كارل رسوان (1893-1967) الشاب الألماني المنحدر من ولاية ساكسونيا من شرق ألمانيا إلى الصحراء العربية في أوائل القرن العشرين وتحوَّل إلى شاب بدوي متجوِّل ما بين مضارب القبائل العربية، حيث كان يعرف القبائل وشيوخها، ويعرف عاداتها وتقاليدها وأعرافها، كان رسوان من سائر المستشرقين الذين بالعادة يكونون ضحايا بمن سبقهم من المستشرقين إلى الشرق، حيث كان رسوان أحد ضحايا كتاب الليدي أن بلانت (الحج نجد) الذي أعجب به كثيراً وقرأ كل التفاصيل وتعمق فيها، لذا قرر أن يقوم برحلة طويلة تشمل مصر وليبيا والجزيرة العربية، وكان الرابط الوحيد بين رسوان وهذه المجتمعات العربية الكشف عن مرابط الخيول العربية الأصيلة، حيث كان يهوى أصالة الخيل العربية حسب ما قراء عنها. وحينما وصل رسوان إلى مصر تعرَّف على الشيخ عامر الأيداء وابنه (عزيّز) تصغيرًا لعبدالعزيز عن طريق الضابط والصحفي الإنجليزي (ستيوارت سمولوود) الذي أسلم لاحقًا وتسمى باسم عثمان أفندي، حيث كان هذا الأفندي يقود حملات الدعاية الجهادية ضد الطليان في ليبيا عام 1912م إلى أن قُتل في درنة، وكان يرافقه الشاب عبدالعزيز عامر الأيداء وقُتل معه، ومنذ مقتل الشاب عبدالعزيز تكريمًا لهذا الاسم أطلق كارل رسوان اسم عبدالعزيز على نفسه تيمّنًا باسم ابن صديقه عامر الأيداء، وكان يرفض أن يتردد اسمه كغريب بين القبائل العربية، لذا حب أن يكون بهذا الاسم: عبدالعزيز بن رضوان الرويلي، عاش رسوان سنوات طويلة يتنقل ما بين قبائل عنزة وكان أخاً وصديقًا للشيخ فواز بن نواف الشعلان - رحمه الله - حسب ما ذكر رسوان، يقول في كتاب (أخبار خيل الكويت الذي صدر عن مركز الجواد العربي - بيت العرب ص 24)، (وبهذه الطريقة غير المألوفة والدراماتيكية أصبحت أخاً للأمير فواز الشعلان بأخوة الدم، أما سبب عقد هذه الأخوة فكان طريفًا، فقد كان الأمير فواز طفلاً لم يتجاوز الثامنة من عمره، وكان رسوان مسؤولاً عنه، إذ كانوا في إحدى الغزوات ضد قبيلة من القبائل العربية وكان فواز يلعب مع أقرانه، ومن غير قصد منه ألقى حجراً صغيراً فأصاب جبهة رسوان وتدفق منه الدم، ووفقاً لقانون البدو فدم الغريب له حرمة وديه دمه ضعف دية الرجل الذي يُقتل، وهي خمسون جملاً وأربعة أفراس، فأسرع فواز وجرح نفسه حتى سألت قطرات من دمه مزجها بدم رسوان الذي سال الدم من جبهته ليعقد معه بذلك أخوة الدم). بقي رسوان عاشقًا ومغرماً للعرب وخيولهم العربية الأصيلة حتى أن تقدم به العمر وأصدر مجموعة وفيرة من الكتب التي تتحدث عن أرسان الخيول العربية، ومن أهمها (فهرس رسوان) الذي يتجاوز ثلاثة آلاف صفحة يحوي على العديد من الوثائق والصور الفوتوغرافية النادرة، حيث طبع هذا الفهرس قبل وفاته بأيام، عام 1967م، وإضافة إلى العديد من الكتب التي توثق مسيرة ترحاله ومنها الخيام السود في بلاد العرب، والهروب من بغداد وأبناء الصحراء، وشربة الريح أو(يشربون الريح) لم يترجم منها إلا كتابًا واحد - الخيام السود. بعد وفاة كارل رسوان بأيام أرسل الشيخ متعب بن فواز الشعلان رسالة تعزية إلى زوجة رسوان، وهذه تُعَدُّ لمسة وفاء لهذا الرجل، وهذا جزء من الرسالة (لقد حزنا شديد الحزن للنبأ المفجع الذي حملته رسالتكم إلينا، فالمرحوم كارل رضوان كان من أصدق أصدقاء المرحوم والدي، وكان والدي يحدثني دائماً عنه، وكنت ألمس من حديثه مدى ما كان والدي يكنه له من محبة وود، مع أنني لم أر رضوان غير أنني كنت دائماً أشعر أنه يعيش بيننا وبين أفراد عشيرتنا الذي لا يزال الكبار منهم حتى الآن يتحدثون عنه بكل خير. فإنني أشعر بفقد حضرة رضوان صديقاً عزيزًا، وفقدت عشيرتنا بموته رفيقاً كريماً، وقد قمت هذا اليوم وأرسلت إلى أرملته كتاباً أعزيها فيه، علماً بأننا نحن أولى الناس بالتعزية والعزاء. إمضاء 14-1-1967». تعبر هذه التعزية بهذا المستشرق الذي خدم العديد من قبائلنا العربية وخدم تراثها وموروثها في زمن كنّا نفتقد فيه أدوات التوثيق العلمي، تُعَدُّ هذه اللفتة لفتة إنسانية كريمة، وليس قليلاً في إنسان قدم من خلال مؤلفاته وأبحاثه ودراساته التي تقدم في أكبر الجامعات الألمانية والأمريكية، العديد من الدراسات والبحوث التي تستحق أن تدرس وتُدرَّس في جامعاتنا العربية ولو بلمحة عن التاريخ الحديث. ** **