سألني أحد الأصدقاء يوماًَ عن المجهود المطلوب لكتابة رواية، فكان أول شيء يخطر في بالي هو رسالة الماجستير، قلت له إن كتابة رواية تشبه كثيراً إعداد رسالة ماجستير، لم يكذبني بالطبع لأنه لا يملك التجربة وبالتأكيد لأنه حسن الخلُق. بالنسبة لي فأنا ما زلت مصممًا على رأيي بأن كتابة الرواية ليست عملاً إبداعياً محض الابتكارية، إنما هو عملية شاقة يدخل فيها البحث والتدقيق والتمحيص والتثبت والتأكد ومن ثم تدمج نتائج هذا العمل العلمي الممحص بداخل العمل السردي المبني على الإبداع والابتكار. لا يخبر الروائيون عن هذه الجهود التي يقومون بها في البحث والتمحيص، بل والتحرّي أحيانًا، إنما يكتفون بإخبارك عن المجهود الذهني والابتكار الفني والوقت الذي استغرق لخلق تلك الشخصيات وصناعة العمل، ربما هي نرجسية أو كتمان لأسرارهم الصغيرة في صناعة الأعمال السردية. إحدى أشهر الروايات التي ضج بها العالم وكتب عنها النقاد والكتاب رواية مدام بوفاري، ستجد قليل جدًا من الكتابات عمَّا فعله فلوبير ليتعرّف على أنواع السموم ويختار السم الذي ستموت به مدام بوفاري، فقد تعمّق في قراءة أنواع السموم وتأثيراتها وبقي مدة يزور المختبرات كل صباح ويرى الدراسات والتجارب ويرصد النتائج والآثار. هنا سأقول لك: إذا أردت أن تكون روائيًا ناجحًا، فيجب عليك أن تكون باحثًا متعمقاً جدًا، تفحص وتمحص وتدقق وتتأكد من أنك تختار الاختيار الصحيح فليس كل شيء في العمل التخييلي من الخيال، إنما يجب أن تضعه بمعايير الواقع لكي تلامس واقع القارئ بالشكل الذي يجعله لا ينساك. ** **