قتل وحشي لمواطن أمريكي أسود، تحت ركبة رجل شرطة أبيض نفخ ناراً لا يخفى حسيسها تحت الرماد في مجتمع متعدِّد الألوان. بدأت الشرارة من مسرح الجريمة؛ مدينة مينابولس الأمريكية، وامتد الشرر إلى ولايات أخرى. حرق لمباني الشرطة، وتراشق بالألعاب النارية واستخدام الغاز المسيل للدموع، وسرقة ونهب وفوضى عارمة، صب عليها الرئيس المزيد من البنزين بتهديده باستخدام الرصاص مستدعياً عبارة عنصرية تقول: «عندما يبدأ النهب يبدأ إطلاق الرصاص»، وهي تعود إلى أواخر عام 1967 ، فبينما كان السطو المسلح والاضطرابات تجتاح الأحياء السوداء في ميامي بولاية فلوريدا، عقد قائد الشرطة، وهو ضابط سابق أبيض في سلاح الفرسان بالجيش الأمريكي مؤتمرًا صحفيًا أعلن فيه الحرب على المجرمين، وقال عبارته المشهورة: «عندما يبدأ النهب يبدأ إطلاق الرصاص». باستثناء صحافة الدول الشمولية المناوئة لأمريكا لم أجد تحليلاً يمكن الوثوق به يتحدث عن بوادر حرب أهلية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، أو ينذر بخطر على حالة الاتحاد. تضمن طبيعة النظام السياسي الأمريكي لكل ولاية حكمها الخاص كدولة مستقلة في إدارة شؤونها، إلى درجة أن بعض الولايات لا تتبادل معلومات الجرائم مع ولايات أخرى، إذا لم تتحول الجريمة إلى حالة فيدرالية. الرئيس الأمريكي ليس في أحسن ظروفه وهو يقترب من الانتخابات الرئاسية، فهو متهم بالعنصرية من قبل الإعلام الليبرالي، الذي استنطق البعد العنصري لتغريدة الرئيس التي مارس بها حقه بالتهديد بفرض النظام بالقوة وقد وصلت الفوضى إلى مستويات تهدِّد الممتلكات والسلم المجتمعي. منصة «تويتر» اقتنصت الفرصة لتصف تغريدة الرئيس بأنها دعوة للعنف، في تحذير لرواد هذه المنصة. لطالما كانت شبكات التواصل الاجتماعي هي المتنفس الأثير عند الرئيس ليناكف الإعلام التقليدي ويرميه بأقذع الأوصاف ومنها التزوير، وبأنه عدو للأمة الأمريكية، فهل نحن أمام تقييد لأهم منابر الرئيس في الانتخابات القادمة، وكيف سيكون رده؟ الانتخابات الرئاسية والنصفية لمجلس النواب استحقاق دستوري يحل موعده في الثالث من نوفمبر 2020م، وكل حزب يحشد لمرشحه كل عوامل الفوز بالانتخابات ولا يتورَّع في توظيف جميع المعطيات مهما كانت قذرة لحشد أتباعه. وكورونا في الجانب المقابل تلعب دوراً مهماً في الانتخابات ومعاكساً تماماً لما يشتهيه الحزب الجمهوري عموماً، والبيت الأبيض خاصة؛ فالولايات الديمقراطية كولاية كاليفورنيا تدفع بالتصويت عبر البريد بينما يرفض الرئيس ذلك ويعتبره مظنة للتزوير، وربما يصل الأمر إلى المحكمة العليا ذات الأغلبية المحافظة. الكنسية عموماً، والعنصر الأبيض في ولايات الوسط والجنوب تنحاز بشكل قوي للرئيس الذي يسابق الزمن بفتح الاقتصاد، وعينه على المحافل الانتخابية ليبث في اتباعه الحماس، لكن المجتمع المسيحي المحافظ تلقى صفعة من المحكمة العليا التي صوّتت بواقع 5 إلى 4 ضد طلب بفتح الكنائس في ولاية كاليفورنيا في تحد لقوانين الولاية المتخذة لحماية الناس من جائحة كوفيد-19 . مينابولس، المدينة التي تسببت في كل هذه المتاعب واحدة من أهم مدن ولاية مينيسوتا الواقعة على الحدود الشمالية مع كندا وعاصمتها مدينة سانت بول. صوّتت الولاية عام 2016م لصالح المرشحة الديمقراطية، ولذلك فهي ليست صديقة للرئيس، وهو ما يفسر أن ترامب صب جام غضبه على حاكم الولاية تيم والز، وعمدة المدينة جاكوب فري، الديمقراطيين. الفوضى التي تعصف بالولاية تُضاف إلى نصيبها من الحالات المصابة بفيروس كورونا البالغة 23531 بعدد متوفين بلغ 996 إلى صباح السبت. وفقاً لإحصاءات عام 2010 فإن عدد سكان مينابولس 383 ألف نسمة 40 % يمثِّل البيض منهم 60 %، في ولاية يبلغ عدد سكانها وفقاً للتعداد نفسه 5 ملايين و300 ألف نسمة يمثّل البيض منهم 83 %، في دولة بلغ عدد سكانها عام 2010م حوالي 309 ملايين نسمة، ونسبة السكان البيض منهم 64 %. تلك هي أمريكا، تنوّع عرقي يصنع في حالة الانسجام حالة فريدة من المواطنة والإنتاج، وعندما تحدث التجاوزات من عرق على آخر تنتفض الفعاليات النشطة لتصحيح مشار التعايش، والعنصر الحاسم دائماً الذي يصنع الفرق هو القيادات، فهل تتمتع أمريكا حالياً بقيادات قادرة على احتواء هذه النتوءات المتسارعة في الجسد الأمريكي. مقتل جورج فلويد، وجائحة كورونا، والعلاقة المترنحة بين الرئيس الحالي ومنصة «تويتر» تنبئ بصيف ساخن على مشارف خريف تعربد نذره من الآن.