يعيش البعض منا على صدى الاحتلال العسكري (القوة الصلبة) التي فرضتها دول الاحتلال للأراضي والدول بالدبابات والطائرات والصواريخ وجنود العسكر لفرض قوتها وهيمنتها فيكون أثر ذلك الكره والبغض للمحتل ولثقافته وإعلامه وفنّه وكل شيء عنه. والكره نتج لتلك الدول المحتلة بسبب القوة الصلبة (الاحتلال) الذي استخدمه. في عام 1996م بدأ يظهر مفهوم آخر ومعاكس لمفهوم القوة الصلبة كشفه مساعد وزير الخارجية الأمريكية السابق ورئيس مجلس المخابرات الوطنية "جوزيف ناي" في كتابه القوة الناعمة (Soft Power) الذي نُشر عام 2004م حيث تحدث عن هذا المفهوم ليعمل جنبا إلى جنب مع القوة الصلبة – العسكرية – لتقوية مصالح أمريكا في كل أرجاء العالم كما بيّن وأن تطبيق القوة الصلبة بدأ يتناقص شيئا فشيئا، وبدأت أمريكا تنهج نهجا جديدا بخلاف ذلك ألا وهو القوة الناعمة التي تتغلغل بين الناس بنعومة وأثر أعمق. فذكر الكاتب أن القوة الناعمة سلاح مؤثر يحقق الأهداف عن طريق الجاذبية والإقناع بدلا من الإرغام أو دفع الأموال، وموارد القوة الناعمة لأي بلد هي ثقافته إذا كانت تتمتع بالقدر الأدنى من الجاذبية وكذلك قِيَمه السياسية عندما يطبقها بإخلاص داخليا وخارجيا إضافة إلى السياسة الخارجية. ويؤكد جوزيف ناي أن القوة الناعمة لا يمكن اختزالها في الثقافة فقط، ويضرب مجموعة من الأمثلة على ذلك منها: أن الكوكاكولا وشطائر ماكدونالدز الكبيرة لن تجتذب بالضرورة الناس في العالم الإسلامي حتى يحبوا أمريكا ، بل بسبب القوة الناعمة بدأ الناس يتأثرون بالملبس ونوعية الأطعمة فوصل إلى طريقة الكلام واستخدام اللغة وغيرها. كل ذلك تأثرا بالقوة الناعمة وفي نفس الوقت وهذا بيت القصيد أن الحب والانتماء يتغلغل في النفس دون شعور بسبب هذه القوة الناعمة. وكل هذا ليس من الثقافة فقط بل من الإعلام والتعليم والرياضة والفن والسياحة والعمران والصناعة وغيرها. فأصبحت الدول التي كانت تستخدم القوة الصلبة سابقاً المستخدمة للقوة الناعمة الآن تؤثر وتتحكم بالآخرين من خلال وسائل القوة الناعمة المتنوعة. ويوضح جوزيف ناي أن حسم الصراعات بالقوة العسكرية وحدها أصبح أمرا من الماضي خاصة وأن الانفتاح وقوة وسائل الاتصال والبرمجيات قد تشكل عائقا كلما حاولت الولاياتالمتحدة شن حرب جديدة. ويدعو إلى اعتماد إستراتيجية القوة الناعمة لضمان حلفاء ليس من الحكام فقط بل من شعوب المناطق التي تريد أمريكا فرض سيطرتها عليها بشكل ما. أعجبني في دولة الإمارات العربية المتحدة والتي أعلنت قبل فترة عن تأسيس مكتب للقوة الناعمة في الحكومة لبث رسالتها وثقافتها وبناء وتعزيز صورتها الذهنية الإيجابية وتسويق نفسها عند الآخرين. ومع رؤية الوطن 2030 بدأنا نلمس ذلك ببرامج عملية تساهم في بث قوتنا الناعمة لتحسين الصورة الذهنية عن الوطن وبالذات في خارج المحيط العربي والإسلامي، فلك أن تتخيل الإنسان الغربي يتأثر بكلامك وطريقة حياتك ولبسك وأسلوبك ونوعية الأطعمة فيكون أثره أعمق أن يحمل قيمنا ومبادئنا السمحة فيكون مدافعا عنّا محبا لنا مسوقا لوطننا من دياره. همست في إذنه وقلت: هي الفرصة لبث ثقافتنا وقيمنا ومبادئنا السمحة الأصلية باستغلال القوة الناعمة من خلال الثقافة والإعلام والدراما والسياحة والرياضة وغيرها. badralghamdi@