ما ستقرؤه هنا ليس طرحا نظريا ولا رأيا اقتصاديا ولا فلسفة اجتماعية.. هوملخص ونتاج تجربة عملية وقراءة مهنية لتجسير فجوة التوظيف بين الواقع والمأمول، بعيدا عن التنظير..حل عملي لتوظيف السعوديين والحد من نسبة البطالة. وبداية لابد من الاعتراف بأنه على الرغم من التوجهات العليا الواضحة للحد من البطالة والجهود الحكومية التي لا ينكرها منصف ورغم أننا نعيش في بلد يمتلك أحد أكبر ثروات العالم، وعددا محدودا نسبيا من السكان، إلا أن البطالة مازالت تمثل أحد التحديات التي تواجهها برامج التنمية الوطنية. وفي تقديري أن السبب هو أننا لم نقف على الأسباب الرئيسة للبطالة حتى تاريخه. نظرا لأن طروحاتنا وبرامج التوظيف في معظمها تركز على أسباب فرعية. وحيث إن معرفة السبب تمثل نصف الحل كما يقول خبراء الإدارة فإنني سأتناول باختصار الأسباب الرئيسة للمشكلة وطرح حلول عملية بعيدة عن التنظير والاجتهادات التي لا طائل منها. أقول: إنه وبناء على تجربة عملية وقراءة موضوعية متأنية تأكد لي أن السبب الرئيس وراء استمرار البطالة يعود لعاملين: الأول هو عدم توفر قناة وآلية مناسبة وعملية تربط الباحثين عن وظائف بأرباب العمل، حيث تلاحظ لي من خلال التجربة العملية وجود عدد كبير من الباحثين عن عمل في الوقت الذي يبحث فيه رجال الأعمال عن موظفين سعوديين. أي أنه ليس هناك فجوة طلب بقدر ماهو غياب للمعلومة وضعف في التواصل بين الطرفين. الثاني هو التكلف في طرح أسباب ثانوية للبطالة دون التركيز على الأسباب الرئيسة، فتارة يتم اتهام التخصصات الجامعية بأنها مسؤولة عن عدم مناسبتها لسوق العمل، وهذ استنتاج يحتاج الى مراجعة لأن التوظيف في معظم دول العالم لا يعتمد أساسا على التخصص الجامعي إلا في حدود ضيقة جدا بينما الغالبية العظمى من الوظائف تتطلب مهارات عملية وإدارية محددة يمكن إكسابها للمتقدم من خلال دورات تدريبية بسيطة جدا بصرف النظر عن تخصصه الجامعي.. وتارة أخرى يلقى باللائمة على عدم انضباط بعض السعوديين في العمل، وأخرى على ميل القطاع الخاص وتفضيله للأجنبي ورابعة على عدم توفر وظائف...الخ. والحقيقة أن هذه الأسباب وإن كانت في مجملها تمثل محددات للسعودة إلا انها ليست السبب الرئيس وراء استمرار المعضلة..وهذا هو فيصل التجربة التي نفذناها في أكاديمية فاكت. حيث قمنا بعملين أساسيين: 1 - تم تدريب فئة مستهدفة من الشباب العاطل عن العمل - بصرف النظر عن خلفياتهم العلمية - وإكسابهم المهارات الأساسية للقيام ببعض الأعمال التي يتطلبها سوق العمل في المملكة. مع التركيز على تأصيل السلوكيات العملية الإيجابية التي يتطلبها قطاع الأعمال كالانضباط وغيره. 2- تم الإعلان عنهم من خلال آلية عملية تكفل وصول المعلومة للباحثين عن موظفين جدد وبدون أي تكلف أوتعقيد. النتيجة: انهالت علينا اتصالات كثيرة جدا وتم بفضل الله ثم بجهود متواضعة توظيف معظمهم. وتأكد لنا بما لا يدع مجالا للشك أن المعضلة تعود لعدم وجود آلية-عملية لا تنظيرية- للتواصل بين الطرفين من جانب، ولعدم وجود آلية عملية لمهننة المتقدمين وإكسابهم المهنية والمهارات اللازمة للعمل من الجانب الآخر.. وهو مايمكن تسميته بتجسير فجوة (فقر القدرة). وباختصار أعتقد أنه وفي ظل التوجهات العليا التي تؤكد على أهمية توظيف الشباب فإنه حان الوقت للخروج من التنظير واتخاذ خطوات عملية لتوظيف الشباب تتمثل في أولا: مهننة المتقدمين وإكسابهم مهارات عملية من خلال ورش عمل تطبيقية، بصرف النظر عن تخصصاتهم الجامعية. ثانيا: تبني آلية عملية لربط الباحثين عن العمل بأرباب العمل من خلال آلية مبسطة تضمن وصول المعلومة المناسبة عن الباحث عن وظيفة، بعيدا عن التعقيد. والله الهادي إلى سواء السبيل،،،،