في العقود الماضية كانت أعداد الطلاب أقل بكثير مما هو الوضع عليه الآن، وهذا أمر طبيعي فكثافة أعداد الطلاب اليوم ناتجة عن عدة عوامل من أبرزها على الإطلاق النمو السكاني المتسارع وخاصة في العشر سنوات الأخيرة، وتوفر مقومات الحياة بشكل أفضل بكثير مما مضى، كما أن المؤثرات المختلفة التي تؤثر على الطلاب وتحدث لهم نوعاً من التشويش لم تكن منتشرة ومتنوعة كما هو الحال اليوم، لذلك كانت الدروس الخصوصية تقتصر على الطلاب ضعاف المستوى، كما أن طرق تنفيذها تختلف، فكانت، تعطى غالباً مجاناً أو برسوم مخفضة، لذلك لم تكن ظاهرة. ولكن حاليا تغير الوضع بحيث أصبح الطالب المتفوق والمتوسط والضعيف يجتمعون سويا في مكان واحد من أجل الدرس الخصوصي. أو أن كلاً منهم يقوم بذلك في منزله. ولا يمكن رد انتشار الدروس الخصوصية في الآونة الأخيرة لسبب أو عامل احد بل إن العوامل المحيطة بالبيئة المدرسية بشكل عام تجتمع وتتداخل وتؤثر في انتشار هذه الظاهرة دونما فصل أحدهما عن الآخر. فكثافة أعداد الطلاب في الفصول بل وكثافتهم بشكل عام (حيث إن عدد الطلاب في نمو سنوي مستمر)، والرغبة في تحقيق معدلات النجاح المرتفعة خاصة في نهاية المرحلة الثانوية، ورغبة أولياء أمور الطلاب في أن يتفوق أبناؤهم باستمرار، وانشغال الآباء والأمهات عن أبنائهم (لذلك يوفرون لهم البديل) وعدم توفر أو تهيئة البيئة الملائمة للطالب في المنزل، إضافة إلى قصور المعلمين في أداء واجبهم على أكمل وجه (الذين لا ينتجون بكفاءة أثناء اليوم الدراسي) كل ذلك يمثل عوامل أو أسباباً متداخلة ومؤثرة بشكل كبير في عملية انتشار الظاهرة. فلو نظرنا إلى الطالب لوجدنا انه يلجأ إلى الدروس الخصوصية لعدة أسباب لعل من أهمها إدراكه بضعفه العائد إلى عدم تركيزه وتشتت أفكاره أو لمحدودية قدراته الذهنية فهو لا يستطيع دونما مضاعفة الجهد. أو لصعوبة المادة منه وجهة نظره، وقد يكون لطريقة المعلم المتبعة في التعليم أثر في عدم إيصال المعلومات بشكل صحيح، كما أن للعلاقة بين الطالب والمعلم أيضاً تأثيراً في عدم تقبل الطالب للمعلومات وذلك يعود لنواح نفسية (كره المعلم أو المادة)، وكذلك فإن توقع الطالب بأن المعلم سوف يركز على بعض المواضيع أو النقاط التي ستكون مواضع أسئلة الاختبار يعد عاملاً آخر، وأيضاً زيادة علاقته بالمعلم وما ينتج عنها أحياناً من آثار سلبية (كشف أسئلة ونحوه). أما بالنسبة للمعلم فإنه يسعى أيضاً لزيادة دخله وخاصة المعلم المتعاقد لذلك فهو يحاول تشجيع الطلاب على الدروس الخصوصية بالطرق المختلفة. كما أن كثافة أعداد الطلاب بشكل عام في مراحل التعليم العام المختلفة في الآونة الأخيرة وكثافتهم بشكل خاص في الفصل يعد عاملاً مؤثراً في انتشار الظاهرة حيث إن المعلم لا يستطيع أن يغطي جميع متطلبات الدرس اليومي بشكل متكامل من حيث الشرح والتفصيل والكتابة واستخدام الوسائل الحديثة والقيام بالتطبيق أو التقييم الشفهي لفصل يتراوح عدد طلابه 35 50 طالباً على الأقل ليسوا على مستوى واحد من الفهم أو القدرة على التلقي أو الاستجابة أو السلوك. كما أن لرغبة أولياء أمور الطلاب أثراً أيضاً في انتشار الظاهرة وخاصة في السنة الأخيرة من كل مرحلة دراسية وذلك يعود لرغبته في تفوق ابنه لضمان حصوله على مقعد في المرحلة التالية دونما عناء أو جهد ودونما الانتظار أو اللجوء إلى الوسائل الأخرى غير المرغوبة خاصة في المدارس ذات السمعة الجيدة أو المميزة، أو لانشغال الأسرة عن الأبناء لذلك فهم يوجدون البديل الذي يقوم بمتابعتهم بشكل يومي أو أسبوعي. ورغم أن هناك إيجابيات يحصل عليها الطالب جراء التحاقه بالدروس الخصوصية إلا أنها إيجابيات قصيرة المدى وذلك نظراً لأن الهدف منها يكون مرتبطاً بزيادة النسبة أو الحصول على درجات عالية دونما مراعاة للجانب الجوهري أو الأساسي لعملية التعلم وهو مدى تحصيل الطالب العلمي وما يحدث له من تطوير في قدراته أو تفكيره..... إلخ. وهذه للأسف معضلة ليس من السهل التغلب عليها في وقت قصير وهي تعد مشكلة تعاني منها كل دول العالم النامي تقريباً. وبذلك (أرى) أن السلبيات التي تنجم من الدروس الخصوصية تفوق الإيجابيات في أحيان كثيرة وفي ظل النظرة السابقة وخاصة من المنظور طويل الأجل. وذلك لأن الطالب يهدف من ذلك حصوله على نسبة مرتفعة فقط، والمعلم قد يكون هدفه الأساسي هو زيادة دخله وخاصة بعض المعلمين المتعاقدين وذلك يثبته الواقع بل يتجاوز الأمر ذلك إلى أمور لا تتفق مع العملية التربوية وأهدافها السامية (ككشف الأسئلة وخلافه)، ومعظم أولياء الأمور يهدفون أيضاً إلى حصول أبنائهم على نسب مرتفعة في المعدل العام تضمن لهم استمراره في التعليم من خلال قبوله في المراحل التالية لمرحلته (وخاصة نهاية المرحلة الثانوية). كما أن من أبرز سلبيات الدروس الخصوصية هو اعتقاد الطالب بأن المعلم سوف يركز على الدرس أو النقاط التي ستكون أسئلة الاختبار منها فقط. وبذلك فهو قد يتجاهل أموراً كثيرة، وقد يلجأ إلى عملية الحفظ دونما الفهم والاستنتاج والتحليل وخلافه. وأخيراً فإن من سلبياتها استغلال الطالب أو ولي أمره مادياً وخاصة عندما تكون بطريقة غير رسمية. وبذلك قد تتحقق المصالح قصيرة المدى فقط، أما المصلحة العامة فإنها قد تكون منتفية في مثل هذه الحالات اقتصادياً واجتماعياً. ولا أعتقد أن هناك حلولاً عملية للتخلص من ظاهرة الدروس الخصوصية أو الحد منها بشكل كبير في الوقت الحالي أو في المستقبل القريب نظراً لتداخل العوامل السابقة الذكر والمؤثرة على هذه الظاهرة، وبصعوبة فصل أحدها عن الآخر كذلك لأنها تحدث بطريقة غير رسمية (شخصية)، وفي هذه الحالة من الصعب السيطرة عليها، كما أن المبررات المختلفة لاستمرار هذه الظاهرة لكل أطراف العملية لا تزال تتصاعد سنوياً كمشكلة القبول في الجامعات والكليات وارتفاع اسعار السلع والخدمات، وتزايد أعداد الطلاب وازدحامهم في الفصول، وسرعة انتشار وتأثير الخارجية التي تحدث نوعاً من التشويش للطالب، وغيرها. ولكن هناك بعض المقترحات التي يمكن أن تحد من هذه الظاهرة على المدى البعيد وهي: 1 التوعية المستمرة للطلاب ولأولياء أمورهم وتعريفهم بالبدائل المتاحة للدروس الخصوصية مثل الوسائل المساعدة المختلفة والمتوفرة في المكتبات من كتب شرح مبسطة وأفلام مرئية ومسموعة وأشرطة مسموعة وبرامج كمبيوتر... إلخ وما لها من دور في جعل الطالب يعتمد على نفسه في عملية استعادة ما تم تدريسه في السابق وما لها من دور في تبسيط وتحليل ما يصعب على الطالب فهمه من أول وهلة شريطة ألا ترتفع أسعارها وتكون في متناول الجميع وتكون تكاليفها أقل من الدروس الخصوصية. 2 ألا يقوم معلم المادة الأساسية بتدريس الطلاب في الفترة المسائية (الدروس الخصوصية) بحيث يكون هناك إمكانية لقياس مستوى الطالب ومدى تطوره وتحسنه (استفادته من الدروس الإضافية). 3 قصر الدروس الخصوصية على الطلاب ضعاف المستوى الذي يوصي المرشد الطلابي بتسجيلهم بعد متابعتهم والتنسيق مع أسرهم ودراسة أوضاعهم كاملة. 4 أن يقوم المسئولون في الإعلام التربوي بوزارة المعارف أو أي جهة تتبنى ذلك بإعداد برامج مساعدة للمواد العلمية واللغوية والتخصصية ويتم التنسيق مع وزارة الإعلام (التلفزيون) لتقديم هذه البرامج وبثها في أوقات مناسبة لكي يتسنى للجميع الاستفادة منها. وقد انتهجت الوزارة ذلك في السنتين الأخيرتين ولكن البرامج المقدمة تقتصر على بعض مناهج أو مفردات الصف الثالث ثانوي فقط، ونأمل أن تعمم هذه التجربة لكافة مراحل التعليم العام ولمعظم مقرراته. 5 تسهيل وتبسيط المناهج الدراسية سواء من حيث الإعداد أو العرض قدر الإمكان، فالهدف من التعليم هو إكساب الطلاب تجارب وخبرات وتزويدهم بالمعلومات والأفكار المختلفة ومحاولة تنفيذها أو تطبيقها والاستفادة منها حاضراً أومستقبلاً. 6 وان كان لا بد من تقديم هذه الخدمات فإنه من الأجدى تقديمها بطريقة رسمية عن طريق الإدارة التعليمية أو مراكز الإشراف التربوي وبرسوم مخفضة جداً بحيث تتيح لأبناء ذوي الدخول المحدودة والفقراء الاستفادة منها، وأن تقدم عن طريق معلمين أكفاء، وذلك من خلال الترشيح والمفاضلة. 7 فتح باب التطوع وتشجيع المعلمين السعوديين وغيرهم في تقديم هذه الخدمات تطوعاً وبدون مقابل مادي من قبل الطلاب أو ذويهم. 8 تعويد الطلاب على الطرق والأساليب التعليمية التي تعتمد أساساً على التفكير والتحليل والاستنتاج والفهم وإبداء الرأي والمشاركة قدر الإمكان والبعد كل البعد عن الطرق التقليدية التي تعتمد على الحفظ والسرد والتلقين. * عضو الجمعية السعودية للإدارة الرياض 11436 ص ب : 23877