الرياضة بشكل عام أخلاق وسمو، ومحبة، وتآلف، وإخاء، وترويض للنفوس، وتهذيب للجسد، والعقل.. وممارستها مطلوبة ومندوبة لفئات المجتمع كافة لما لها من فوائد لا تُحصى، أهمها التقارب والتآلف بين فئات المجتمع، خاصة الشباب منهم. ورياضة كرة القدم أبرز ألعاب الرياضة بشكل عام لما لها من شعبية دولية، واستحواذ جارف للشباب والكبار من شعوب العالم كافة.. ولكن التعصب أفسد كثيرًا من جمالية كرة القدم؛ والسبب الرئيسي الجمهور المتهور والإعلام الرياضي المنفلت، سواء كان في ملاعبنا أو خارج ملاعبنا. ومن المعروف أن ظاهرة التعصب أو شغب الملاعب كانت قد ظهرت للمرة الأولى في بريطانيا في القرن الثالث عشر الميلادي، وامتدت بعد ذلك إلى الدول الأوروبية الأخرى. وسُميت تلك الظاهرة ب(المرض البريطاني)، وأسهمت الفروقات الدينية، والعرقية، والاجتماعية، والانتماءات الأخرى في تغذية المشاعر السيئة والكريهة بين أفراد المجتمعات حتى تأصلت في المدرجات، وكادت تفتك بمستقبل هذه اللعبة. والموروث التاريخي يحكى أن التعصب الرياضي بدأ بالألفاظ البذيئة بين الجماهير، وتطور ذلك الأسلوب إلى اعتداء المشجعين على اللاعبين، وحكام المباريات. واستمرت تلك الصورة في شجار جماهير الفرق داخل أسوار الملاعب في أسوأ حالات العنف والتعصب الكروي المقيت. والشواهد كثيرة على أحداث كارثية، سببها الرئيسي (كرة القدم). وأكثر تلك الشواهد مأساوية قتل أكثر من (640) شخصًا نتيجة للشغب الجماهيري بعد أن قام الحكم بإلغاء هدف للمنتخب البيروني أمام الأرجنتين خلال تصفيات أولمبياد طوكيو عام 1964م، وكذلك كادت العلاقات الدبلوماسية أن تُقطع بين إنجلترا وبلجيكا بعد أن اتهمت الحكومة الإنجليزية قوات الأمن البلجيكية بالتعسف ضد جماهير تشيلسي في مباراته ضد كلوب برجنر البلجيكي عام 1995م. وأحداث كثيرة ومتعددة أفظع وأشنع، حدثت في الملاعب الأوروبية، والعربية، منها ما حدث بين مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم 2010م في مدينة أم درمان بالسودان، وكذلك حادثة بورسعيد المصرية في أعقاب ثورة 25 يناير كانت مؤلمة؛ إذ اقتحمت الجماهير الملعب، وقُتل أكثر من 100 مشجع. ويتذكر التونسيون جيدًا حادثة استاد أكرا عام 2000م، وذلك بعد انتهاء المباراة النهائية لأبطال إفريقيا بين الترجي وهاترس الغاني؛ إذ اشتبك لاعبو الفريقين على الرغم من فوز الغانيين باللقب، وأُحصي عدد القتلى بأكثر من ستة أشخاص. والأحداث المؤسفة في عالم كرة القدم كثيرة، فهل ننتظر في ملاعبنا أن تحدث مثل هذه الكوارث لا قدر الله!؟ إن ما نراه من تعصب منحرف بين أندية كرة القدم في ملاعبنا ومشجعيها لا يبشّر بالخير إطلاقًا. ومما يزيد الطين بلة بعض الإعلاميين المحسوبين على الرياضة، وكذلك الصحف الرياضية والقنوات الرياضية ومحللوها الذين يذكون نار التنافس غير الشريف بأساليب غير احترافية ولا مهنية. وأنا لا أنكر ما يقوم به الإعلام الرياضي المحلي كونه أحد القطاعات المهمة والمؤثرة في المجتمع بشكل عام، وفي الوسط الرياضي تحديدًا، إلا أنه مع الأسف الشديد ظهر لنا بعض الإعلاميين الرياضيين الذين شوهوا الإعلام الرياضي بمقالاتهم، ومداخلاتهم، ومغالطاتهم، وشطحاتهم، وصراخهم في مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي المليء بالتعصب، والتحيز، وعدم تقدير أمانة الكلمة، ونبل المهنة، والخروج على النص بشكل لا يقبل السكوت ولا المجاملة؛ وهو ما حدا بالنيابة العامة للتدخل مؤخرًا لوقف تلك المهازل، سواء من الجمهور، أو الإعلام الرياضي؛ إذ خرجت لنا بعض التعليقات والتغريدات التي تسيء للبلد ولرموز الرياضة، والتحول إلى أمور سياسية بعيدة عن الرياضة وأهداف الرياضة السامية من أخلاق ومبادئ، ونهج احترافي سليم. ونحن جميعًا نؤيد تدخُّل النيابة العامة لوقف هذا التدهور السلوكي والأخلاقي غير المحبب في صفحات الرياضة التي تدعونا للأخوة، والترابط، وسمو الأخلاق، وترويض النفوس بالوعي ونهج السلوك السليم؛ حتى لا يعيش الجيل الجديد على مخلفات التعصب؛ وينشأ جيل جديد مشحون بالتعصب والسلوك الرياضي المشين؛ والسبب تصرفات مَن سبقوه، الذين مهّدوا الطريق أمام مثل هذه التصرفات المنبوذة، سواء كانت من الجماهير، أو من مسؤولي الأندية، أو من الإعلاميين الرياضيين. والآن حان الوقت لوقف هذه التصرفات بحزم وذراع قوية. ونحن جميعًا مع هذا التوجُّه حتى تعود الأمور إلى نصابها، ويعلم الجميع أن الرياضة سمو وأخلاق، وليست صراعات وحروبًا.