هذا العنوان الفرعي لكتاب «عبدالرحمن بن علي التركي العمرو»، كتبه ملك (البديع) الإنسان المرهف الإحساس، الذي يكتب النثر بما ينازع الشعر جمالًا، كتبه الشاعر الدكتور أبو يزن إبراهيم بن عبدالرحمن التركي، تقرأ في هذا الكتاب قصة صداقة بين أب وابنه، تقرأ سيرة رجل ومسيرته كتبت بمزاج من لوعة الفراق والاستمساك بأهداب الذكريات، لم أملك نفسي في بعض لحظات القراءة من البكاء، «ليس المقام مقام ابن مكلوم بل كتاب مرسوم هدفه التأريخ وحده، أفلا يحق لمؤلفه (هنا فقط) أن يحصي كم مرة غامت رؤاه فأبصرت دمعه، وكم نسي وقته كي يعيش معه، وكم أمل أن يراه كما رآه، وكم تألم أن يخاطبه فلا يسمع، ويستشيره فلا يرد، وتزداد المعاناة ليقينه أنه لم يخطُ يومًا دون أن يكون والده أوّلَ من يَعلم وأهمَّ من يُعلَّم». وما حكاية هذا العنوان؟ «أما اسم الكتاب (الألفية لا الأبجدية) فيحكي انفكاكَ الوالد من دراسة الكتاتيب (الأبجدية) وانصرافَه لطلب الرزق ثم عودتَه القوية للتعليم النظامي وتخصّصَه في النحو وتدريسه (ألفية ابن مالك) أكثر من ربع قرن»، والعنوان واف بغرضه؛ ولكني لو كنت مقترحًا لقلت (الألفية لا الألفبائية). وليس هذا الكتاب سيرة ومسيرة لرجلٍ تقرأ ما كتبه الناس عنه فإذا في كتبهم اتفاق من غير اتفاق، «فالكتاب ليس عن رحلة عبدالرحمن العلي التركي العمرو وحده بل عن مرحلة فيها هو وآلاف لم يتهيأ لمسيرتهم الظهور». كتاب عن جيل من العصاميين المخلصين ذوي الخلق العظيم. ترى غلاف الكتاب بصورة الأستاذ عبدالرحمن كأقحوانة برية أو هالة من نور، وترى الغلاف الداخلي وفيه صورة الوالد والولد، عبدالرحمن وإبراهيم، صورة إن تبدُ باهتة فهكذا البدايات. جاء الكتاب في حلة بهية بتقسيمه وبما احتواه من صور معبرة، وجعل في خمسة فصول تلاها ملحق ضم صورًا مختارة. أما الفصل الأول فهو (خطوات المسير) التي ابتدأت في الكُتّاب الذي لم يوفق المطوع المتولي أمره إلى حسن معاملته فأسرف في ضربه حتى أجاءه إلى الهرب، ثم إخبار أهله بتركه التعليم، وانصرف لشؤون زراعية ما لبث أن تركها وغادر بنفس طموح وقلب شجاع إلى جدة، وهناك عمل سائقًا لخفر السواحل، وقضى في جدة ستة أعوام عاد بعدها إلى عنيزة ليتزوج ثم لينتظم في الدراسة في المعهد العلمي، ولما كان عليه من تفوق عين معلمًا في المدرسة الفيصلية الابتدائية، فلما أنهى المرحلة الثانوية انتسب إلى كلية اللغة العربية في الرياض، ثم استقال من عمله لينتظم في السنة الرابعة، وبعد تخرجه عين معلمًا في معهد حائل العلمي، وبعد عامين نقل على عنيزة فعمل حتى تقاعد، ختم الفصل الأول بحديث عن المغادرة الفاجعة رواه المؤلف في مقال نشر في صحيفة الجزيرة بعنوان (للرحيل لون آخر). وأما الفصل الثاني فهو (مواقف وحكايات) يرويها أبناؤه وبناته، وهو فصل مكمل للفصل الأول؛ لأن ما في الفصول الأخرى هو حصاد ما كتبه الآخرون، ولذلك قال المؤلف تحت عنوان صغير في نهاية الفصل الثاني (السطر الأخير) «يتوقف المداد عن الإمداد؛ فكذا رآه ووعاه، برؤيةٍ سعت كي تضيء بتجرد، وتروي دون تمدد، فأغفل ما تكرر، وتجاوز المردّد. لتجيء أقلام عارفيه فتكمل الحكايات مثلما رأوها ووعوها». وأما الفصل الثالث ف(قراءة في سيرته)، وتحت العنوان كتب المؤلف «ألفوه في المدارس والمجالس فعرفوه، وآثر بعضهم قراءته فتجاوزوا الانطباع العابر إلى التحليل والتدليل والتفصيل موثّقًا ببعض الحقائق والوقائع». وأما الفصل الرابع ف(الأصدقاء)، وكتب المؤلف تحت العنوان «وعوه بمسافات القرب الأجمل فجمعهم عمل أو لقاء أو آصرة فكتبوا خارج سيرته ما يكمل مسيرته». وأما الفصل الخامس ف(توقيع تلاميذه ومحبيه). وتحت العنوان كتب المؤلف «تواقيع وإيقاعات، ومشاعر وإضاءات، كتبتها فواصل القرب الأجمل، فهنا طلبته ومريدوه يروون مواقف معه، وبهم تكتمل الصورة ويصفو التصور». وختم الكتاب بصورة بالغة التعبير، صورة للأستاذ الجليل وهو يخرج من الباب في ثيابه البيضاء كأنما هو خروج من دار الفناء إلى دار البقاء. غفر الله للأستاذ عبدالرحمن وأجزل المثوبة لولده من بعده.