اختارت المقعد الأخير في الزاوية. جلست بانتظار سماع اسمها لدخول اللجنة لإجراء المقابلة الشخصية. كان هناك عشرة أشخاص من الجنسين وبمختلف الأعمار، وصلنا جميعاً إلى هذه المرحلة المتقدمة، حيث سيتحدد مصير المرء. سمعت أحداهن تهمس: «سيختاروا واحداً فقط». عدلت تسريحة شعرها، ثم أضافت بملء فمها: «والدي صديق شخصي لرئيس اللجنة وهو الذي أخبرني بذلك». ابتسمت بسخرية، وأَعْمَدْتُ ثقتها. راودتها فكرة الحفاظ على بعض كرامتها و الخروج من هناك. من هي لتتطلع لمثل هذه الوظيفة المرموقة؟ تأرجحت روحها بين صعود وهبوط، شعرت معه بدوار خفيف. حاولت أن تسترخي، أرجعت رأسها للوراء مستندة إلى الجدار. تراءت لها نقاط هلامية أخذت تتشكل بالسقف، سحبا بيضاء، خيوطا مضيئة، وأقواساً ملونة. في هيامها وسط تلك الأجواء، تردد صوت أمها وهي تودعها عند الباب (ربي يوقف لك أولاد الحلال). أخفت بداخلها ابتسامة، (أولاد يا أمي! هي لجنة من الخبراء عسى أن يقبلوا شهادتي الجامعية ولا يتمسكون بالخبرة العملية). (هو رجل واحد سيقبل وسترين). ما الذي جعلها هذه المرة متأكدة لهذه الدرجة؟ السحب فوقها تزداد كثافة وبياضا، والخيوط تلتمع، والأقواس تبرق. شعرت بنشوة واطمئنان غريبين. غنت في سرها ( عصفوري حط ع الشباك). سرحت مع ذلك العصفور وصوت فيروز، شعرت بالنعاس وربما غفت. لم تشعر إلا بصوت السكرتيرة يتردد في الصالة: (علا نجم... علا نجم). تنبهت من شرودها - نعم.. أجالت ببصرها في الصالة، كان هناك ثلاثة أشخاص ينتظرون دورهم معها. شاب ورجل متوسط العمر وتلك الفتاة التي أخبرها صديق والدها أنهم يحتاجون إلى خدمات موظف واحد فقط. - تفضلي، حان دورك. طرقت الباب بلطف ودلفت. جلست على المقعد الموضوع قبالة مكتب بيضاوي جلس خلفه ثلاثة رجال وامرأة. بادرها الجالس أقصى اليمين بسؤاله: «ماذا يحتاج المرء لكي يصبح رجل دولة؟». ** **