«إذا كان العمل الإداري سيُخرج أسوأ نسخة منك، ويحوّلك إلى شخصيّة عابسة، متذمرة، تُغلق أبوابها؛ فهذه رسالة أنّك لست أهلاً لهذا العمل. القيادة فنٌ وإلهام، فإذا لم تتقن هذا الفن فلا تُعذّب نفسك بالبقاء». كانت هذه التغريدة التي كتبتها في «تويتر» منذ أسبوع قد حصدت خلال الساعة الأولى من نشرها سبعين إعجابًا، وبعض الردود عليها. وكانت قد ركّزت على إكمال الناقص منها -حسب وجهة نظر أصحابها- بجملة: «ولا تعذّب فريقك معك». هذا التفاعل جعلني أتساءل: مَن هم القادة الذين يشقى بهم المرؤوس؟ وهل هذا الشقاء مصدره القائد حقًا أم تقصير المرؤوس؟! وحتى لا أكون ظالمة، ومن واقع تسلسلي في الأعمال الإداريّة المختلفة منذ أن كنت معيدة، وبما أنني قد جرّبت دور الرئيس والمرؤوس معًا في فترات متفاوتة، يمكنني أن أقول: إنّ بعض الرؤساء قد يكتشفك، ويجعل منك قائدًا، بل يُعرّفك بنفسك، وبعضهم قد يأتي لتهميشك واضطهادك نفسيًّا بلا أسباب مقنعة! كما أنّ العدل قائم -ولله الحمد- من معظم رؤسائي خلال مسيرتي العمليّة إلا أنني ما زلت أتذكر جيدًا كمرؤوس عدد مرات الظلم التي وقعت عليّ، والحمد لله أنها لم تتجاوز ثلاث مرات، مرتين تم رصد تقييم الأداء الوظيفي لي ناقصًا؛ لأنني لا أشرف على رسائل ماجستير ودكتوراه، وأنا محاضرة! وكانت استمارة التقييم لجميع الرتب العلميّة واحدة، وبعض الرؤساء تعامل معها كلائحة صماء غير قابلة للنقاش! والثالثة لأنني رفضت منصبًا إداريًّا؛ لأتفرغ لكتابة رسالتي. فيما عدا ذلك لا أتذكر أي ظلم؛ وهو ما يجعلني أقول وأنا مطمئنة: إنّ المرؤوس له دور كبير في طريقة تعامل الرئيس معه. فلماذا سينقم عليك الرئيس لو أديت عملك، والتزمت به، وكنت مبادرًا فيما يتسع له وقتك؟ الحقيقة لا شيء؛ بل ستجد نفسك راضيًا مرضيًّا عنه؛ ففي بيئة العمل (امش بطريقة عدل ينحَز رئيسك لك). إلا أنّ هذه الصورة العادلة قد لا تتوافر في كل الأحوال لكل الموظفين؛ فهناك من الرؤساء من يختار المنصب للوجاهة، ولتعزيز الذات؛ فهو يحبّ صورة الآمر الناهي الذي تُفسح له الطّرقات، وتُفتح له الأبواب، وبعضهم ليتحرر من النصاب الكامل؛ وهؤلاء تحديدًا يقع الظلم في رئاستهم؛ لأنّ التطوير ليس من أولوياتهم؛ فهم غائبون عن المشهد، يُولّون مهامهم لمن هم دونهم، فيبقى العمل في رئاستهم دون تطوير، أو تجديد، ويحسبون كلّ صيحة عليهم نتيجة تقصيرهم. هي العدو فيُشخصنون الأحداث، ويُلوّحون لك بالأداء الوظيفي كلّما شعروا بخطرك عليهم. والحقيقة - وللمصداقية - إنّه منذ رؤية 2030 والقيادات العليا تُخضع القادة - خاصّة الاستراتيجيين والإشرافيين - للمساءلة الدوريّة حول التقدم (والإنجاز)، وإبراز اسم المؤسسة، إلا أنّ بعض القيادات الصغرى بقيت في الظل تمارس عشوائيتها، وسلطتها، وشخصنتها المقيتة؛ ما أوقع الرؤساء الأعلى في حرج، ولاسيما في ظل رفض الكفاءات تولي تلك المناصب الصغرى. أعود لفكرتي الرئيسة في التغريدة التي استفتحتُ بها مقالي، وهي: «إذا كان العمل الإداري سيُخرج أسوأ نسخة منك...» ماذا يتوجب عليك فعله؟ تترك المكان بكل بساطة! فالبشر قدرات، والقيادة تتطلب ملكات عُليا، قد لا تكون متوافرة فيك؛ إما لحساسيتك المفرطة، أو لعنادك، وعدم ثقتك بالآخرين. لا أحد يأخذ منّا (نعم) بالقوة إذا كنا نرغب بقول (لا) بكامل إرادتنا. أما إذا تورطنا بقول (نعم) رغم عدم أهليتنا للمنصب فهذا يعني أننا لم نقل (نعم) إلا لغاية وهدف مؤقت، لم نُصرّح به حتى لأنفسنا؛ وهنا سنكون من تلك الفئة التي ذكرتها في أوّل المقال بقولي: «من الرؤساء من يختار المنصب للوجاهة، ولتعزيز الذات، أو لأنّه يحبّ صورة الآمر الناهي، الذي تُفسح له الطّرقات، وتُفتح له الأبواب، أو يرغب في التّحرر من سلطة النصاب الكامل؛ وهنا سيقع الظلم منّا لا محالة، وسوف نضطر للمُحاباة والمجاملة وشخصنة المواقف؛ لأنّ التطوير لم يكن ضمن أولوياتنا».