العام الحالي استثنائي ومفصلي بامتياز في أحداثه المتلاحقة وتأثيرات ما حدث فيه على الاقتصاد العالمي ستبقى لزمنٍ طويل، فما نتج عنه من تحولات ستبقى مرافقة للبشرية لعقود طويلة، فقد أحدث تحولاً سريعاً نحو التوسع باستخدام التقنية لتيسير كافة أنواع الأعمال وأسس لتغير ثقافي وسلوكي بالاستهلاك ونظرة مختلفة لأهمية الادخار وكذلك أوجد صحوة كبيرة للدول باتجاه التحول للاعتماد على نفسها بكثير من الصناعات وتوفير كثير من احتياجاتها من السوق المحلي وهو ما سينعكس على التعليم والتأهيل أيضاً وتوجهات الاستثمار عالمياً. فمنذ بداية هذا العام والوضع المضطرب للاقتصاد العالمي لم يتوقف وفي كل شهر تظهر أحداث جديدة ولذلك برزت تحديات من نوع مختلف للدول بحيث إنها باتت تراقب وضع اقتصادياتها بشكل يومي تقريباً وفي كل شهر تقوم بإجراءات إضافية لحماية اقتصادياتها من الدمار الذي خلفته جائحة كورونا وعند القياس بشكل أوسع على مستوى كل فصل من هذه السنة نرى تغيرات هائلة بطرق التعاطي مع آثار وتداعيات هذا الوباء على كافة الأصعدة من إجراءات وقائية واحترازية على المستوى الصحي إلى المحفزات الاقتصادية التي جدد الكثير منها بشكل فصلي وإضافة حزم تحفيز أخرى حيث تظهر تداعيات جديدة تستوجب اتخاذ إجراء عاجل لاستيعابها حتى تحاوزت حزم التحفيز حاجز عشرة تريليونات دولار عالمياً. لكن الفصل الرابع الذي سندخله بعد نحو أسبوعين يعد مهماً جداً للمراقبين لأوضاع الاقتصاد العالمي وبالطبع للجهات ذات العلاقة في كل الدول وتتمثل بقياس مدى نجاعة ما اتخذ من إجراءات لحماية اقتصادياتها وأيضاً القدرة على مواجهة ما يعتقد أنه موجة ثانية للوباء، فقد عادت دول آسيوية وأوروبية لتسجيل حالات إصابة بأعداد كبيرة، إذ سجلت فرنسا نحو 11 ألف إصابة يومياً في أواخر أيام الأسبوع الماضي بعد أن هبطت الإصابات فيها لنحو 390 إصابة يومياً أي أنها عادت لمرحلة ذروة الموجة الأولى وقامت بريطانيا بإقفالات كبيرة في شمال البلاد وتتجه دول عديدة للعودة لإقفالات احترازية قد لا تكون عامة كما حدث في بداية العام الحالي، لكنها تشير الى أن هناك تخوفاً من تفاقم انتشار جديد للفيروس قد يكون أكثر تأثيراً صحياً من الموجة الأولى نظراً لصعوبة عودة الناس لنفس الاستعداد والالتزام الذي كان سابقاً وحتى الدول لم يعد بالإمكان أن تعيد إقفال اقتصاداتها كما السابق مما يعني أننا أمام مرحلة تقييم حقيقية لمدى قدرة العالم على مواجهة هذا الوباء ويترامن مع ذلك أيضاً تطورات الخلاف التجاري الأمريكي الصيني الذي دخل مرحلة جديدة بحجب مواقع وتطبيقات صينية في أمريكا بحجة خطورتها على الأمن القومي، إضافة لتزامن الانتخابات الرئاسية الأمريكية في هذا الفصل في شهر نوفمبر والتي يقاس على نتيجتها كثير من القراءات المستقبلية عالمياً سواء بملفات اقتصادية أو سياسية، فكل تلك الأحداث مع سياسات تحفيز ضخمة ستوجد حالات من التذبذبات الحادة نسبياً في الأسواق المالية والسلع أيضاً مما يعني مزيداً من التحديات أمام صانعي السياسات النقدية والمالية. الفصل الرابع سيكون أكثر مراحل هذا العام أهمية سواء بمواجهة الوباء إذا ما صدقت أخبار الشركات الطبية التي لمحت أنها ستطرح لقاحات فاعلة وآمنة قبل نهاية العام إضافة لمدى وعي المجتمعات ومساندتها للأجهزة الرسمية بالحد من تفشي الوباء مع أهمية قياس مدى نجاعة كل حزم التحفيز في استيعاب تداعيات الوباء على الاقتصاد العالمي والانتقال لمرحلة الاستقرار والعودة للنمو وإن تكون الأضرار بأقل قدر ممكن فكل ذلك سيظهر في هذا الفصل الحاسم بكثير من ملفات تداعيات كورونا.