«الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    رئيسة (WAIPA): رؤية 2030 نموذج يحتذى لتحقيق التنمية    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    إسماعيل رشيد: صوت أصيل يودّع الحياة    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    ألوان الطيف    ضاحية بيروت.. دمار شامل    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    أهمية قواعد البيانات في البحث الأكاديمي والمعلومات المالية    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    تطوير الموظفين.. دور من ؟    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العواجي يتحدث عن «الوطن في ظل الثوابت والمتغيرات»
في نادي المدينة الأدبي
نشر في الجزيرة يوم 05 - 01 - 2002

برعاية صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة.. وضمن النشاط الثقافي للنادي الأدبي بالمدينة المنورة، ألقى معالي الدكتور إبراهيم بن محمد العواجي محاضرة بعنوان «الوطن في ظل الثوابت والمتغيرات» وذلك في قاعة مكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة.
وبحضور سعادة المهندس عبدالكريم بن سالم الحنيني وكيل امارة منطقة المدينة المنورة، ومعالي الدكتور عبدالله بن صالح العبيد عضو مجلس الشورى وعدد من الأدباء والمثقفين بمنطقة المدينة المنورة، وقد بدأت المحاضرة بآيات من القرآن الكريم ثم قدم الأستاذ محمد هاشم رشيد رئيس النادي المحاضرة منوهاً بأهمية المحاضرة ثم ألقى الدكتور المحاضرة الاتي نصها:
* لا بد أن نستذكر ثوابتنا الراسخة التي تضعنا في حالة تميز عن الآخرين وتفرض علينا موقفاً داعياً لمقتضيات المحافظة عليها.
* نحن في حاجة الى توعية الأجيال وتحصينها ضد الفيروسات الهلامية التي تؤدي الى مسخ الهوية والخروج بشخصيات مشوهة.
* اطالب باستيعاب ما تحمله آليات التغيير والتعامل معها بثقة بدلاً من الوقوف أو الهروب الى الوراء.
* لا بد من التمييز بين مخرجات التطور التقني والعالمي والأخذ بما لا يتعارض مع منظومة قيمنا الدينية والاجتماعية والثقافية.
ما هو الوطن؟
أهو هذه الأرض المترامية الأطراف بتضاريسها المختلفة وحدودها البرية والبحرية ونظامها السياسي ومنظومتها الإنسانية، ام هو الهوية، والذاكرة او منظومة القيم التي تحكم حياتنا الاجتماعية بكل اطيافها. أهو الثقافة التي تربط المقيمين على ترابه؟.
ويتبع ذلك سؤال يتولد من كلمة الوطن، هي المواطنة فما هي: هل هي الانتماء الرسمي (بطاقة الأحوال وجواز السفر)، أم الانتماء الكلي للوطن، حالة من الالتزام النفسي والاخلاقي المطلق ذلك الانتماء الذي يتفوق على المصالح الذاتية للافراد من أجل الكل، من أجل الوطن؟ تنطلق فيه المسؤولية من قاعدة الحقوق المترتبة للمواطن. هذا التوازن بين الحقوق والواجبات هو الباعث على الشعور بالمسؤولية وهذا ما يفسر الحالات المختلفة في بنية المواطنة حين يأخذ الانسان ولا يعطي أو يفترض فيه أن يعطي بدون أن يأخذ حقوقه على الوطن، حالة التوازن هذه هي معيار لقياس درجات المواطنة الملتزمة من شعب لآخر ومن فرد لآخر ومن خلال التعرف عليها يمكن تفسير حالة الخلل أو النقص في ممارسة واجبات المواطنة من بلد لآخر.
الوطن هو كل هذه بكل الابعاد العضوية والمادية والمعنوية للكيان، هو تلك القيمة أو البوتقة الأم التي تنصهر فيها وحدة الارض والسكان والنظام السياسي والشرعي والاداري لتولد قيمة أو هوية واحدة هي الاصل، تنحدر منها كل القيم والدوافع والعوامل التي تشكل سلوك المواطن تحت اسم المواطنة.
الوطن هو ذلك الذي عبر به الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وجزاه عنا خيراً بمؤازرة رجال من أجزائه الشاسعة، عبر أنفاق الجوع والخوف والتشرذم ليبني وطناً موحداً قوياً متمسكاً بشرع الله، وطن الأمن والمؤسسات والتنمية.
هذا هو وطننا أيها الأخوة، وطن يقوم على ثوابت راسخة، صامدة في وجه كل أنواع المد المضاد والأعاصير المحمومة التي استهدفته من يوم ولادته المجيدة وحتى هذه اللحظة التي أكاد اكتشف تشابهاً كبيراً بين أهميتها وبين تلك التي واجهت مرحلة التأسيس، هذا التشابه النابع من سعة الفجوة بين حدود ثوابتنا وبين عناصر التغيير التي نواجه الآن والتي ليست كلها رياح خارجية كما تعودنا خلال العقود الماضية، بل مزيج متداخل من المؤثرات الداخلية والخارجية مما سوف نلاحظ في طرحنا لاحقاً.
ولكن لكي انتقل إلى استعراض ابرز الثوابت التي تميز وطننا والمتغيرات التي يواجهها لابد أن اشير إلى أن مفهوم الوطن التقليدي أي وطن قد مر بعدد من التحديات خلال القرنين الماضي والحاضر تتمثل في الايدلوجيات والدعوات القومية الوحدوية والاممية الماركسية والاممية الإسلامية وإذا كانت الأولى والثانية قد فقدتا زخمهما في وجه التحولات الدولية أو ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يعمل بدوره على شطب الفوارق بين الاوطان ومن خلال اختراق حدود السيادة الوطنية للدول واخضاع انظمتها القانونية والاقتصادية والاجتماعية وحتى قيمها للقوى الفاعلة في هذا النظام الجديد فإن الدعوة إلى الاممية الإسلامية لا تزال تطرح مغلفة بمصطلحات الصحوة الإسلامية والدعوة للخلافة وأنا وإن كنت لست بصدد مناقشة هذه النقطة إلا أنني ألفت النظر إليها لما تسببه في خلق حالة من الارتباك لدى بعض شبابنا الذين تأثروا بجمالية الدعوة المثالية هذه مما افقدهم القدرة على التمييز بين ايمانهم بالفكرة وبين مسؤوليتهم تجاه وطنهم خاصة وأنه وطن الإسلام دعوة وتطبيقاً وممارسة اجتماعية وسياسية.
إذن، ما هي الثوابت التي نقف عليها وتمثل مصدر قواتنا الذاتية؟
نحن في هذا الوطن المميز يقف على أسس متينة تشكل هوية ووجوداً من جهة ونطمح إلى أن نكون عضواً فاعلاً في المجموعة الدولية والانسانية من جهة أخرى، وندرك صعوبة الجمع بين بلوغ الغايتين معاً غاية المحافظة على ثوابتنا ومقوماتنا وغاية ممارسة حقنا في أن نكون عضواً فاعلاً في ساحة التطور والتفاعل العالمي الجديد مستفيدين من معطياته الايجابية الكبيرة متجنبين الوقوع فيما يمس ثوابتنا وركائز وجوده الديني والسياسي والاجتماعي قادرين باذن الله على تجاوز التحديات التي رافقت الاحداث الاخيرة والتي فرض علينا أن نكون طرفاً اساسياً فيها.
لابد أن نستذكر ثوابتنا الراسخة والتي ندرك جميعا أنها تضعنا في حالة تميز عن الآخرين ومن ثم تفرض علينا موقفاً واعياً لمقتضيات المحافظة عليها في ظل المتغيرات التي ندرك أننا لا نملك كل القدرة على تجاهل قدرتها على اقتحام كل جوانب حياة الأمم والشعوب.. فما هي ثوابتنا:
1 عقيدة الهية راسخة ذات خصائص متميزة عن غيرها من المعتقدات والنظريات والايدلوجيات السائدة، عقيدة تحمل في ذاتها عناصر الصمود والمواجهة والتكيف مع معطيات الحياة المادية والدنيوية، عقدية عالمية مفتوحة لكل الخلق وصالحة لكل زمان ومكان وفي ابعادها الانسانية ما يحتاجه البشر الآن في ظل التمزق الاخلاقي والضياع الاجتماعي والنفسي الذي لا تزيده مخرجات الحداثة إلا اتساعاً، عقيدة تحمل قيماً للتكافل الاجتماعي والمعاشي في زمن اتسعت فيه دائرة الفقر والحاجة.
2 وطن واسع شاسع تشرف بوجود اطهر المقدسات على أرضه والخيرات والثروات المادية الكبيرة التي نقلته من حالة الفقر إلى حالة الثراء، ومن حالة التخلف إلى حالة التطور والتقدم.
3 نظام سياسي نابع من ذاتنا، يعمل على المحافظة على الوطن ككيان كبير ومواصلة البناء والتقدم والازدهار مادياً ومعنوياً.
4 استقرار سياسي تميز عن غيره في الوطن العربي والإسلامي بقدرته على تجاوز كل الموجات الطارئة والتحديات المباشرة وغير المباشرة مما مكنه من توظيف هذا الاستقرار في البناء والتطوير فتجاوز بذلك الاقطار التي كانت ولا زالت تنعم بالخيرات المادية الكبيرة والتي سبقتنا بالتعليم والاحتكاك بالتحديث التنظيمي والمادي ولكنها ظلت متخلفة عنا بسبب عدم استقرار انظمتها السياسية.
5 نظام قضائي واداري يستند على احكام الشريعة الإسلامية ومبادئها السمحة، يجاهد نحو تطوير ذاته ومعالجة نواقصه وزلاته.
6 مجتمع مسلم، متماسك متراحم صادق الولاء والحب لنظامه وأهله ووطنه.
7 نظام اقتصادي متجدد فرض نفسه على الساحة الدولية.
8 منظومة من القيم الاجتماعية العريقة النابعة من وجدانه وارثه وتجربته الانسانية.
9 مقومات شخصية متوازنة تنهل من فكر اصيل متجدد وذاكرة حية ومنظومة اخلاقية سامية.
هذه الثوابت ترسخت على أنقاض الجهل والفقر والخوف والتشرذم.
وفي مقابل هذه الثوابت الوطنية العظيمة، هناك ما يمكن أن يرقى إلى الثوابت في الوقت الحاضر منها:
أن الثوابت الخارجية المادية والمعنوية المتمثلة بوجود أنظمة دولية جبارة تقف في الخندق المقابل أو على ظهر الصاروخ والطائرة والغواصة وادوات التقنية الحديثة، والقوة الاقتصادية الهائلة، والعقائد والقيم والايدلوجيات التي تختلف عنا وأحياناً تختلف معنا لاسباب قد تكون تاريخية أو قيمية أو مصلحية.
ورغم ما قد توصف به بأنها متغيرات كما تبدو إلا أنها في واقع الأمر ثوابت تنتج متغيرات كما يحدث لأي منظومة انسانية متطورة وحتى لو لم نقبل بها جدلا كثوابت فان مصلحتنا ونحن نقوم موقفنا تجاه مصالحنا العليا وتجاه الاخر أن نتعامل معها كثوابت ليكون ما نرسمه من خطط أو نتبناه من مواقف على درجة من الوعي ومن الواقعية وليكون تعاملنا أكثر نضجاً وشمولية وبعداً لأن هذه القوى الخارجية الكبيرة المؤثرة تستهدف اخضاع الجميع لارادتها السياسية وانظمتها الاقتصادية وقيمها الاجتماعية ومتطلبات مصالحها العليا، وهذا ليس افتراضاً ولكنه الواقع الذي يفرض علينا. وعلى كل وطن في مثل موقعنا أن يعد نفسه ليس بالضرورة للمواجهة ولكن بالتأكيد للعمل على حماية الهوية والمصالح الوطنية مستفيداً من مجموعة ثوابته أو مصادر قوته الذاتية وهي كما اعتقد كافية للتعامل مع كل القوى والتيارات التي تستهدفنا متى ما أحسنا استخدام مقومات وطننا واعدنا النظر بكل مخرجات انظمتها الاقتصادية والاجتماعية والادارية وعالجنا ما قد يعتريها من ضعف في احدى مكوناتها.
ويحلق بهذا العامل المهم ما تعانيه المملكة من جراء مواقف بعض الاقطار العربية وشرائح من المثقفين القوميين واليساريين العرب ومن علماء الدين في بعض الاقطار التي التزمت بمواقف ثابتة تجاه وطننا منذ سنوات تأسيسه كل لاسبابه الخاصة واغراضه الظاهرة والمستترة بالرغم من ثبات مواقف وسياسات المملكة وصدقيتها تجاه قضايا الامة، وما تقدمه من مساندة ومساعدة مادية ومعنوية لشعوبها ولم يعد من الصعب على الانسان معرفة البواعث التي جمعت كل هذه الفئات على خط العداء الظاهر والخفي تجاه مهد الرسالة ومهبط الوحي فهناك الاقلام المأجورة وهناك العوامل الايدلوجية التي خلفتها العقود الثورية أو الانقلابية وهناك المصالح الخاصة، وهناك الجهل والتعامل والحقد والبعد عن الموضوعية التي تحكمت في منابع الفكر ودهاليز السياسة وادت الى ضياع فلسطين والقدس الشريف وإلى تخلف كثير من الاقطار العربية التي تملك امكانيات التطور الاقتصادي والاجتماعي لو سلمت من مثل هذه العقول المتصدئة.
هذه مع الأسف اصبحت ثابتة وان كنت اتطلع بأمل إلى أن تصبح عاملاً متغيراً ولكن متابعتي لهذه المواقف تجعلني أدرك أننا مستهدفون من الابواق والثقافة البلهاء في الوطن العربي وأن لا أمل قريب في شفائها من مرض الحقد والكراهية الكامنة في النفوس وفي المداد والورق. وهو ما يدعوني إلى لفت النظر إليها باعتبارها تمثل عاملاً ثابتاً متمماً للاستهدافات الاخرى المعبرة عن مصالح القوى الدولية المهيمنة وعلى رأسها امريكا وكبريات دول أوروبا مدفوعة بقوة التأثير الصهيوني المهيمن والقابض بيد من حديد على مقومات السياسة والثقافة والاقتصاد والإعلام في هذه الدول وأكبر دليل على ذلك هذه الحملة المغرضة على المملكة في امريكا ليس كرد فعل لاحداث 11 سبتمبر فقط ولكن بسبب موقف المملكة الواضح والقوي الذي عبر عنه سمو ولي العهد في مكاتباته مع الرئيس الامريكي حيال قضية فلسطين والقدس والذي نجح في اتخاذ موقف امريكي جديد لم يجد طريقه للنور لاسباب وتطورات تعرفونها وليس هذا مجال حصرها.
أما المتغيرات فهي متعددة الطبيعة والابعاد والالوان والمناهج والاساليب بعضها خارجية وبعضها محلية.
أولاً: المتغيرات الخارجية
ذات الصفة الدائمة:
1 متغيرات سياسية تهدف إلى اقلمة الانظمة السياسية في العالم وفقاً للنموذج أو النمط أو النظام الغربي المسيطر اليوم.
2 متغيرات ثقافية تطول عقائد الشعوب وقيمهم الاخلاقية والسلوكية ونحن منهم وصولاً إلى تحويلها إلى اتباع هامشية للمنظومة الثقافية الغربية، ادواتها نظم الاتصالات الدولية التي تؤدي إلى انتشار المفاهيم والقيم واوجه السلوك الاجتماعية الغربية بدوافع سياسية أو ثقافية أو اقتصادية، تعبر الحدود بلا استئذان من جهة وبقوة الفراغ في الساحات المتلقية، وهي ذات مضامين متعددة تغزو كل جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية وتشكل انماط الاستهلاك المادي أو الاقتصادي لتغطي كل احتياجات الانسان المادية والمعنوية بدءاً من المأكل والمشرب والملبس وصولاً إلى طريقة التفكير والتعامل مع الآخرين الاسرة والمجتمع والقيم.
وقد لعب الاقتصاد دوراً مهماً في انتشار منظومة الاتصالات والمعلومات الحديثة إلى الناس، إذ لم يقتصر الأمر على الغايات الاستثمارية الغربية وانما تحول رأس المال العربي مثلاً إلى اداة لنشر هذه المنظومة فالمحطات الفضائية العربية ذات الاهداف الرأسمالية البحتة تسهم بشكل فاعل في ترسيخ المفاهيم والمنتجات المادية والثقافية الغربية تبعاً لقراءة التوجهات لدى الشعوب العربية والانجذاب المحموم وراء برامجها نتيجة للفراغ الذي تعاني منه بعض الشعوب مادياً أو ثقافياً أو لضعف الفضائيات الوطنية الرسمية وعدم قدرتها على مجاراة الاساليب التي تنتهجها تلك المحطات الخاصة إما بسبب الضعف المادي أو لقناعات مغلوطة، وهي التي تستطيع جذب المشاهد بمادة تحمل من الاثارة الشكلية والمضمون الاصيل ما يؤهلها للمنافسة.
3 تكتلات اقتصادية عملاقة تعمل من خلال الشركات الدولية الكبيرة والشركات متعددة الجنسية إلى السيطرة على الاسواق العالمية والتحكم باقتصادياتها الضعيفة نسبياً.
4 اتفاقات دولية شمولية في المجالات السياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية والبيئية تهدف في الظاهر إلى تنظيم الاساليب وطرق التعامل الدولي وتوحيدها ضمن اطار يسهل عملية الاتصال والتعامل ولكنها في النهاية تؤدي إلى فتح المجال أمام القوى المتحكمة في التدخل في شؤون الغير تحت ذريعة ما تقضي به النصوص وما توحي به الاتفاقيات، وإلى اخضاع مقومات الشعوب للهيمنة الامريكية والاوروبية الفاعلة، وكما ذكرت من قبل فان الاختيار أمام الشعوب في الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية من عدمه هو اختيار صعب له ثمنه فالانضمام يحمل فوائد ملموسة تخدم مصلحة الاطراف ويحمل بنفس الوقت مداخل لسيطرة الاقوى تحت مظلة الشرعية الدولية.
5 متغيرات اقتصادية غير متكافئة بالنسبة لكل الدول لأن التقدم التقني والصناعي والمالي والتنظيمي والكمي بالنسبة للدول الصناعية المهيمنة يعمل على احتواء الاقتصاديات الاخرى بواسطة عدد من الاليات كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونظام النقد الدولي أو القدرات التنظيمية المتقدمة والاتفاقيات الاقتصادية والمالية ليحيلها إلى انظمة تابعة غير قادرة على تحقيق التقدم المنشود في وجه التنظيم الاقتصادي الكبير.
ثانياً: المتغيرات الدولية
الطارئة:
مهما كانت الحقائق حول احداث الحادي عشر من سبتمبر.. فان امريكا ومعها الدول الغربية وبعض الدول غير المسلمة الاخرى قد اصدرت حكمها علينا، على المواطن السعودي وعلى مؤسساته الاجتماعية والدينية بأنها مصدر الارهاب هذا الحكم لو صدر من حكومة الواق واق لما اكتسبت أهمية لنا ولكن أن يصدر من دول عظمى مهيمنة استطاعت فرض قناعتها على شعوبها وغيرهم بأننا المزرعة التي انبتت بذور الارهاب ومصدر ما واجهوه من أعمال وما سوف يواجهونه في المستقبل حتى وصلت بهم الغطرسة إلى الادعاء بوجوب تغيير مناهجنا وهو أمر غير قابل للبحث في اطار ادعائهم لأن الأمر يخص المملكة حكومة وشبعاً فقط ويتعلق بعقيدتها ومنهجها وسيادتها اضافة إلى سياستهم التعسفية المعلنة والفاعلة في ملاحقة مختلف الانشطة الدعوية والخيرية في كل مكان. هذه المتغيرات تملي علينا واجباً وطنياً تجتمع في ظله كل شرائح المجتمع وعلى رأسها الحكومة وهو يقتضي أن ندرك أننا مهما كانت درجة المصالح المشتركة مع الغرب وامريكا بصفة خاصة متينة فإننا اصبحنا تحت المجهر ومن ثم مستهدفون ليس فقط سياسياً ولكن في كثير من مؤسساتنا الدينية والثقافية وانماط حياتنا أو خصوصيتنا ولست أدري إلى أي مدى ستظل الضغوط علينا تناغماً مع الاطروحات التي يحملها الهجوم الدعائي المنظم علينا من الغرب وهذا يتطلب منا اعادة النظر في كثير من المسلمات السائدة حول علاقاتنا الداخلية واعادة ترتيب احوالنا بما يجعلنا أكثر تأهيلاً لمواجهة تبعات المواقف الدولية القائمة والمنتظرة تجاهنا. لابد أن نعيد النظر في اوضاعنا الداخلية بشكل جذري وجاد لضمان توحيد مواقفنا وصلابة بنيتنا الداخلية وهو هدف يحتاج إلى المكاشفة والمصارحة بشفافية أكثر شمولية تتجاوز لغة المجاملة والنفاق والتمني.
تغذية الصراعات الداخلية داخل الدول العربية والإسلامية بالضغط على حكومتها كملاحظة كل معارض للنهج الأمريكي داخل الدولة.
ثالثاً: المتغيرات المحلية:
1 المتغيرات الاقتصادية
وفي اطار استيعاب تلك المتغيرات الاقتصادية تسعى الحكومة إلى اعادة النظر في كثير من انظمتها المتعلقة بالشأن الاقتصادي ولكن ربما ليس بالسرعة والفعالية الكافيتين لسببين رئيسين الأول: ان ايقاع التحولات والنظام الاقتصادي العالمي الحديث تستدعي اعادة النظر في البنية الاقتصادية بما يؤدي إلى الوصول إلى حالة استثمار افضل للموارد الاقتصادية الوطنية وصولاً لتنوع الموارد والخروج من نفق الاعتماد على البترول كمصدر شبه وحيد لاقتصادنا مما اوقعه في سلسلة من الازمات تبعاً لتطور اسواق واسعار النفط التي تتحكم بها قوى أكبر منا ومن منظمة أوبك، والسبب الثاني: أن الموارد البشرية وهي الأهم في حياة الشعوب باعتبارها العنصر المحرك والمنفذ لكل السياسات والبرامج الاقتصادية انتاجية كانت أم خدمية، هو عنصر غير منتج بما يكفي أو يؤمل لاسباب تتعلق بمستوى ونوعية التأهيل والاعداد من جهة ولعوامل اجتماعية وادارية من جهة أخرى اضافة إلى وجود حالة تنافسية غير عادلة مع العامل الوافد. أما المتغير الاقتصادي الثاني فهو النمو السكاني الهائل الذي تمر به البلاد حيث التقديرات تشير إلى زيادة نصف مليون سنوياً في هذه المرحلة وهي زيادة ستتضاعف في السنوات القادمة. هذا النمو السكاني يمكن أن يكون ايجابياً اذا ما اصبح طاقة انتاجية فاعلة لان الانسان أهم عناصر النظام الاقتصادي فهو الذي يخطط وينفذ وهو الاداة الأهم في البنية الاقتصادية، ولكن عندما لا يكون كذلك يتحول إلى عامل سلبي اقتصادياً واجتماعياً. اقتصادياً يتمثل في نقطتين: الأولى خسارة الاقتصاد أهم طاقة انتاجية والثانية يصبح عبئاً على الاقتصاد وخدماته ومصدراً لامتصاص مخرجات النظام الاقتصادي في مسار غير تنموي أو انتاجي، أما اجتماعياً فهو يؤدي إلى خلق حالة اجتماعية خطيرة اسمها الفراغ والبطالة وهو المناخ الأمثل لكل أنواع الانحرافات الفكرية والاخلاقية، وهو أكثر مما يدمر المجتمعات البشرية ويشكل انماطاً من السلوك الجديد عليها.
2 المتغيرات الاجتماعية السلوكية:
اضافة إلى ما ذكرت حول الاثار السلبية للفراغ والبطالة على المجتمع من انحرافات واضعاف لبنية الاسرة فإننا جميعاً ندرك الآثار السلبية على بنية الاسرة ومن ثم المجتمع وانماط السلوك المنحرفة نتيجة المتغيرات المعرفية والمعلوماتية والانماط السلوكية الوافدة الينا من مختلف الاتجاهات واحد مخرجات العولمة ولنأخذ مثلاً الآثار الناجمة عن انظمة الاتصالات الحديثة كالاعلام الفضائي الذي لا تملك الدولة ولا الجهات الاجتماعية المعنية وسيلة لمنعها أو حتى الحد من آثارها وتفرض علينا تحدياً صعباً لا تعالجه القرارات الرسمية وانما يحتاج إلى المواجهة بأسلوبين الأول: وجود البديل الوطني القادر على جذب اهتمام المتلقي باستعمال الاشكال الحديثة كاطار لمحتوى يلتزم بقيمنا وثوابتنا الدينية والاخلاقية واهدافنا السياسية الثابتة وهو بالرغم من صعوبته فانه ممكن التحقيق اذا ما توفرت له الارادة الواعية ووفرت له الامكانات الضرورية والاسلوب الثاني: مرتبط بمدى وعينا كمجتمع وكأسر بايجابيات وسلبيات هذه المخرجات الهائلة التي تتدفق علينا وتدخل علينا حتى غرف نومنا وكذلك بمدى جديتنا في نشر هذه التوعية وتحصين الاجيال ضد الفيروسات الهلامية التي ستؤدي في النهاية (كما نرى بعض آثارها الآن) إلى مسح هوية الاجيال والخروج بشخصيات مشوهة لا تمثل مطالب هويتنا ولا هي تمثل مواصفات الهويات الانتاجية في المجتمعات الاخرى. ولأنه ليس كل ما تصبه وسائل الاتصال الحديثة (الفضائيات والانترنت مثلاً) من معارف أو مخرجات اخرى سلبية فكثير منها يحمل ما هو مفيد فإن ما نحتاج إليه هو القدرة على انتقاء الافضل هذه الانتقائية لا تتم بقرارات رسمية أو مواعظ عامة ولكن بالوعي وبالقدرة على فرز ما هو مفيد وما هو غير مفيد اعتماداً على معايير مستمدة من مراجعنا وشروط هويتنا الوطنية.
3 متغيرات ثقافية وفكرية:
في الاطار الزمني الحديث نواجه متغيرات تلامس مقوماتنا الدينية والثقافية من خلال الآليات السريعة لحركة العولمة أو الكونية التي تعمل من خلال مجموعة من الوسائط الظاهرة والباطنة وفي مقدمة هذه الوسائط التقنية الحديثة وانظمة الاتصالات والمعلومات التي اصبحت تغشى الحياة الحديثة حيث أصبح العالم قرية ذات طرق مفتوحة إن لم تكن ارضاً فسماء كما أن مجموعة الاتفاقات الدولية في كل جوانب الحياة المعاصرة التي في الانضمام لها الخير والشر، الايجابي والسلبي، فيه ربح وخسارة، وفي عدم الانضمام لها مثل ذلك فهي تحمل بطياتها الكثير مما يتطلب التكيف معها على حساب كثير من المسلمات إن لم تكن الثوابت وأنا هنا لا أدعو للوقوف جامدين أمام ديناميكية الوجود وافرازات الواقع ولكنني اطالب باستيعاب كل ما تحمله آليات التغير هذه والتعامل معها بثقة بدلاً من الوقوف أو الهروب إلى الوراء، فإذا كنا نظن أننا غير مؤهلين للدور الفاعل فلا بد على الأقل من الهروب إلى الأمام، لابد من التمييز بين مخرجات التطور التقني والعالمي والأخذ بما لا يتعارض مع منظومة قيمنا الدينية والاجتماعية والثقافية.. أي أنه لابد لنا أن نكون ضمن كوكبة الفعل لا مع الذيول المتلقية بدون فعل أو ردة فعل.
هذا التحدي يحتاج منا الوعي واليقظة والمقدرة على التمييز بين الادعاء والممارسة، بين الحق والباطل، بحيث لا تختلط علينا الأمور ولا يعسر علينا الفهم والتفريق بين ما يخدم مصالحنا العليا وبين ما قد يسيء إلى أن هناك خطاً أحمر لا يجوز لأحد أن يتجاوزه ممثلاً بمقتضيات الثوابت الوطنية التي ذكرت سلفاً.. ولابد بشكل خاص من توفير فرص العمل لكل الشباب ليس فقط لاشغالهم وحمايتهم من المؤثرات الملازمة للفراغ ولكن لأنه حق لهم من جهة وواجب عليهم من جهة أخرى ولنتذكر أن المجتمع المنتج يحمل في طبيعته عوامل المقاومة لما لا علاقة له بالانتاج.
بعد ذلك قدم عدد من الحضور من الرجال والسيدات مداخلاتهم واسئلتهم للمحاضرة والتي دارت حول دور الإعلام في مواجهة المتغيرات وكذلك دور التعليم والتربية في صياغة الجيل في مواجهة هذا المتغير.
كما قدم أحد المداخلين رأياً حول أهمية الاقتصاديات المعاصرة والسوق الحرة في التأكيد على الثابت في وجه المتغير.
وقد أجاب المحاضر على الاسئلة والمداخلات.
واختتمت بعدها المحاضرة. والتي شهدت حضوراً نسبياً من قبل الجمهور الثقافي بالمدينة المنورة من الرجال والسيدات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.