لم يكد العالم يلتقط أنفاسه بعد موجة الانتشار الأولى لفيروس كورونا التي هدأ تفشيها نسبياً تحديداً في شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا باستثناء القارتين الأمريكيتين خلال الشهرين الماضيين حتى عادت الإصابات لتتسارع وتيرتها وبأعلى من الموجة الأولى بضعف أو أكثر خصوصاً في أوروبا مما وضع العالم أمام تحدٍ كبير في كيفية التعاطي مع هذه الموجة التي أشعرت الجميع أن هذا الفيروس أصعب من أن يواجه انتشاره واحتواء تفشيه بسهولة وأصبحت الدول في حيرة من أمرها فهي لا تستطيع أن تعيد الإغلاق الكامل لمجتمعاتها واقتصادياتها وفي الوقت نفسه تواجه مشكلة كبرى في تسارع زيادة عدد الإصابات وسط حتى تباين في موقف منظمة الصحة العالمية التي بقدر ما كانت تشجع على الإغلاق الكامل بالموجة الأولى أصبحت تنظر إلى أن العودة للطريقة السابقة فيها مخاطر أكبر على المجتمعات وصحتها الاقتصادية. فالموجة الحالية يراها بعض المتخصصين في علم الأوبئة دائماً ما تكون أكثر تأثيراً لأن عدد الإصابات يتضاعف والانتشار يكون أسهل حتى لو بات الفيروس أقل خطورة، فهذا ما يرون أنه حدث في كل الجوائح عبر العقود والقرون السابقة، بل يسميها البعض بأنها موجة تشكل المناعة المجتمعية أو كما يسمونها مناعة القطيع لكثرة الإصابات التي تحدث ففرنسا على سبيل المثال في الموجة الأولى سجلت عشرة آلاف إصابة يومياً كأعلى حصيلة تقريباً، ثم تراجع العدد ليقترب من مائتي إصابة فقط في اليوم لكن بهذه الموجة الثانية وصل العدد ببعض الأيام لما يقارب 30 ألف إصابة والأمر نفسه ينطبق على عديد من الدول الأوروبية كبريطانيا وتشيكيا وغيرهم، لكن ما ينظر له بقلق بالغ ما الطريقة التي سيتم التعامل من خلالها مع الموجة الثانية، فرغم أن هذه الدول وغيرها من دول الشرق الأوسط بدأت تتخذ إجراءات كالإقفال الجزئي وبعض الاحترازات إلا أنها تتحاشى الإقفال الكامل نظراً لضرره البالغ على الاقتصاد وهو ما أظهرته الأرقام التي نتجت عنه في الربعين الأول والثاني تحديداً، فهناك مقاومة كبيرة لمنع الانزلاق لمثل هذا القرار فحتى شعوب تلك الدول ترفض العودة لإقفال الاقتصاد نظراً لتردي أوضاعها المعيشية في الموجة الأولى. فأي إقفال كبير لو حدث لن تكون التريليونات التي أقرت عالمياً لدعم كل دولة لاقتصادها كافية لمعالجة التبعات الاقتصادية الخطيرة التي ستنجم عن أي إقفال كبير، فقد تضطر بعض الدول للتخلي عن دعم قطاعات وتركها تواجه مصيرها في مقابل الحفاظ على قطاعات ذات أهمية أكبر فسيكون للأولويات والانتقائية المعيار الأهم في تقديم أي دعم هذا بخلاف عدم قدرة بعض الدول على تقديم أي محفزات بالمستوى السابق نفسه وهذا ما سيربك الاقتصاد العالمي ويؤثر في التجارة البينية وقد يؤدي حتى تراجع إنتاج سلع رئيسة كالمواد الغذائية مما قد يحدث أزمة عالمية بنقص بالسلع الغذائية الرئيسة، فبعض الدول المنتجة للحبوب بدأت تعيد النظر بحجم صادراتها خوفاً من نقص قد يحدث لديها رغم أنها من أكبر المنتجين والمصدرين عالمياً كما أن نمو الاقتصاد العالمي سيعاد النظر بتوقعاته للعام المقبل وما سيحتاجه لتفادي السقوط بركود عميق وهذا ما سيؤثر في أسعار النفط انخفاضاً إذا تراجع الطلب الذي ما زال في حالة عدم يقين، فهذه الموجة من الواضح أن هناك تحدياً دولياً لها بعدم العودة للإقفال الكامل وأيضاً يتم التركيز على سرعة إجازة وطرح اللقاحات، إضافة لزيادة التركيز على وعي المجتمع بالالتزام بالتدبير الاحترازية المطلوبة لتقليل التفشي للفيروس. فيروس كورونا ما زال ضيفاً ثقيلاً على العالم وتهديده لم ينقطع على الاقتصاد العالمي حتى مع زيادة القدرة على التعايش معه وفهمه أكثر ولم يكن تصريح وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة بأن الإصابات قد تعود للارتفاع إذا لم نلتزم بالإجراءات الاحترازية كون الناس قد تتراخى بالحذر من الفيروس ما هو إلا تنبيه وتأكيد أن وعي الناس والتزامها هو خط الدفاع الأقوى في مواجهة تفشي الفيروس وتخطي المرحلة المقبلة بأقل عدد ممكن من الإصابات بما لا يضغط على الاقتصاد ولا على النظام الصحي.