كأمل لاح للقلب وغاب غيبته الأبدية هكذا كانت إطلالة (لمى) عليَّ.. فقد مرّت عليَّ كالسحاب، فكلما تذكرت تلك الساعة التي اجتمعت بها في ضحوية مثلها عذبة.. وذاك التأثير الغزير عليَّ.. درجة أني لأحسب مرورها كالخيال الذي ما إن يمر على ذهن أحدنا إلا ويمضي خلف سرحاته مُأملاً، ثم لا يلبث أن يفيق صاحبه لواقعه فيكاد يطير.. للبون - الشاسع- عمّا هو في واقع بعيد المدى أمام عينيه أبدي هذا برغم لأنني تحسستها واقعاً، إلا أني كلما أعيد تذكّرها.. أو أحاول استرجاع ذياك اللقاء ولأغرق في تفاصيله..لندرته السبابا ف(ومض) بريقه الذي كان وقد قارب أن يذهب ببصري و.. حال ما أشاهده الآن لكأني حلمت بتلك السرحات، لا لم أعشها! فأرى صاحبتي، وأجالسها واسمع ضحكتها ويعلّم بي من بعد (مبسمها) الوردي وقد حمل ملامح طفلة في جيد صبية مع قدّ فتاة مغرٍ يبرئ الأكمة أن ينبرئ فيقارب أن يقول بها شعرا(1) إذا ذهبت.. وعلى أمل علّقتني به وموعد معلوم غير مضروب (أنها ستعود).. لكن.. لم تعد! أجل، قد شعرت بدنوّها بذياك الوقت القصيّر جداً (وهكذا هي أوقات السعادة) يا سادة.. .. فلا غرابة، وقد عبّر تقريبا لها كثيرين من مثل (ويهون العمر إلا ساعة)..! بل إن «ابن زيدون» أجاد آن أوجز به المعنى -برمته.. - أن / كم بتّ أشكو قصر الليل معك؟! وللِه هو.. وهو يبني هذا المعنى الذي اشتقّه من حالة مر بها فخلّدها بهذا النظم الذي تناقله من بعده (احتفاء بالصياغة)، واستعطافاً للبخل المعهود لدى كل محبوب.. مرغوب.. ذهبت لحيظاتي معها، لكنها لم تذهب عن أعماقي، أو تبرح.. فقد كان تأثيرها بي بعيدا مداه.. غائرةً بالمهجة سهامه، مما تركته بي من أثر لعب(2).. ومداعبة تخللها ثقل المغرورة بذاتها، المسترهبة أن يُمسّ عفافها، أو ينقض غزل جلالها.. فقد جمعت النقيضين! انفلات دعاباتها وانقباض حركاتها، عدا فيض مشاعر أحسبها نسجتها عنوة كي أمسي أسيراً بقيود هواها، من بعد حبك شباكها..لأقع.. وفعلاً (وقعت) ولا أحد عندئذ سمّى علي فكم من نظائرها - كما وُصفت بنت حواء- أضعف خلق الله.. لكن في ذاك الضعف مكمن قوّتها، فحسب الرجلان قوت هواه آت من ذاك المشرب.. ف.. ألا يحق لمن مثلي عندها أن يطرب.. وقد ألفاه العذال مسامرا لفتاة بها من المغريات أنواع منوّعة.. وهنا أحسبني أتعلل لذاتي وهي تتنكّب من أن تمضي إثر كبريائي، أن كبت الخطى دون مداها أما صداها وإن طال العهد بها عني.. فقد بقي يرنّ داخلي، كما تصنع الذكرى في ناقوس عالم النسيان.. لتفيق.. ف تعيد إلى ذاك الرحيق وطعمه الباقي في ذائقة وعيي للجمال والمحاسن والحلل.. هذه جوانبٌ عن (لمى)، أو أصدقكم هي بعض ما أودعت فيّ..، رغم أنها مرت ساعة أو تزيد.. وإن شئتم تحديداً أنقصتُ قليلاً فكيف بحالي لو امتدّ اللقاء، فضلاً عن أن أخلفه مواعيد مع أجمل الغيد ف.. أقول كيف بحالي فضلاً عن وصفي لذاكم.. وعطفي إليه ما لا يحتاج إلى شاهد علي.. فكل ما ينبض لدي وأجدٌ بداخلي عنه، ومنبأ ما لا اسطّع عليه كتمانا.. وهل لمحبّ أن يخفي عشق تسنّم هامة أحاسيسه وتربّع على كراسي قلبه، فما أفاء منه إلا وفيض ما اكتنز عما يحاول اختزاله قد سلب منه القلب واللبّ معاً.. «لمى» تلك.. العذبة النقية السنية، والتي حاولت جمع صفاتها فخانني العبير كيف لا، والتأثير الذي أأودعته بي آبق.. ويزيد.. من تذكّر عهدا اقترن ملكوتي.. بعدها، وأصدقكم أنه ليس باليسير.. ... ... ... 1) شعرا على النحو الذي جرى في(حسن التخلص) من المأزق، في موقف/ قال للأميرة: أتيت انشد رقصك وغناءك.. فاستعظمت طلبه، وجراءته، وحين همّت لتوبّخه، استدرك: (كلماتك غناء، وتمخطرك رقص..) فعادت له ابتسامتها 2) من بيت لأبي تمام: عَلى مِثلِها مِن أَربُعٍ وَ(مَلاعِبِ) أُذيلَت مَصوناتُ الدُموعِ السَواكِبِ ** **