بعيدًا عن القوة والسيطرة في العالم، وأدوات القوة الخشنة المستخدمة، كالحروب والجيوش التي تحتل الدول الأقل قوة، هناك في الضفة الأخرى طرق ووسائل القوة الناعمة التي تحقق الكثير من الانتشار والسيطرة، كأدوات الثقافة والفنون والسلع التجارية وغيرها، فكثير من أفلام السينما الهوليودية مثلاً، وكثير من الماركات الأمريكية انتشرت في كافة أنحاء العالم، وجلبت معها اللغة كقوة فرضت نفسها على كثير من شعوب العالم. من هنا، أعتقد أن ما يقوم به مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية من جهود ملموسة في دول العالم، بالذات الدول الإسلامية، هو دور مهم ومؤثر رغم أنه تقليدي في ظاهره، وأعني تقليدي أن تعلم اللغة بحد ذاتها لا يكفي، صحيح أن العربية لغة القرآن الكريم، وهذا عامل مهم للغاية في الدول الإسلامية، لكنه ليس كذلك في غيرها، بمعنى إذا أردنا أن نحقق انتشار العربية في العالم، كقوة ناعمة، يجب أن يصاحبها عوامل ثقافة متنوعة، فبالإضافة إلى الدين، هناك الأدب والدراما والأغنية وغيرها، خاصة أنها في جانب منها طابع ترفيهي، وهو ما يعزز اهتمام الشعوب بها. هناك على سبيل المثال الدراما التركية التي احتلت مكانة كبيرة في قنواتنا، مما دعم السياحة والاطلاع على الحياة في تركيا، وهناك الدراما والأغنية الكورية الجنوبية التي انتشرت بين الجيل الجديد من الشابات، وهو أيضًا ما عزز السياحة إلى كوريا، بل وجعل اللغة الكورية، رغم صعوبتها، مجالا لهذا الجيل المتطلع إلى ثقافات الشعوب. كان لي شرف المشاركة بمحاضرتين في هارفرد، على طلاب اللغة العربية الأجانب، وكان النقاش حول إحدى رواياتي، فهؤلاء اطلعوا على الثقافة السعودية من خلال رواية، وغيرهم قد يطلعون ويلامسون ثقافتنا من خلال مسلسل درامي، أو فيلم سينمائي، أو أغنية، أو نوع من الطبخات المحلية، نعم حتى الطبخ وسيلة من وسائل القوة الناعمة، فالسوشي حضر بقوة في العالم من خلال المطبخ الياباني، وقبله البرجر، وغيرها من الوجبات، ومن يرغب بمعرفة قوة تأثير الأكل كقوة ناعمة، يطلع على حرص إسرائيل وترويجها للوجبات الفلسطينية واللبنانية والشامية، في العالم المتقدم، على أنها وجبات إسرائيلية. علينا أن نعمل بجدية بالغة على القوة الناعمة، فهي من أهم الوسائل التي تستخدمها الدول عند الأزمات والمشاكل، فمن خلالها يصل الصوت أسرع وأكثر تأثيرًا من وسائل الإعلام التقليدي والجديد.