وزَّع المعلّمُ على التلامذة أوراقاً بيضاء، وطلبَ أن يرسمَ كل منهم سمكة ويلوّنها. أخذ التلاميذ الأوراق البيضاء، وراحوا يرسمون الأسماك. رسم هاني حوضاً مملوءاً بالماء. ورسم في قعرِ الحوض بعض النباتات المائية، والحصى الصغيرة، والرّمل الناعم. ورسم في وسط الماء سمكة تسبحُ وقد فتحت حراشفها إلى أقصاها. فمُ السمكة كان أيضاً مفتوحاً، وكانت تتصاعد منه فقاقيع الهواء. مشى المعلّم بين المقاعد يراقب التلامذة ويوجّههم. وعندما رأى ما رسمه هاني، قال له: - ارسم سمكة فقط من دون حوض. ثم أخذ الورقة من أمام هاني، وقدّم له ورقة جديدة بيضاء. نظر هاني من النافذة فرأى شجرة تين خضراء، وخلف التينة الخضراء كانت تظهرُ السماء الزرقاء، حيث تحلّق ثلاث غيمات بيضاء. فكّر هاني بأن يرسم سمكة في قلب الغيمة .. لكنه أخذ قلمه، ورسم سمكة تسبح في الفضاء! لذلك جعل لها جناحين كجناحيّ العصفور، وتركها تطير فوق سطوح البيوت باتجاه الأفق. عاد المعلّم يراقب التلامذة، وكان معظمهم قد انتقل من مرحلة الرسم إلى مرحلة التلوين، وقد شعر المعلّم بالدهشة، وبشيء من الغضب، عندما رأى سمكة هاني الطائرة! فقال له بنبرةٍ لا تخلو من تأنيب: - ماذا تفعل يا هاني؟ هذه سمكة أم عصفور؟! أجاب هاني: - هذه سمكة تسبح في الفضاء. أخذ المعلّم الورقة من أمام هاني وقدّم له ورقة بيضاء جديدة، وقال له: - ارسم سمكة لا تسبح ولا تطير. أحسّ هاني بشيء من الحزن. ورسم للمعلّم، سمكة ميتة، ومقلوبة على ظهرها .. وفارغة العينين! سأل المعلّم هاني، وكان لا يزال واقفاً بجانبه: - لقد رسمتَ سمكة ميتة .. لماذا؟! أجاب هاني: - لأنّ السمكة التي لا تسبح ولا تطير .. هي سمكة ميتة. قال المعلّم: - انظر إلى سمكة فؤاد .. إنها لا تسبح ولا تطير .. وهي ليست سمكة ميتة. تأمّلَ هاني في سمكة زميله فؤاد الذي يجلس بجانبه وقال: - هذه ليست سمكة .. فالأسماك اما أن تكون حيّة أو ميتة .. وهذه السمكة ليست حيّة ولا ميتة. عندما سمع المعلّم ما قاله هاني، امتلأ خياله بالماء. وانحنى على هاني، وربّتَ على كتفه وقال: - أحسنت يا هاني. ثم طلب المعلّم من جميع تلامذة الصف أن يجعلوا الأسماك التي يرسمونها تسبح في الماء. طلب هاني من المعلّم ورقة جديدة بيضاء، وبفرح شديد، أعاد السمكة إلى الحوض .. وقد أضاف إليها هذه المرة ثلاث أسماك صغيرة، والكثير من النباتات المائية التي تتمايل. وعلى جميع أوراق التلامذة الآخرين، ترقرقَ الماء! وهكذا، دبّت الحياة السعيدة في جميع الأسماك الجامدة على الأوراق. وتحوّلت غرفة الصف إلى بركة تسبح فيها الأسماك وعدد غير قليل من التلامذة. أتى الشّتاء أتى الشّتاءْ أتى الشّتاءْ أتى على أجنحةِ البُرُوقِ والرعودِِ والعواصفِ الهوجاءْ أنا وأختي وأخي والهرَّةُ السّوداءْ طيَّرنا الهواءْ طيَّرنا إلى السَّماءْ إلى السَّماءْ إلى السَّماءْ