أبو تمام.. اختلاف في ظل السائد أو كذا أطلق الدكتور عبدالله الوشمي على أبو تمام.. صاحب: بل أينك من: السيف أصدق أنباء من الكتب (هذا..) الذي بعبارة النقاد القدامى (المكفور النعمة المجحود المعرفة)، لأنه مشهور الاسم غائب النص! ربما لأن شعره يتسم بغلبة الجانب الفكري والفلسفي على حساب اللغة.. مثل قوله: فلا تستمتع بجمال النص، إلا بعد فك شفراته (الفلسفية)، ولك أن تتخيل أن بيتاً واحداً من أبيات أبي تمام شرحه الآمدي في خمس عشرة صفحة. وقد قدّم (رأسنا الضخم)عبدالقادر الجرجاني في مختارات لم يكتب لها الذيوع والانتشار، وهي موجودة في كتاب «الطرائف الأدبية» الذي حققه الشيخ عبدالعزيز الميمني، حيث قام الجرجاني بالاختيار من شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي، وهم اللات والعزى ومناة (كما يقول ابن الأثير) - أأسف إن كان في الوصف تشغيب على الذائقة أو إكدار في صافي العقيدة -، فما أنا إلا ناقل أحسبني غير حامل مآثم ما تذهب بغير أهل الفطنة لا أقول البطنة، ولكن وعي المقصد من وجه غرضه لا يتذيل الحدّ .. وجملة ما تقدم هن (لقطات ناطقات) لكن بتصرف.. من لقاء جرى مع الدكتور الوشمي حول أبي تمام، الذي يوجز - الوشمي- عن وجه جهده/ .. «أنا تخصصت في رصد البيت الشعري الذي يفيد المثقف والمحاضر والأديب، أو هو ما يسمى ب(بيت القصيد). وبذا قدمت - كما أظن - ذخيرة جيدة من شعر أبي تمام تغني عن العودة إلى ديوانه الضخم، وتكون مؤشرات مهمة على بعض القصائد» ولعله يروم عن أن (خير العلم) ما يحاضر به - كما يقول أعمامنا في التراث - وهاكم/ ف.. هيهات أن تأتي (مصونات) و(أذيلت) في سياق واحد، إلا عند مجيد في حرفته وصناعته -الشعرية- كأبي تمام ويوجز عن بطولة وصمود (الطوسي) أثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت أخمصك الحشر.. أي لا فرار، فهنا أقتل وأُدفن ... فأحشر وهنا نُدلي بملحظ/ جاء في أبسط تعريف للشعر الجميل: «إذا أردت أن تعرف جمال أي بيت، فاقرأه مرّة ثم أغمض عينيك، فإن طلبتْه نفسُك، وتردّد في وجدانك، ووجدته عالقاً في مخيّلتك فهو شعرٌ جميل يستحقّ أن تحفظه» والغالب ممن يمسك بتلابيبه جمال ما يقرأ فيفرط بهذه، فلا يفرّط بما تمده تلك القراءات .. إلا وقد وقع على تخلّصه من مواقف، كهذا يوم قال: أرسل أحد النقّاد وعاء لأبي تمّام وقال له: املأ لي هذا الوعاء بماء الملامة. فأجابه أبوتمام: (أعطني ريشة من جناح الذلّ). وفي هذا إشارة لقول الله عزّ وجلّ «واخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة». ويك كأن أنكر الناقد على أبي تمام هذا الانزياح اللغوي الذي لم يعهده، ولكنّ أبا تمّام أعاده لشاهد من كلام الله عزّ وجلّ الذي لا يختلف اثنان على بلاغته وفصاحته وعلو بيانه لكن هذا لا ينفي أن أبا تمام قد انزاح في تعابيره عن المألوف من شعراء العربية آنذاك .. ساق الباحث (ساري العم) تعليل حسنٌ.. «مما يؤسفك عند قراءة الأدب أنك تجد كلاماً مُعاداً، وصوراً مستهلكة، وتعابير متشابهة، ومعاني متكرّرة، وهذا يفقد العمل الفنيّ رونقه وبهاءه وبريقه البكر. الشعراء الحقيقيون هم وحدهم من يستطيعون إطرابك بنغمة لم تسمعها، وبمعنى لم يطرأ لك على بال». وموقف آخر لكنه (عصيب) لولا... أنشد أبو تمام في حضرة الخليفة مادحاً: فقال له الفيلسوف الكنديّ: (ما زدتَ أن شبّهت الخليفة بصعاليك العرب)، ثارت حفيظة الخليفة وغضب .. فقال أبوتمّام على البديهة وعلى نفس الوزن والقافية: فقال الكندي: (هذا الشاعر لا يعيش طويلاً إنه ينحت من قلبه)، وكان ما قال الكندي ... فإن أبا تمام لم يعمَّر طويلاً، فقد قضى وهو في زهاء الأربعين عاماً. رحم الله حبيب بن أوس بن الحارث الطائي أستاذ الشاعر العذب - أو يحسب من هداياه- تلميذه الفذّ البحتري (لعل لنا موقف معه.. قابلاً).