يبدو الأمر في الولاياتالمتحدة، كما لو أنك تتابع عالمين مختلفين، عالم جادة بنسلفانيا افنيو، حيث يقبع الرئيس ترمب مع دائرته الحاكمة، في البيت الأبيض العتيد، وعالم الإعلام المنحاز، الذي لا يرى شيئاً، سوى تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية! ففي عالم إدارة ترمب، لا تستطيع، مهما كنت مناهضاً له، إلا أن تعترف بأنه حرك كثيراً من المياه الراكدة، وأنجز الكثير، على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهي إنجازات لا يراها إعلام اليسار، فهذا الإعلام قد قرَّر ملاحقة هذا الرئيس، الذي فاز رغماً عن الجميع، حتى يخرج من البيت الأبيض، إما بالعزل، وهو أمر لا يزال بعيد المنال، أو بحرمانه من إعادة الانتخاب، في عام 2020، وشخصياً، وبحكم متابعتي الدقيقة للشأن الأمريكي، أشعر بأن هناك انفصاماً حاداً في الإعلام الأمريكي، لم أستشعره قبل انتخاب ترمب رئيساً! ويبدو أن ترمب قد حسم أمره، فبعد ارتكابه لأخطاء بالجملة، في سنته الأولى، مثل تعيين من لا يتوافقون معه أيدولوجياً، وأهمهم وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، وتعيين بعض المخلصين له، مثل ستيف بانون، قرَّر أن يمضي قدماً، ولا يعطي الإعلام المنحاز ما يريد، وهذا ما جعله يتجاهل تهويل وضجيج هذا الإعلام، ويرشح مدير وكالة الاستخبارات المركزية، مايك بومبيو، وزيراً للخارجية، ولم يكترث بكل ما كتب وقيل عن قلة خبرة بومبيو في السياسة الخارجية، وفعل مثل ذلك، عندما عزل مستشار الأمن القومي، الجنرال مكماستر، وعين المحافظ الشرس، جون بولتون، وهي قرارات لم يجرؤ عليها، عندما كان يعتقد أن بإمكانه مهادنة الإعلام المنحاز، ولكنه فعلها بلا تردد، بعدما تيقن أن الإعلام سيهاجمه مهما فعل، فقرَّر المضي قدماً، معتمداً على قاعدته الجماهيرية الضخمة، التي أوصلته للبيت الأبيض. وكان من نتائج حزم ترمب الأخير، انسحابه من الاتفاق النووي، وهو الانسحاب، الذي كانت تعارضه شرائح واسعة في الداخل الأمريكي، وحلفاء كبار في الخارج، ولكنه قرَّر ما يراه في مصلحة الأمة الأمريكية وحلفائها، وفي خضم الجولات السرية لعراب الاتفاق النووي، جون كيري، ومحاولاته المستميتة لإنقاذ هذا الاتفاق الهزيل، وجولات صديق كيري، وزير خارجية إيران، جواد ظريف، صرح وزير خارجية أمريكا، مايك بومبيو، بأن إدارة ترمب ستعلن، يوم الاثنين القادم، إستراتيجيتها الجديدة تجاه إيران، والتي ستتمخض عن تشكيل تحالف دولي، لمواجهة سياسات إيران العدوانية والتوسعية، ودعمها للتنظيمات المتطرفة، وقد بدأت بوادر هذا التحالف الدولي الكبير بالتشكّل، ما يعني أن استئساد إيران، في مرحلة أوباما وسياساته الناعمة، قد ولى إلى غير رجعة، وأننا سنشهد تحالفات جديدة، تعيد رسم سياسة الشرق الأوسط، في مرحلة ما بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وهو تطور إيجابي هام للغاية، تقف وراءه إدارة ترمب بكل قوة... وللحديث صلة!