلين الذي تمسك بتشكيل النص المترجم على يديه، وما يمكن أن نقوله في هذا الشأن إنه ربما يظهر من يقول بإنه ليس في ذلك أي ضرر طالما جاءت الترجمة سليمة بقدر الإمكان، ولكن مع النص القرآني يفضل الالتزام بالتشكيل لضمان قراءته بصورة سليمة، وهذا ما يحدث مع اليهود حين يتمسكون بتشكيل نص التوراة وبقية أسفار العهد القديم المتداول الآن بينهم، وما طبق أيضاً في ترجمة الأناجيل المسيحية إلى العبرية، وقد طالب بعض الدارسين اليهود روبين بمراعاة تشكيل ترجمته معاني القرآن الكريم عند إعادة طبعها، كما أن المأخذ السادس يتمثل في أن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية عامة، والعبرية خاصة تختلف عن ترجمة الأعمال الأدبية والتاريخية والسياسية وغيرها، فإذا كان من المتفق عليه صعوبة ترجمة الكتابات الدينية بصورة عامة وترجمة معاني القرآن الكريم بصورة خاصة، لأنه إذا كانت الترجمة عملية أو تجربة تشدها أيادي النظريات المختلفة، فإن ترجمة معاني القرآن مهمة صعبة، نظراً لقدسية النص القرآني وبلاغته وعمق معانيه. سورة طه كما ناقشت الجلسة التاسعة البحث الثاني المقدم من الدكتور عامر الزناتي الجابري بعنوان: (سورة طه في الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم)، وقد استهل الباحث هذا المجال بدراسة الآيات الواردة عن اليهود في الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم، ثم انتقل لبحث إشكالية ترجمة بعض الأوجه البلاغية في هذه الترجمات، ثم كان اختيار سورة (طه) في هذا البحث استكمالاً للمرحلة الأولى من مراحل دراسة كل المواضع التي تمس بني إسرائيل للمرحلة الأولى من مراحل دراسة كل المواضع التي تمس بني إسرائيل بعامة، واليهود بخاصة؛ للوقوف على أسلوب تناول المترجمين لهذه المواضع باعتبارها تمسهم وتتصل بعقيدتهم وكتبهم، خاصة وأن هذه السورة تعرف أيضاً باسم (سورة الكليم). وأوضح الدكتور الجابري أن الهدف الأساسي لهذه الدراسة هو تحديد منهج المترجمين في ضوء مناهج الترجمة، وفي ضوء ظاهرة الاستشراق وموقفها من الإسلام بصفة عامة والقرآن الكريم بصفة خاصة للخروج برؤية واضحة في هذا المجال وصولاً لتصحيح أي خطأ يرد في هذه الترجمات، ومن أجل الإسهام في وضع ترجمة عبرية لمعاني القرآن الكريم من قبل هيئة إسلامية، مشيراً إلى أن الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم بدأت من العصور الوسطى في شكل ترجمات جزئية، ثم كانت أول ترجمة كاملة في منتصف القرن السادس عشر وهي مخطوط، ثم جاءت الترجمات الكاملة المطبوعة حتى بلغت أربع ترجمات حتى الآن. وقال الباحث: يتأكد لنا من خلال الدراسة أن الهدف من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى العبرية لم يكن لمجرد سد الفراغ الموجود في اللغة العبرية فيما يتصل بمعرفة وفهم نص القرآن الكريم، بل كان الهدف من الترجمة (خاصة عن ركندورف وبن شمش بشكل مباشر، وعند ريفلين بشكل غير مباشر) هو تأكيد القول بوجود تأثيرات مقرائية ويهودية في نص القرآن الكريم حاشاه، فالزعم بوجود هدف علمي وراء هذا العمل هو هدف ظاهري فقط؛ لأن الهدف الحقيقي من وراء ذلك هو هدف استشراقي في المقام الأول. وختم الدكتور عامر الجابري بحثه بقوله: إن الرؤية الاستشراقية المعارضة للإسلام ما زالت مسيطرة على وجهة نظر المترجمين، وهو الأمر الذي يستدعي المراجعة الدائمة لما يخرجونه من أعمال تتعلق بالقرآن الكريم وخاصة في مجال ترجمة معانيه، ورغم الجهد الذي بذله هؤلاء المترجمون الذي شابه النقص وعدم الأمانة في النقل، إلا أن أفضل الترجمات هي ترجمة ريفلين رغم ما بها من قصور، مما يحتم مراجعتها وتنقيحها لتصبح ترجمة معتمدة من قبل المسلمين، خاصة وأن القيام بترجمة كاملة بيد مسلمة أمر صعب، وثمة شك في إقبال القارئ اليهودي على قراءتها تحت زعم أنها جاءت لتحسين صورة الإسلام والقرآن أمام غير المسلمين. منهج مستشرق بعد ذلك ناقشت الجلسة التاسعة البحث الثالث للدكتور عبد الغني أكوريدي عبد الحميد بعنوان: (المستشرق القسيس إيليجاكولا أكنلادي ومنهجه في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اليُوربا)، حيث قال: لا يختلف منهج المستشرق القسيس إيليجا كولا أكندي عن منهج ساداته وشركائه في الغرب؛ إذ إن فكرة التنصير هي الدافع الحقيقي خلف انشغال الكنيسة وأهلها بترجمة معاني القرآن الكريم إلى بعض اللغات النصارى على اقتناع تام أن لا سبيل إلى محاربة المسلمين بقوة السلاح وإنما بقوة الكلمة، ودحضها بروح المنطق الحكيم، لقد ألحق هذا القسيس أكنلادي بمعاني القرآن الكريم ما ليس منها، وبث في ترجمته الأفكار الخاطئة وشوه مقاصد القرآن الكريم، بل جاء بافتراءات ارتعشت لها الأجنة في البطون. وبين - في الصدد نفسه - أنه انطلاقاً من خطورة هذه الظاهرة رأى أن السكوت عنها حرام، ولا ينبغي أصلاً أن يقتحم كل من هب ودب، لأنه قد يفسد المترجم المنحرف - مثل هذا - بكلمة أو جملة ما لا يصلح خلال عشرات بل مئات السنين لولا رحمة ربنا علماً بأن المستشرق القسيس أكنلادي وضع هذه الترجمة منذ أكثر من أربعة عقود عام 1965م - 1385ه. وتكمن أهمية هذا البحث المتواضع في توعية المسلمين عن هذه الترجمة المسمومة وتنبيههم عليها وبيان ما دس فيها من الأفكار المشبوهة سواء في الجوانب الشرعية (العقدية والفقهية) أو اللغوية أو الفنية. وخلص الدكتور عبد الغني عبد الحميد إلى القول: إن المستشرقين اقتنعوا بأنه لا سبيل إلى محاربة المسلمين بقوة السلاح وإنما بحرب قوة الكلمة عبر التشكيك في صحة القرآن والطعن في شخصية الرسول وأنشأوا الجمعيات والمجلات، ونظموا المؤتمرات، وألفوا ما فاق على 70 ألف كتاب، فأغلبهم متعصبون ولا ينفك منصفوهم من تأثير ثقافتهم وعقائدهم، وأن فضل السبق لعلماء المشرقيات من الألمان على غيرهم من المستشرقين في خدمة القرآن الكريم، مشيراً إلى أنه بغرض التنصير وغرس الشكوك في قلوب الضعفاء من المسلمين، قام المستشرقون بترجمة القرآن الكريم إلى لغات متعددة من اللاتينية والإنجليزية والفرنسية، وغيرها مشتملة على أخطاء فاحشة نتيجة جهلهم بالعربية لقلة علمهم بمدلول العربية، وحدوث التداخل اللغوي، وأن الترجمة الشفهية لمعاني القرآن الكريم بلغة اليوربا تمكنت وفي فترة طويلة وسبقت الترجمة المكتوبة التي شاعت وتطورت اليوم وبلغت اثنتي عشرة ترجمة. وقال: إن اليورباويين الذين يصل عددهم 30 مليون نسمة أغلبهم مسلمون فقام المستشرق القسيس أكنلادي من الأقلية بترجمة قرآنهم إلى لغتهم ولغته أسوة بإخوانه في الغرب؛ بهدف التنصير ولخصوبة لغة اليوربا التي برع فيها المستشرق القسيس أكنلادي وكتب بها ما لا يقل عن ثلاثين كتاباً، معظمها في الآداب اليورباوية ومسرحيتها، وأخرى بالإنجليزية، وأن نسخة الترجمة المدروسة في البحث تتصف بالجودة من حيث الطباعة واستعمال التعبيرات والتمكن اللغوي، وأن موارده الترجمة الإنجليزية السابقة وبهدف تحريف كلام الله، كما أن ترجمة المستشرق القسيس أكنلادي تحفل بأخطاء مختلفة تستحق الانتباه والاستدراك من أهمها: دس العقيدة العوجاء كتأويل بعض صفات الله وتبديلها بعقيدة التثليث، وتحريف بعض الأحكام الشرعية بتحريم الحلال وتحليل الحرام، وبث المصطلحات النصرانية الإنجيلية في ساحة المسلمين والتقصير في فهم مدلول الآيات وخلو الترجمة من النصوص القرآنية بالعربية، كما تلاعب بآيات القرآن من حذفها وتجزئتها ودمج بعضها في بعض وإدخال كلامه في كلام الله بدون استعمال الهوامش ولا الإشارة، وأنه حقاً لا أهلية له بهذا العمل فعمله سم في دسم، فهو عمل صالح. وفي نهاية بحثه، اقترح الدكتور عبد الغني أكوريدي تشكيل لجنة لمراجعة نسخة مجمع الملك فهد كنسخة وحيدة تتميز بسمات كثيرة، وأن يتكون الأعضاء من أصحاب التخصصات الشرعية واللغوية واليورباوية.. وأن يصدر مجمع علماء بلاد اليوربا قراراً بمنع أي فرد غير مؤهل أو جماعة غير مؤهلة علمياً بالقيام بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اليوربا، ويحرم لغير المسلم أيا كان تخصصه أن يقوم بذلك، بل ويجرم فعله إن أقدم عليه.