أغلب الحركات المتأسلمة، أو الإسلاموية، أو كما يسمونها حركات الإسلام السياسي، تتخذ من بريطانيا مكاناً آمناً لها، بحجة أن بريطانيا ونظامها يعتبر الحرية، وبالذات حرية الكلمة، بمثابة (الدين) الذي يذبون عنه، ولا يقبلون عليه المساومة مهما كانت الخسائر كما يدعون ، لكنهم لا يوفرون للنازية ولا للفاشية نفس القدر من الحرية والملاذ الآمن، لأن بريطانيا وبقية حلفائها قد اكتووا من هذه الحركة التي كلفت أوروبا، وبالذات بريطانيا، ملايين القتلى والجرحى و المعوّقين، إضافة إلى الخسائر المادية على التراب البريطاني كافة. وهو تبرير مقبول، ولا يمكن لأحد أن يلومهم عليه، لكن السؤال في هذا السياق: لماذا لا تعامل جماعة الإسلام السياسي الإرهابية التي تقبع أساطينهم في الأراضي البريطانية بنفس المعيار؟ هنا يتضح بوضوح أن البريطانيين يكيلون بمكيالين، ويتعاملون بأسلوبين مختلفين، رغم أن النازية والحركات المتأسلمة هما قضيتان أيديولوجيتان تشتركان في نفس الهدف المؤدلج العنيف في تفاصيل ما يدعون إليه. وأنا على ثقة لا تخالجها أي شك أن الأوروبيين عموماً، والبريطانيين بشكل خاص، سيواجهون عنف المتأسلمين المسيسين قريباً وقريباً جداً، فهذه الأيديولوجيا تعتبر الغرب عموماً وكل من يدين بغير الإسلام، على رأس استهدافاتهم، ولن يهدأ لهم بال حتى يُعيدوا ما جرى في (غزوة مانهاتن) كما يسمونها, وتكرارها في لندن أو باريس، وغني عن القول إنهم لن يعدموا السبل لتحقيق أمنيتهم هذه. ويخطئ من يظن أن المتأسلمين الحركيين فيهم من هو مسالم وفيهم من هو عنيف شرير، فهم جميعاً سواء، أريد فقط أن تعودوا إلى مؤلفاتهم، وكتبهم، وخطبهم، لتجدوا أنهم بمختلف توجهاتهم يتفقون على مفروضية (الجهاد) ويقصدون به العنف ويعتبرونه من ثوابتهم، وإن أظهروا إخفاءها، مؤقتاً من باب التقية لبواعث تكتيكية. اعرف أن البريطانيين هم من عملوا على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في بدايات انطلاقها في مدينة الإسماعيلية، ودعموها حينها بمبلغ 500 جنيه مصري، الذي كان -آنذاك- مبلغاً كبيراً، واستطاعوا فعلاً توظيفها وتوظيف خطابها الدعوي بمهارة في مواجهة الحركات الوطنية التي كانت تقاوم استعمارهم لمصر من خلال امتطاء الدين لشيطنة المفاهيم الوطنية ودعاتها، غير أن هذه الجماعة اليوم ليست كما كانت بالأمس، أداة طيعة لهم، بعد أن تحالفت مع الجهاديين المتأسلمين، أو بمعنى أدق (الإرهابيين)، كالقاعدة وداعش. وفي بريطانيا الآن يوجد للجالية المسلمة ما يزيد على 1300 مسجد يسيطر جماعة الإخوان المسلمين على أغلبها، وستكون هذه المساجد في يوم ما منصات من خلالها يدعون فيها للإرهاب والجهاد، ومن يرصد حركات الإرهاب المتأسلم، ويتفحص تطوراتها، سيجد أنهم بدأوا أول ما بدأوا في الدول العربية والإسلامية، غير أن هذه الحركات الدموية لم تلبث إلا وانتقلت إلى أوروبا وأمريكا ودول شرق وجنوب آسيا، ومن يزعم من ساسة بريطانيا أن بالإمكان، توظيفها مرة أخرى لتحقيق مصالحهم فهو أشد الناس جهلاً يأيديولوجية هذه الجماعات وتطوراتها النوعية، فالغرب، وتحديداً المسيحيون، هم عدوهم الأول. وكان البريطانيون قد أجروا دراسة عن الإخوان في عهد رئيس الوزراء ديفيد ماكرون استمرت عشرين شهراً، وتسرب بعضٌ من نتائجها إلى الإعلام، إلا أن بقية الدراسة ظلت سرية. بقي أن أقول إن أولئك الساسة الذين يبحثون عن المصالح، حتى وإن اضطروا إلى اللعب على رؤوس الأفاعي، سيجدون أنفسهم يوماً ما يصارعون الأفاعي التي ستنقلب عليهم، وهذا ما أجد أن البريطانيين حتماً سينتهون إليه، وربما في زمن قريب وقريب جداً، وستذكرون كلامي. إلى اللقاء