تحدثت في المقال الماضي عن الحرب في واشنطن، الحرب التي يشنّها الديمقراطيون على الرئيس ترمب، ولا يمكن لأي معلق محايد، حتى ولو كان خصما لترمب، إلا أن يلحظ الانحياز الفاضح ضده، ويكفي أن تعلم أن خصومه كانوا يرفعون المحقق الخاص، روبرت مولر، إلى أعلى درجات التميز، وهو حقا كذلك، بتاريخه العدلي الطويل ومهنيته وحياديته. هذا، ولكن ما أن جاء تقريره على غير ما يشتهون، حتى انقلبوا عليه، ولم يبق إلا أن يتهمونه بالخيانة، وفي خضم هذه الحرب الداخلية، تقرع طبول الحرب خارجيا، قريبا منا في الخليج، بعدما انسحب ترمب من اتفاق أوباما النووي، وحاصر إيران، ويكرر المعلقون حقيقة أن كل رؤساء أمريكا، منذ رونالد ريجان وحتى باراك أوباما، هدّدوا إيران، وبالتالي يستبعدون خيار الحرب. صحيح أنه لم يسبق أن تمت ترجمة تهديدات إيران إلى واقع، فمخططات الحرب توضع على الطاولة، ثم تطوى بعد فترة، وتكرر ذلك مرات عديدة، ولكن يجب الاعتراف بأن ترمب رئيس مختلف، وحريص على تنفيذ وعوده، ولعلي أكرر هنا ما سبق وأن كتبت وقلت، في لقاءات تلفزيونية، في قناتي العربية وسكاي نيوز، خلال الأيام التي سبقت انسحاب ترمب من الاتفاق النووي، فقد كنت أؤكد على أنه سينسحب من الاتفاق، لأنه ومنذ انتخابه، حريص على تنفيذ وعوده، فقد فعل ذلك مرات عدة، ولا يهم إن كان يتجاوز المؤسسات، بحكم أن أمريكا دولة مؤسسات، كما يتهمه خصومه، فالمهم هو أنه ينفذ ما يقول، على عكس معظم الساسة الأمريكيين، الذين ينسون وعودهم، بمجرد دخولهم إلى البيت الأبيض، ولعل قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس مثال حي على ذلك. لعل الرجوع إلى الماضي ينير لنا الطريق، بخصوص طبول الحرب التي تقرع حاليا في منطقتنا، فترمب عزل مستشار الأمن القومي، الجنرال مكماستر، وعين بدلا منه الصقر الجمهوري، جون بولتون، وكان ذلك قبل الانسحاب من الاتفاق النووي بفترة قصيرة، وقيل حينها إن الجنرال المعزول كان يرى عدم الانسحاب، وكان ترمب قبل ذلك قد عزل وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، الذي كان واضحا منذ البداية أن ترمب لم يكن منسجما معه، وكذلك لم يكن هو منسجما مع سياسات ترمب، ثم عين مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، مايك بومبيو، بدلا منه، وبومبيو صقر جمهوري محافظ، ومقاتل سابق، ومن كل أركان إدارة ترمب، يبدو بومبيو هو الأقرب للرئيس، والأكثر فهما لما يريد، والأسرع تنفيذا لسياساته، ثم جاء قرار عزل أهم أركان الإدارة، ورمانة توازناتها، وزير الدفاع جيمس ماتيس، وهنا تبين أن ترمب لا يريد أن يقف أحد في طريق تنفيذ سياساته، وبالذات تجاه إيران، وسنواصل الحديث.