«.. يحكى أنه كان هناك قرد شجاع وذوحمية، رأى يوما سمكة تسبح عكس التيار.. فأثارت شفقته.. ورق لها قلبه الطيب فخاطر أيما مخاطرة كي يخلصها مما هي فيه حتى أنه تعلق في غصن شجرة كي يستطيع أن يخرج هذه السمكة «المسكينة» من الماء معتقدا أنه بذلك سوف ينقذها من الغرق..» من منا لعب يوما دور القرد؟ ومن منا لعب يوما دور السمكة؟ من منا تعب من أولئك الذين يلعبون بمهارة.. دور القرد؟ ومن منا أنهكت قواه وهويحاول أن يؤكد أنه سمكة حياتها الماء وأن محاولة إخراجها منه.. إنهاء لحياتها؟ وجوه عدة عانت من هذا وذاك... وجوه عدة لعبت هذا وذاك.. تتساءل قارئي وما علاقة القرد والسمكة بمقال اليوم؟ وقد تستنكر أنك قمت في يوم من أيام حياتك بدور القرد.. أو حتى دور السمكة؟ أنا معك فلقد قرأت هذه الحكاية كثيرا ولم أفهمها جيدا إلا عندما «عشت» دور السمكة.. و «عانيت» من شجاعة القرد المهلكة!!! يمر بك ظرف ما.. ترغب وأنت في معمعته أن تنسحب بهدوء عن كل الذين يعيشون حولك.. تنسحب شيئا فشيئا.. دون أن تحدث خطوات غيابك ضجة عالية تلفت الانتباه.. رغبة منك أن تصل إلى بر الأمان مع نفسك قبل أن تصل إليه مع الآخرين..!! لم تعد أنت.. أنت.. ربما تغيرت... ربما التزمت الصمت... ربما أصبحت تملك ملامح لا تعابير عليها... ربما أصبحت تفتقد تلك القوة التي تدفعك لاحتواء الآخرين... ربما تعيش «كبوة جواد» تحتاج زمنا كي تعاود جولات الانتصار من جديد. احتمالات عدة واردة.. تجعلك تفكر جديا أن تنأى بروحك لفترة من الزمن بعيدا عن كثير من الملامح.. فقد تستشعر روحك الهدوء.. فتعود إلى سالف عهدها..!! أنت هكذا.. عندما تغزوك عاصفة ما.. لا تفكر إلا في كيفية الوصول إلى بر الهدوء. وما بين العاصفة والهدوء.. يحدث لك أن تمتلك «أخلاق صعبة حادة» قد تؤذي من حولك وتجرح مشاعرهم.. إذن تفكر في عزلة تمتد إلى ما شاء الله...!! هكذا أنت.. وهكذا هي العزلة.. طريقتك إلى الراحة وضبط الأعصاب..!! لكنهم قلة أولئك الذين يفهمون رغبة العزلة هذه فيتسارعون عن طيب وحسن نية.. إلى إخراجك من عزلتك.. جاهلين تماما أن ذلك لن يزيد الأمر إلا سوءا على سوء.. لن يزيدك إلا تمسكا بعزلتك.. وبطريقتك في التعامل مع مصاعب الحياة.. انهم لا يطيقون أبدا أن يشاهدوك متعبا.. مهموما.. شاردا.. حزينا.. وان حدث وضبطوك متلبسا بذلك.. فلا نامت أعين الجبناء..!! أنت تؤمن أن لعزلتك منطقا خاصا..وربما يكون مميزا عن أولئك الذين تتعايش معهم.. انك تسعى إلى عقد هدنة بين النفس والحياة.. عزلة.. وهدنة.. لا يخصان أحدا سواك..!! تلك العزلة ليست من أجل أحد.. أنها عزلة من ذلك النوع الذي نعيد فيه لأنفسنا توازن الحياة.. ننقي من خلالها النفس من كل شيء. نطهرها من هذا الهجوم على الدنيا.. نطهر فيها أسماعنا من ذلك الفائض عن الحد من الكلمات التي لا معنى لها ولا هدف.. نطهر أبصارنا من ذلك اللحاق المنطلق لكل ما في الدنيا من ألوان صارخة.. نفكر قليلا بما بين أيدينا.. ماذا أعطينا؟ ماذا أخذنا؟ ماذا فعلنا؟ وماذا سنفعل؟. هذا منهجك في الحياة.. لكن ملامح عدة حولك تستنكر ذلك وترغب صادقة.. جاهدة أن تخلصك من ألمك الذي يزداد وفق فلسفتها الخاصة.. بعزلتك!! تحاول تلك الملامح أن تعيد لك روح الكلام.. وروح المرح.. شكل الابتسامة.. وعمق الضحكة.. تحاول أن تعيدك إلى سابق عهدك معها.. بل إنها كلما شعرت بتمسكك بعزلتك المؤقتة طبعا هي لا تعي هذا الأمر هددتك أن ذلك قد يؤثر على علاقتك معها.. وأنها قد تتغير بدورها عليك.. ولا أنقصك حديثا قارئي.. هي فعلا تتغير دون أن تعلم أن الصداقة الحقيقية هي أن نقبل الآخرين كما هم.. لا أن نغيرهم كما نريد نحن!! وهكذا... وهكذا.. تلبس دور السمكة.. التي لا يضرها أنها تسبح عكس التيار بقدر ما يضرها إخراجها من الماء موطن توازنها الحقيقي!! فهل لعبت قارئي يوما دور السمكة أم دور القرد..؟ سيان الأمر.. لأن الأجمل أن نتعلم أن لكل منا فلسفته الخاصة بالحياة.. فليس جميعنا أسماكا.. وليس جميعنا...!! ü بوح هادئ.. «.. ترى ماذا يمكن أن نسمي تلك المعركة التي نخرج منها دون هزيمة أونصر؟ دون غنائم؟ دون رغبة في الانسحاب أو الاستمرار؟ دون أن نكلف أنفسنا عناء أن ننظر للخلف قليلاً لنتأمل ساحاتها.. لنتأمل صولاتنا على أرضها عندما كنا؟ بماذا يمكن أن نصف كل هذا؟ بل الأكثر حيرة هذا إذا كان هناك حيرة أصلاً بماذا يمكن أن نصف طرف المعركة الآخر الذي لا يزال يبحث عن النصر.. عن الغنائم.. عن الاستمرار.. تراه يعلم أن سيفه مكسور.. وحصانه العزيز قد بلغ من الكبر عتيا.. وان الانسحاب قبل الهزيمة.. لا يعني إلا النصر.. تراه يعلم..؟؟