الكتابة فن يتقنه عدد ليس بالكثير، إما بالموهبة البحتة أو بكثرة التدرب والتمرس. إتقان عملية تفريغ الأفكار على الورق بالكتابة هو طريق طويل مليء بالمشاق والصعوبة، لكنها تبدو تلقائية جدًا لدى أولئك الموهوبين الذين يشعرون أنهم لا يقومون بعمل كبير عندما يكتبون، بل تجدهم يقولون: «إنها مجرد كتابة»، لكنهم بعد فترة من الزمن تطول أو تقصر يشعرون بأهمية العمل الذي يقومون به من خلال ردود أفعال الجمهور القارئ، فيدركون - بعضهم على الأقل - أن العمل الذي يقومون به ليس شيئًا عابرًا يستطيع أي شخص القيام به، بل هو عملية معقدة تستنطق الكلام الذي لا يعرف الآخرون كيف ينطقونه. عندها يمر الكاتب في منعطف خطر جداً وهو فكرة الكتابة من أجل القارئ أو بلسانه، وهذه خصلة تجعل الكاتب بلا اتجاه، بل تحمله أمواج الجماهير أينما ماجت، بينما يظل النوع الآخر من الكتاب يقاوم رغبة الجمهور ويردد دائمًا أنه يكتب من أجل نفسه وليس من أجل الآخرين، وهذا النوع لاشك بأنه يقف على قارعة الفن منتظرًا الصدفة التي تجعل مما يكتب همًا مشتركًا مع شريحة من الجماهير، وإلا فإن أحدًا لن يعلم به، لأنه كما قال: يكتب لنفسه. الكاتب البارع يستخرج أصعب المشاعر من قلب جمهوره، تلك التي لا يستطيعون التعبير عنها، ثم يعيدها لهم على الورق كما شاءوا أن يروها ويشعروا بها. ** **