عندما طرح ريتشارد تيدسكي مفهوم «نمو ما بعد الصدمة» قصد تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية الناتجة عن العيش تحت الضغط والمعاناة النفسية لبرهة من الزمن، ولعلها قراءة من زاوية أخرى للمثل القائل «ما لا يقتلك يقويك». ما عاشه الإنسان المعاصر في خضم جائحة كورونا لم يكن ظرفًا اعتياديًا، بل تجربة استثنائية وفريدة من نوعها فرضت على البشرية قيودًا إجبارية غير معهودة، وهي بلا شك صدمة لها ارتداداتها في الوعي الجمعي الإنساني، وستصطف إلى جانب الإنفلونزا الإسبانية والطاعون والكوليرا وغيرها من الكوارث الصحية التي وإن رحلت فإن ندوبها لا تزال منحوتة في ذاكرة بني البشر، وسينسجون من غزلها قصصًا وحكايا لتتلوها جدات المستقبل لأحفادهن، وقد يكون كورونا بديلاً جيدًا ل«أم السعف والليف» و»السعلوة» لما يحمله من مقومات السرد والحبكة الدراماتيكية وما يتضمنه الظرف من أبطال لهم سمات الأساطير تصدوا كلٌّ في مجاله. لكن، هل من الممكن أن ينتج عن صدمة كورونا ازدهار ونمو للإنسانية بطريقة مذهلة وغير مسبوقة؟ يجادل أنصار مدرسة «نمو ما بعد الصدمة» بأن التطور أمر حتمي وسيحدث لا محالة نحو الأفضل، مستشهدين بالكربون الذي يتحول تحت تأثير الضغط والحرارة العاليتين في باطن الأرض إلى ألماس يتلألأ، وما كان له أن يكتسب صفته النفيسة لولا تلك الظروف القاسية الاستثنائية، وربما يقودنا ذلك إلى سؤال أكثر تعقيدًا، فإن سلمنا بأن الطفرة في حقبة ما بعد كورونا شيء محسوم إذن متى ستحدث..؟ تشير معظم الدراسات السيكولوجية إلى أن تعافي الجماهير من الصدمة يعتمد على ردة فعل الحكومات وقدرتها على تحقيق الاحتواء العاطفي للسكّان من خلال الرسائل التطمينية، وتبني برامج لزراعة الأمل في نفوس الأفراد المنتمين إلى الطبقتين المتوسطة والمتدنية، وهما عادة الأكثر تضررًا في النواحي الاقتصاديّة والتي متى اهتزت ظهرت تداعياتها جلية بتغذيتها لشعور اليأس والانكسار لدى الإنسان، دون أن ننسى أهمية أن تتجه الحكومات نحو تسريع وتيرة إنجاز المشاريع الخدمية، والتركيز على المبادرات ذات الأثر الملموس في وقت وجيز؛ لتجدد لدى السكّان الحيوية والتفاعل الإيجابي وتعيد الحالة الديناميكية إلى المجتمع. أعتقد جازمًا بأن وطننا سيتجاوز أزمة كورونا بنجاح لتوافر جميع عوامل تخطي الصدمة آنفة الذكر، التطمينات تأتي من القيادة -أيّدها الله- وتحركات الأجهزة الحكومية تؤكّد أن لدينا مؤسسات مسؤولة وتدرك ما عليها من واجبات تجاه المواطن والمقيم، إضافة إلى وعي المجتمع واستشعاره بأنه يمتلك رؤية طموحة سيواصل المسير نحوها بعد أن تنجلي العاصفة.