تحدثنا في الحلقة الماضية بصورة عامة عن الجيل الأول الذي حصل على التعليم ليشارك في النهضة الحديثة، ومنهم الدكتور أبو عالي، وأساتذته الكرام الذين كان لهم الفضل -بعد الله- في تشجيعه ومؤازرته في مشواره العلمي، وعلى رأسهم العالم المربي الأول في منطقة الباحة، الشيخ سعد المليص، ولو عدَّدنا أفضال ذلك الرجل على العلم والأدب وخدمة منطقته لاحتجنا إلى صفحات لا يسعها مقال أو مقالات، فهو المربي والمرشد والموجه لعدد ليس بالقليل لأبناء منطقته، فقد كان مشجعاً للشباب في مجال التعليم، والمجتمع بحاجته في ذلك الوقت، وهذه جهود تقدر له -جزاه الله خيراً-. يذكر الدكتور أبو عالي عن شيخه المليص أنه حث الشباب على المذاكرة وأن فريقاً سيأتي إلى منزله غداً، وسيقابل الشباب لمن يصلح أن يكون مدرساً منهم، وكان ذلك في 19/8/1372، الموافق 1/6/1953م، وفعلاً تمت مقابلة المفتش، عبدالمنعم قاضي، في منزل المليص، وبعد اللقاء والنظر إليهم بتفحص دقيق أعطاهم أوراقاً بيضاء وصار يملي عليهم أسئلةً عامة، في النحو والفقه والتاريخ والجغرافيا، وغيرها، وهذا الأسلوب لا يختلف كثيراً عما نطبقه، وقد طُبِّق علينا في التوظيف ونطبقه إلى اليوم على المتقدمين للوظائف، بشكل عام، وهذه طريقة مررنا بها ويمر بها غيرنا، لنرى مدى قدرة المتقدم لحمل المسئولية، وما عنده من ثقافة، وقدرته على غدارة المسئولية التي ستسند إليه مستقبلاً. نعود مع أبي عالي وما أسفرت عنه نتيجة هذا الاختبار، إلا أنه يفاجأ بعدها بما جرت به بما لا تشتهي، ولا يشتهي، هو وأسرته، حيث ظهرت النتيجة في صالح زملائه ولم يظهر اسمه معلماً مثلهم، وما أثقل هذه الجزئية في مجتمعنا، في ذلك الوقت، حيث تضع الأسرة، وأطراف القبيلة الأمل في أحد أبنائها، فيخيب الأمل، معنوياً واجتماعياً، عندما يخفق أحد أبنائها في نتيجة الاختبارات النهائية، وكم شاهدناها على وجوه من أخفق أحد أبنائهم!!. كان ذلك اليوم صعباً، وربما يكون أصعب يوم في حياة من نتحدث عنه في هذه الحلقات، وكان ذلك بعد شهرين من الاختبار الوظيفي، الذي كان يحلم به كل واحد وأسرته، وبعد فترة حددها الكاتب بيوم الرابع من ذي القعدة، جاءه الفرج، حيث وصل خطاب تعيينه إلى وكيل المدرسة بتعيينه مدرساً فيها، ولا توصف فرحته، ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال (سبحانه) ذلك اليوم كان بالنسبة له ومن مثله ميلاد جديد، رفع من معنوياته، ومعنويات أسرته، والحصول في ذلك الزمن على وظيفة مرموقة، كالتعليم، لها شأن عظيم. كانت المسافة التي قطعها على ظهر حمارته برفقة ابن عمه كبير أسرته (علي بن سعد أبو عالي) إلى قرية القرن من بني ظبيان، ومن الظرائف سقوطه من على ظهر الحمارة ليقع أمامها، لكن الله لطف، فقام سليماً، ومن الطريف قول ابن عمه متندراً ومشجعاً: سلامات يا أستاذ! الحمد لله ما أحد شافك من تلاميذك. على الرغم من فرحة ذلك الجيل وحماسه للوظائف ومعنويات أسرهم المرتفعة بهم، فإن المشاق كانت عقبة في طريق بعض منهم، لكنها محببة في سبيل تحقيق الأماني (وكل الذي يلقاه فيها محبب) وكما يقوالمثل الشعبي (التعب منسي). وللحديث بقية