عندما يتكفّل الواقع والتاريخ بالإجابة على سؤال عالق تقف عقارب ساعة مطلقي الأحكام المستعجلة والجاهزة وأصحاب الإقتباسات السمجة والتي تطلق حكماً بمجرد انتشار ظاهرة الإعلام الإلكتروني والسوشل ميديا بأن الصحافة الورقية انتهى زمنها وصارت في ما قبل تاريخ الإعلام لا حاضره وأي محاولة جديدة في الاستثمار في المجال تقابل بسيل من الانتقادات المحبطة والخير تاريخانية والسؤال الذي يطرح نفسه عقدة قتل الأب هذه التي تجعل من السابق المؤسس مستهدفاً علامة غير صحية وغير تاريخية ولا تؤثّر لا في العالم ولا في الحياة ولا في التاريخ أحكام معطلة لأصحابها في فهم مسيرة التاريخ فلو نظرنا إلى عالم الدوريات والتي نشأت منذ سنة 1737مع «ذي جنتلمانز ما غازين» ازداد الطلب عليها في كل لحظة تاريخية وخاصة في هذه الأيام، فمجلة العلم والحياة الفرنسية «سيانس إيفي» ازداد عدد قرائها في العالم خلال فترة كورونا إلى 30 ألف متابع لقيمة التحاليل والدراسات المقدَّمة، ولو نظرنا لمجلة ناشيونال جيوغرافي التي تأسست سنة 1988 بعدد قراء 5.5 مليون متابع نفهم أن الإعلام الورقي بدأ يدخل جمهوريته الثانية من خلال الإيمان المتجدّد من القراء والعادة القرائية المترسّخة والمرتكزة على الوثوق بما تقدّمه وصدقية المادة المقدَّمة وحتى في أمريكا ذاتها البلد الذي يقدِّم نفسه كعاصمة للتطور السيبراني نجد فيها خمس مجلات من أكثر عشر مجلات في العالم من حيث عدد القراء وهي تمس ثلاثة مجالات الأول مجال العائلة وهي مجلة «دائرة العائلة» ب3.5 مليون قارئ ومجلة «الناس» ب 4.5 مليون قارئ. والمجال الثاني الألعاب الإلكترونية، حيث تقدم مجلة «غايم انفورمر» كل الجديد في عالم الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو وأجهزة التحكم مع دراسات ومسابقات وأخبار حصرية ب18.1 مليون قارئ والمجال الثالث الدين فمجلة «بتر هوم» ب7.6 مليون قارئ و«آرب» ب12.5 مليون قارئ، يعني أن المشكلة ليست في جنس الإعلام الورقي والدليل على ذلك العدد الكبير والمتزايد من القراء ولكن المشكلة في نظرتنا الإقصائية بأن اللاحق يحل مكان السابق ولا يتعايش معه وهذا أضاع على العالم العربي فرصة التوسع في مجالات جديدة من الإعلام الورقي لعل أهمها جريدة الطفل والتي بدأت نتتشر في فرنسا وكندا واحتوت ملايين الأطفال من المشتركين، حيث يجد الطفل جريدته التي تشبهه بالأخبار التي تناسب عمره ولا نعني هنا المجلات وإنما الجرائد ونجحت وتعايشت مع مجتمع الإعلام الإلكتروني فكما يقول الفيلسوف جون جاك روسو قبل أن تقول لي أي شيء ربيني كي أتقبل كل شيء وجريدة الأطفال لها دور عملاق في التربية والتنشئة، الإعلام الورقي هو الأصل وهو الأساس ولا يعني وجود غيره اندثاره، بل معزّزاً لحضوره في سوق إعلامية متعددة المنصات والأحداث تؤكّد العودة واللهفة على هذا الإعلام لما يتوفر عليه من حد أدنى من المصداقية فهل يشهد الإعلام الورقي جمهوريته الثانية بعد اختبار كورونا؟