للدكتورة فوزية أبو خالد وقد عنونه «الاستشفاء من الألم بالألم» في عدد الأربعاء 19 من هذا الشهر ففي حين كتبت عن أتباع المرض، وجانب من أثقال تخالط حدوثه بلا اختيارنا.. أكتب عن جوانب ما تقرأه عين البصير وهذا ربما من إشارات سطرتها في كتاب صدر قبل عقد من الزمن مما استخلصته من هذا الجانب (فوائد المرض الغائبة) أوجز بهذه الشذرات/ لا مشاحة القول فيه إنه/ حالة تعتري الجسد، كما.. و أن الحزن حالة تعتري النفس.. وكلاهما في سبيله أحايين -إن طال به المقام- أن يبلغ غاية قصوى بالجسد أو في النفس.. بالذات ما يخترمهما دركةً تبلغ بمن مضّه ما لا يحمد العُقبى .. لكنّا -بالمناسبة- نلفى به وجهة سائغٌ شرابها للنفس الواعية (1)، التي حسبها به التدارك بنذارته في التخلص من شوائب ما يعلقها من أدران الحياة كذلك الحال تجدها -النفس- في سويعات الحزن.. الذي يتخلله تقطعات من وقتك (استراحة محارب) في معمعات الحياة ماض قُبلا لا يلوي على تريث يلتقط به الأنفاس إلا كهذا الظرف.. فهو يحدث بلا اختيارك، كأن مرامه مُنحة للنفس (مُهداة) في فرصة وافية من الاختلاء بأوجاعها.. وبالتالي تنعكس خيرية لها في نهج المراجعة منحى، مثل ما هو تمحيص لما هي فيه من عطايا فكم هي سادرة إبّان صحتها عن طرق تلكم، فحالات الصفاء كهذه ضنينة أن تأتي بما يماثلها -صدقًا وعدلاً-.. بخاصة وأن هذه النفس تكون متخمة بهمّ الداء ما يجعل المراجعات تعلوها سمة الصدق للتخلص (أو على الأقل) التخفف من التبعات.. أما في مسلك الاستبراء المباشر ممن طالهم منها أذىً أو في محاولة مدّ بساط التذلل -الاستعطاف- في الطلب (تشفعًّا) بالداء (طلب غير مباشر) لنيل الصفح.. ممن نالهم منها تقصير وهذا ما تجده مشاهدًا عندما تزور عليلاً لإلا وداخل معك بحديثه ما تقرأ أنه (رجاء) المسامحة -التحليل- لعله بتلك الشفافية يرسل ما يبلغ عنه للمولى أن يعجّل ببرئه. كما والمرض يخبر إما طريقة مباشرة وفي الغالب غير مباشرة عن حالة الضعف التي بين جنبينا وهو يختبئ -الضعف- حال ما لنفس صحيحة وشحها بمطامع الدنيا شاخص، وقمين أن يكون عنوانها الرئيس.. حتى إذا ما هوت من جراء الداء خارت تلك القوة، فتجلّت الخبايا ميممةً إلى الاستسلام وجهتها وتاركةً كل ما خُولت من نِعم خلفها ظهريًّا، ومظهرة الاستعداد لبغية واحدةً لا سواها وهي/ طلب العافية.. فهي -هنالك- تقبع تتربع على أي مطمع من هذا الذي تجده فيه انشراحًا ومتجافية عن جوانب كثيرة من صراعات ما تلفاه النفوس في الحياة وملازمة عندئذ التطهر من دنيا ما كانت تخوض في غمار تلك لعمارة حياتها الصرفة (و لو) على أكتاف من لا حول له أو قوة، أو في ذلّ في مناكفة من ليس له ركن شديد يأوي إليه لو أُخذ حقه من ذات متنمّرة.. يوم كانت الدنيا طوع عضلاتها لا غرو في وقوع ذلك.. ألبتة فالمرض حالة ضعف عامة حسية ومعنوية فكم تمر على المريض لحظات يحس أنه يود البكاء لا لشيء إلا لغلبة ظنه أن العلاج - المادي- أحايين لا يكفي لوحده، فهو يلجأ للبكاء تخفيفًا وربما سرّ داخلي (2) مؤداه: الندم على ما فرط هذا المسكين دهراً في جانب ربه.. أو تكاسل عن حظ نفسه الأخروي، فهو يبكي لإدراكه مدى ضعفه من ناحية ومن ناحية متممة تبلغ عندها ذاته من قوة الإيمان أن الدنيا التي انصرف إليها بما أوتي ويكْ لكأنه تنظر إليه بعين حمئة.. فترميه بشرر كالقصب عليه، عاليها كلمات اغترار ما كان منه يومئذ يملي عليها المشاهي، وعنوانه/ أن في الحياة سعة أن تتوب ذاته وعما قريب ستعود، فتمضي الشهور بل السنين وهي على حالة الأمل تلك فلا يفيق من سكرة -عمهْ- ما رسم.. إلا بحلول النّذر كالمرض (3) ليخبر بجلاء/ أنّ ها هي السعة تتلاشى درجة أنه ربما غالبه أن الحال (العود) لن تعود.. لسابق عهدها إلا ما شاء الله فهو يتمسك بخيط آمال تمر عليه في فترة المرض ما يظن أن الخيط يكاد يتسرب من بين أصابعه المنشغلة بهمّ الداء من أن تزيد -تشبثًا- بالإمساك ولو بآحاد الخيوط تلك وهنا ومن جملة ما تقدم ندرك ضعفنا أمام أدنى داء يتغشّانا (4) .. وهاكم أكبر سند لحالة الضعف هذه في قوله تعالى (.. وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} أي: ليس على مثله كالأعمى والأعرج جناح، في ترك الأمور الواجبة، التي تتوقف على واحد منها، وذلك كالجهاد ونحوه، مما يتوقف على بصر الأعمى، أو سلامة الأعرج، أو صحة للمريض، ولهذا المعنى العام أطلق الكلام التعذيري في ذلك، ولم يقيد. .. لا كما هي الحال (5) ممن تعتب عليه في تقصير حدث منه إزائك، ثم ويا للعجب ما أن تُبلغ عنه أنه يشكي -مريض- إلا وهببت لعيادته، تاركًا خلفك كل وجوه الملام، وسادرًا عن أنين العتابات التي تحملها عليه(6) لتشفّ الأنفس عما تخبئ من حقيقة حبّ لا تبدو إلا في حال ضعف -وهن- المقابل..! وهكذا يا أحباب الدنيا!، كم هي صغيرة.. حقيرة لا تساوي (7) عشر ما تستحق، بل أبشركم أنها دون عُشر من العشر.. من أن تبلغ، فتكون سببًا وجيهًا لفرقتنا، فضلا أن نتصارع عليها هامش 1) أي تلك التي تقرأ الرسائل (التنبيهات) قراءة صحيحة.. لا تذهب وراء اللطم أو تقف على الندب فضلاً عن التجزّع! 2) جاء حديث (الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس).. ضارعًا 3) ... فيا قوم هلاّ تبصرنا بنعمة (المرض).. الخفيّة!- أمليت حول تلكم النعمة/بكتابي «فوائد المرض.. الغائبة» صدر عام 1423 4) بل حتى من رحمة الله أن جعل دعاءه أقرب.. فمن حالات إجابة الدعاء /حين يكون العبد طريح فراش المرض 5) وبالتأكيد الحال تفرق!! ألا يكفي أن المريض يعذر بحق الخالق في بعض العبادات كالقيام للصلاة -وقوفًا- أو الصيام... مثلاً، فكيف بالحق الذي عليه للخلق 6) و عبّر عن هذا العوام بقولهم (الله لا يبين غلاك)، والذي للأسف لا يبين إلا في أحوال أحسنها المرض، فضلا عن الموت! 7) وأيننا من وعي قوله: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء) رواه الترمذي ف(لو) هذه التي في صدر الحديث تعني/ حَرْف شَرْط تُسْتَعْمل في الامتناع أو في غَيْر الإمْكان حدوثه.. مثل: «لو كنت غَنيًّا لسَاعَدْت الفقراء» ** **