إلى حبيب القلوب الذي زانته العفة وأغنته القناعة، فكان شاكراً على ما آتاه الله من فضله، ومحدّثاً بنعمة ربه، باسطاً يده للخير، متوجاً غناه بتاج الشكر لله، مجمِّلاً يداه بجمال البذل وحلية السخاء، إلى من كان يرى أن خير المال ما أكسب حمداً، وئأورث ذكراً، وأعلى قدراً، وأيسر عُسراً. إلى من كان لأقاربه ومعارفه وأصدقائه عوناً في النائبات، وعُدَّة في الملُمّات، حتى عرف بين الناس جميعاً بالمروءة والوفاء والشرف وصدق العهد والكرم والمواساة في الشدائد. إلى من أسبغ الله عليه من نعمه، وأولاه من فضله، فما غلَّ يده إلى عنقه وما أمسك نعم الله عن خلقه، وما أعرض أو نأى بجانبه إذا دعي إلى المكرمات، وما غض بصره أو صرف رغبته عن الخير خشية الاملاق. إلى من كلما جلست معه أو لازمته لبعض الوقت ظهرت لي كثير من فضائله وكمال خصاله، وتجلَّت أمامي مزيداً من شيمه الحميدة، وأخلاقه الكريمة، وأعجبني منه أدبه الظاهر، وصدقه الوافر وتواضعه الجم، ومروءته البالغة التي كنت أغبطه عليها وأود أن أجد في نفسي مثل أخلاقه، إنه الشيخ عبدالله بن صالح العواد يرحمه الله، وكأني بهذا الشاعر يقول عنه: لقد عرفه القريب والبعيد فزانتهم معرفته وصداقته، وكان إذا أصاب البعض منهم خصاصة أعانهم، وإن قالوا سدّد قولهم، وإن بدت من بعضهم ثَلَمَة سدّها، وإن رأى منهم حسنة عدّها، وإن سأله أحدهم أعطاه وبدون تردد، وإن نزل بأحدهم مُلمَّة واساه، وكان رحمه الله يتناسى معروفه، ويتذكر إحسان من أحسن إليه، كان رحمه الله أسهل ما يكون وجهاً وأظهر ما يكون بِشراً، وأحسن ما يكون خُلُقاً، وألين ما يكون كَنفاً، وأوسع ما يكون أخلاقاً، وأنفى للفواحش سمعاً. لقد أراد الله به خيراً فاستعمله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو في ريعان شبابه وإلى ما قبل وفاته ببضع سنين وعمل رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة عسير أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، ووفقه الله لكل عمل صالح طوال مدة عمله وحتى آخر حياته، وهو فاعل للخير، تارك للشر، حافظ لحرمات الناس، مجتنب للخيانة، وكان يمضي يومه إما في حق يقضيه، أو فرض يؤديه، أو خير يؤسس له، أو معروف يصنعه، أو بر يُحّصله، أو صلح يسعى إليه، أو حاجة لأحد يقضيها، إن تكلم تكلم بعلم، وإن سكت سكت بحلم، يأتي الحق، ويتعاهد الضعيف، وينصف المظلوم ويحتمل عثرات الجهلاء، يبذل المعروف لأهل زمانه، ويكف الأذى عن أباعده وجيرانه، ويتباعد عن دنايا الأخلاق، ويعف عما حرم الله، ويرعى العهود ويفي بالعقود، ويكرم الضيف وعابر السبيل. وإن عزاؤنا فيه أنه كان عالي الهمة شريف النفس، ممن بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن الله يحب معالي الأمور وأشرفها» إذ لم تصغر همته يوماً ولم تقصر عن مكرمة لحظة، وفي أمثاله يقول الشاعر: إن عزاءنا فيه أنه كان يتصف بعلو الهمة وشرف النفس وسمّو العفه، فقد كانت نفسه للمكرمات طالبة وفي الفضائل راغبة وذاهبة، كان الجود طبعه رغم قلة ماله، وكان على قلة المال بالقرض يحتال، كانت سعادته في العطاء وانبساط اليد، وبذل الندى، وكف الأذى، والسعي في مصالح الناس والاستعانة بنعم الله على طاعة الله. إن عزاءنا فيه أنه ترك ابناءً وأحفاداً، ربّاهم أبوهم وعوّدهم على سلوك طريق الإحسان والخير، وشبّوا على ما شاب عليه أبوهم. فاصطنعوا المعروف يا أبناء وأحفاد شيخنا المفضال طيب الله ثراه، وذللوا أخلاقكم لمطالب ذوي الحاجات، وقودوا أنفسكم إلى المحامد وعلموها المكارم، فما ادخر الآباء للأبناء والأحفاد أفضل من صنائع المعروف والتي سوف تقيهم بإذن الله مصارع السوء. رحمك الله أيها الشيخ الفاضل الكريم ووسع الله لك في قبرك وغفر لك يوم حشرك وجبر كسر قلوبنا على فراقك، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. ** **