«الماهية»- هي مصطلح يتعلق بالظواهر والمقولات! ومعناه المباشر أن نتساءل: «ما هي» هذه الظاهرة؟ أو المقولة؟ أو الحدث؟ ثم «نبحث» عن الإجابة. وقد توسع معنى «الماهية» تاريخياً ليشمل الأسئلة الأخرى مثل: كيف تشكَّلت هذه الظاهرة؟ ومتى؟ وأين؟ ولماذا؟ ...الخ. في حديث سَمَر مع أحد الأصدقاء قال: أنا إنسان حرّ ولا يتحكم بي أحد! فسألته مباغتاً: «ما هي الحرية؟» ... صمت برهة ثم قال: «الحرية» هي أن تفعل ما تريد! ... سألته: يعني إذا أنت أردت أن تسرق مالاً مني؛ وأقدمت على ذلك بالفعل؛ وقمت أنا بعقابك واسترداد مالي منك؛ فهل هذا انتهاك لحريتك؟ أجاب: نعم!.. ثم دخلنا في سجال طويل؛ لم يخلُ من بعض التشنجات؛ وتوصلنا إلى أن حريتك تنتهي عندما تبتدئ حرية الآخرين! وأن الحرية مرهونة بوجودك في مجتمع؛ فلا معنى للحرية إن كنت وحدك في البراري والقفار! وأن «ماهية» الحرية تكمن في تفاعلك مع الآخر و«ضرورة» احترام «حقه» في العيش معك! أي أن الحرية هي «وعي الضرورة» والالتزام بها؛ أما السرقة وما شابه «فماهيتها» هي الاعتداء على الحرية؛ وليس ممارسة لها! وانتهى السَمَرْ ونحن لم نتجادل سوى عن «ماهية» مقولة واحدة اسمها الحرية! فكيف إذن لو كان النقاش يشمل مصطلحات أخرى؟ المصطلحات لا يمكن الكشف عن مكنوناتها بالتأمل فقط؛ كما قال صاحبي عن «الحرية»؛ أن تفعل ما تريد! فالمصطلح في أي عصر من العصور هو ناتج الفكر الإنساني المبني على التجربة المتراكمة «تاريخيًا». ولولا تساؤلات الإنسان البدائي حول: «ماهية الحياة»؛ ومعنى الوجود الإنساني وهدفه؛ وأين؟؛ وكيف؟؛ ولماذا نفعل كذا وكذا؟ لما توصلت البشرية إلى هذا المستوى من التقدم والرقي! وهذا ما يؤكد أيضاً أن الفكر والمصطلحات في تطور دائم، وعلينا أن لا نكتفِ ب«البحوث» للكشف عن مكنوناتها المتغيرة، إنما لإعادة «التجربة» المتراكمة بوسائلنا المبتكرة أو المخترعة الجديدة! سبر غور التجربة المتراكمة يعني: إعادة قراءة التاريخ! فكما أشار ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، التاريخ ليس سجلاً وحسب، إنما هو علم يتطلب إعادة إنتاج مستجدة كلما تقدمت العلوم. أي أنه لا يوجد «ثابت»؛ وكل الظواهر الطبيعية وغير الطبيعية؛ بما في ذلك الفكر الإنساني؛ «متحولة» لا محالة! وتعاقب الأجيال ليس تناسلاً لزيادة العدد وحسب، إنما كل جيل يتفوق على ما قبله بالمعرفة بسبب تراكم التجربة! والثقة بالقدرات الفذة للأجيال الجديدة ليس عبثاً، فهي قادرة على إعادة أنتاج المعرفة وتبديد الأوهام العالقة، إذا ما أتيحت لها الفرصة. ** **