قلائل هم الذين كتبوا سيرتهم الذاتية، ونجحوا في إيصال صورتهم الحقيقية، وأحاسيسهم ومشاعرهم إلى قارئ تلك السيرة. صعب أن يكون الإنسان صادقًا مع نفسه في العلن، يقول ما يريد قوله، ويمتنع عما يريد.. يخبر عن أدق ما في أقصى وجدانه متجردًا من أي حسابات عدا حساب الشفافية المتناهية والصدق مع ذاته، في تصالح واتفاق لا يصل إليه إلا من وصل إلى قناعة إنسانية بقيمة الإنسان في صدقه وإخلاصه وثقته بنفسه، وتقبُّله لهفواته وأخطائه، وسعادته بإنجازه وعمله. وجدت نفسي مشدودة مع سيرة عبدالرحمن صالح الشبيلي التي صدرت الشهر الماضي (صفر/ نوفمبر) بعنوان (مشيناها.. حكايات ذات). من الغلاف حتى الغلاف، وعبر صفحات بلغ عددها 384، تُطوى تباعا قراءة وتأملاً مع صاحب السيرة الذي كتب سيرته بلغة رشيقة، وأسلوب جاذب، وتخطو الخطى معه من طفولته وصباه؛ إذ تكونت الشخصية في مجتمع انشغل معظم أفراده بالتجارة علاوة على اهتمامهم العلمي. ويرسم الكتاب في هذا الجزء صورًا اجتماعية لإحدى مدن وسط المملكة العربية السعودية، هي عنيزة، مكان ولادة ونشأة المؤلف الذي برع في وصفه لسوقها، وتفصيله في أسرها، وسرد كيفية تعامل الناس مع بعضهم، وطبيعة العلاقات الأسرية والاجتماعية التي كانت سائدة في تلك المرحلة. وينتقل المؤلف إلى الدراسة الجامعية في الرياض، والتحاقه بالإعلام كمهنة، ومسيرته فيه. وفي هذا الجزء يضيف الكتاب في تاريخ الإعلام؛ كون صاحب السيرة من رواد هذا المجال تخصصًا وممارسة. ويسرد المؤلف عمله في التعليم العالي، وعضويته في الشورى وعدد من المجالس. ومن الأشياء المؤثرة في الكتاب حديث المؤلف عن ابنه ومرضه، ثم وفاته. وهي - بلا شك - تجربة مريرة، لا أجد وصفًا أبلغ من وصف صاحب السيرة لها بقوله: «ظلت تجربة الحزن الصامت منذ وفاته جرحًا بالغ الغور». يقدم الكتاب أنموذجًا مميزًا في كتابة السيرة الذاتية. ومن المؤكد أن المؤلف استفاد من تجربته العميقة في كتابة سيرة الأعلام التي كانت عبارة عن مقابلات تلفزيونية، سجلها مع أشخاص لهم دور وإسهام، ثم حوَّلها إلى مادة مكتوبة. وأيضًا كتابته عن شخصيات أخرى مؤثرة في تاريخنا المحلي وحياتنا المعاصرة. (مشيناها.. حكايات ذات) للدكتور عبدالرحمن الشبيلي - حفظه الله وأمده بالصحة والعافية - كتاب مميز، وسيرة حافلة، تروي رحلة إنسان، أصر على الخلود من خلال مناقبه وأعماله.