ملف البطالة من الملفات الصعبة والمتحركة، التي تحتاج من صانع القرار إلى التعامل معه بحكمة وحذر ومعرفة تبعات أي قرار وانعكاساته على نمو القطاع الخاص، وزارة العمل تتولى مهمة توفير الوظائف للباحثين عن العمل ولكن أي خلل قبل ذلك لا تستطيع معالجته وسوف يشكل عبئاً كبيراً عليها ولذلك لا بد من تضافر جهود كل الجهات ذات العلاقة من أجل استيعاب الأعداد المتزايدة من الباحثين عن العمل، سواء من التعليم بشقيه الجامعي أو المهني والذي له الدور الأساسي في تهيئة طالب العمل وفقاً لاحتياجات سوق العمل وعدم الجمود على تخصصات ليس لها أي مجال في أن تجد وظيفة تناسب تخصصه وبالتالي سوف يكون لدينا زيادة في أعداد العاطلين، القطاع الخاص كذلك له دور مهم في تحمل المسؤولية في استيعاب عمليات التوطين بالتدريب الجيد وتهيئة بيئة العمل الجاذبة والتحفيز المادي المجزي. كان القطاع الحكومي في السابق يتحمل المسؤولية في توليد الوظائف وإعطاء الموظف مميزات وتعويضات مادية قد تكون أفضل مما يحصل عليها الموظف في القطاع الخاص بالإضافة إلى الأمان الوظيفي كل ذلك ساهم في تكوين هجرة عكسية من القطاع الخاص إلى القطاع الحكومي وهذا بلا شك خلل كبير أوجد بطالة مقنعة أثرت على الإنتاجية ورفعت التكلفة، ولم يكن القطاع الخاص بالنسبة للموظف إلا محطة عبور للقطاع الحكومي، ولم يحفز القطاع الخاص الموظفين بالبقاء لأنهم يعتقدون أن التدوير الوظيفي يساهم في خفض مخصصات الرواتب وهذا بلا شك خطأ فالتدوير الوظيفي العالي يسبب خللاً كبيراً في المنظومة لأن الخبرة والمهارة لا يمكن تعويضها بموظف جديد حتى لو كان المحفز خفض الصرف على بند الرواتب وقد تحملت الدولة تبعات هذا الخطأ الذي تسبب في رفع معدلات الصرف على بند الرواتب الى حوالي 50 % من ميزانية الدولة وعندما تراجع الدخل خلال السنوات الأخيرة ظهرت الحاجة إلى إعادة النظر في عملية التوظيف وتحفيز القطاع الخاص بالقيام بدورة الطبيعي في خلق الوظائف والاستغناء عن العمالة الوافدة واستبدالها بالعمالة الوطنية وتم تطبيق ذلك بخفض معدلات التوظيف في القطاع الحكومي من أجل الوصول الى الأعداد التي تتوافق مع الاحتياج الفعلي وخفض الأعباء على ميزانية الدولة، وتم إقرار عدد من الإصلاحات في سوق العمل مثل زيادة تكلفة العامل الأجنبي لدفع الشركات إلى الاعتماد على العمالة الوطنية بعد أن أصبحت التكلفة متقاربة ومع ذلك اصطدم القرار بتراجع نمو القطاع الخاص مع عمليات الإصلاح الاقتصادي وهذا خلق فجوة كبيرة في سوق العمل كما أن المواطن لم يكن لديه الدافع القوي للقبول بأي وظيفة في القطاع الخاص على أمل الحصول على وظيفة تتوافق مع ما يتطلع إليه وهذا حق طبيعي له ولكن وضع سوق العمل كان يتطلب أن يقبل الموظف بأي وظيفة وهذا لم يحدث فعلياً على الأقل في البدايات وهو ما تسبب في ارتفاع ملحوظ في معدلات البطالة بين المواطنين وتسبب ذلك في تغييرات واسعة للمنظومة الإدارية لوزارة العمل بما فيها الوزراء من أجل الوصول إلى حلول ناجعة لحل مشكلة البطالة، وأعتقد بأن اختيار وزير للعمل من القطاع الخاص كان قراراً صائباً لأن الوزارة كانت تحتاج إلى حكمة في التعاطي مع ملف البطالة بالإضافة إلى معرفة بالقطاع الخاص ودهاليزه وطريقة التعامل معه بحيث لا يتأثر بقرارات التوطين ويتسبب ذلك في خروج بعض الشركات أو تصفية أعمالها وبالتالي سوف يتأثر النشاط الاقتصادي ولا يتحقق التقدم المطلوب في معالجة ملف البطالة، وقد تمت فعلياً بعض التعديلات على القرارات السابقة وتم استيعاب أعداد كبيرة من المواطنين الباحثين عن العمل بالإضافة إلى أن هنالك تغيراً واضحاً وتنازلاً كبيراً من الباحثين عن العمل فأصبح المواطن يقبل بوظيفة أقل من طموحه على أمل أن يتحسن وضعه في المستقبل سواء في وظيفته الحالية أو يجد عرضاً أفضل استناداً إلى الخبرة التي سوف يكتسبها من وظيفته الحالية، أيضاً صدر مؤخراً قرار تحمل الدولة لرسوم العمالة الوافدة التي تعمل في القطاع الصناعي وهو قرار يهدف إلى إنعاش الصناعة التي تأثرت مؤخراً وهو ما يجعلها تزداد نمواً وتتهيأ لاستيعاب العمالة الوطنية بعد إكمال مراحل تعليمهم وتدريبهم. المعايير الدولية التي تحدد طريقة احتساب نسب البطالة تشترط أن يكون العاطل قادراً على العمل وراغباً فيه ويبحث عنه بجدية إضافة إلى قيامه بإنهاء الإجراءات المتعلقة بالتسجيل في قوائم الباحثين عن العمل وتأكيد رغبته في الاستفادة من فرص التدريب والتوظيف، وقد أظهرت الأرقام التي نشرت عن الربع الثاني 2019 بأن نسبة البطالة للسكان وهي النسبة المعتمدة دولياً قد انخفضت الى 5.6 % وهي تقارب متوسط نسب البطالة العالمية عند 4.9 % وهذا مؤشر جيد، أما البطالة بين السعوديين وهي التي توليها الحكومة اهتماماً خاصاً وشرعت الكثير من المبادرات من أجل استيعاب القطاع الخاص للأعداد المتزايدة من الخريجين وبالرغم من التراجع الواضح في عمليات توليد الوظائف لدى القطاع الخاص بناء على الأرقام خلال السنتين الماضيتين إلا أن هنالك تقليصاً لعدد الباحثين عن العمل بحوالي 70 ألف باحث وبدأت نسب البطالة بين السعوديين تتراجع ووصلت في آخر نشرة إلى حوالي 12.3 % أما عدد ساعات العمل فقد انخفضت إلى 44 ساعة من 45 ساعة ومتوسط الرواتب ارتفع من 10,089 ريالاً إلى 10,342 ريالاً وهذه الأرقام تشمل القطاعين العام والخاص. الأرقام تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن وزارة العمل قد نجحت فعلياً في السيطرة على مشكلة البطالة والبدء في إيجاد الحلول التي سوف تساعدها في إنهاء مشكلة تعطل المواطنين عن العمل والتي تعتبر من الأهداف الرئيسية التي تسعى الحكومة لتحقيقها من أجل الاستقرار وتنمية الوطن بأيادي أبنائها، وقد أثبتت العمالة الوطنية بأنها أكثر كفاءة متى ما وجدت التدريب الجيد والتحفيز. حسين الرقيب