أن تحاول كتابة مقالك وأنت لا تملك فكرة هو تحدي لنفسك بالمقام الأول، فعليك أن تثبت لها بأن المزاجية العفنة لم تتمكن منها، وبأنك قادر على توليد الأفكار واجترار قدرتك على التأمل. والذي سيقودك بدوره للتحليل ومن ثم استنتاج ما يجود عليك عقلك به. لا تأخذك العزة وتعتقد بأنك ستنجب نظرية تحتكم لتجارب وبراهين ويتفق عليها ثلّة من المفكرين، بل تكفيك نفسك وحسبك بها مشجعًا ومريدًا. منذ سنوات حين كنت أتقلب في تيهي انحرفت بي الأفكار إلى ما كان سيقودني لحتفي. نعم أعترف وعلى الجميع أن يعترفوا بأننا مجانين نمارس التعقل، أوَ تعتقدون أن الحفاظ على التوازن العقلي أمرٌ يسير؟ إن كنتم تفعلون فهنيئًا لكم هذه المكابرة، كنت مثلكم لكني تخلصت منها (بالتأمل) ولسقف غرفتي فضلٌ كبير في ذلك، فحين فرضت عليّ عزلتي - المُختارة في بادئ الأمر أن أقضي ساعات طويلة محدقة في ذلك السقف بتيهٍ سرمدي لا ألوي على شيء سوى إهدار الوقت لأنتهي من اليوم وأستقبل الغد الغامض المخيف، بدأ هذا السقف العجيب بمحاكاتي. أجل لقد تحدث إلي طارحًا سيلًا من الاستفهامات، انتشلني من عمق الشتات وأزجى بي في بحرٍ من الأسئلة وطلب مني البحث عن الأجوبة (وحدي). تعلمت من السقف في أشهر ما عجزت عن استيعابه عبر سنين من التجارب. أعطاني الصفاء الذهني الذي فقدت، وجعلني ألتقي بالراحلين والآفلين وأستدعي الذكريات لا لأحاكمها بل لأصافح الخبرة وأمتص الدروس وأبتلع خيباتي لألوم نفسي وحدها. كم من السنين قضيناها في لوم الآخرين على ما يحل بنا حتى وإن كان الآخر يحمل اسم الظروف؟ متى بدأت في لوم نفسك ستصل للحل، لا تستمع لمن يقول لك (لا تجلد ذاتك) بل اجلدها إن تمادت وحادت، كافئها يومًا ببسط الطريق لها لتمارس هواها، ثم عد لها موبخًا إن أسرَفَت في نَزَقها، لا تنتظر من ينصحك وكن لنفسك من الناصحين. انشغل بها وشاغلها، تمنّع عنها وتحايل عليها. باختصار (أحبها) فحين تقع في غرام صادق لهذه النفس ستصل إلى السلام الروحي لن تعود بحاجة لمصابيحهم فنور بصيرتك هو الدليل. الآن عد لسقفك واسرد عليه ما صنعت وصدقني (سيبتسم لك) حينها أطفئ النور ونَم بسلام. ** ** - حنان القعود