كلمة شاعر في تصوري جاءت من امتدادٍ أصيل من مفردة الشعور وذلك لأنه يفترض بالشاعر أن يكون صاحب إحساس ومشاعر أعلى من كل الآخرين سواه، أو على الأقل مدغدغاً بارعاً لشعور غيره من الجمهور وبقية الغاوين. بناءً على ذلك الوصف -الذي أتبناه شخصياً- فلقب شاعر لن ينحصر فقط في أولئك المبدعين الذين ينبغون ويتميزون في كتابة القصائد بشكل صحيح، لكنّه سيتّسع ليشمل كل من يحرك مشاعر جمهوره بما يكتب من فنون الأدب، وبالتالي تزيد رقعة الغاوين تبعاً لذلك. ولعلك تنتظر مني أن أقول إن الروائي سينضم لهذه القائمة حتى تعترض بقول هوسرل بأن الرواية إضافة معرفية لتراكم التجربة الإنسانية وبالتالي لا يمكن أن يتم تبنيها من أبٍ مشاعري وأمٍ عاطفية، لكني مقابل اعتراضك هذا لن أتنازل عن رأيي في ضم الرواية إلى هذه القائمة منطلقاً من جديد من الشعر الذي إن تعددت أغراضه حتى غير العاطفية منها إلا أنه يجب أن يلامس وتر العاطفة حتى يخلق الطرب. الروائيون شعراء بطريقتهم الخاصة، بالطريقة التي لا تتكثف فيها الصورة كما يفعل شعراء القصائد، لكن اللغة تتكثف داخل كمية كبيرة من التفاصيل لتخلق صورة من فسيفساء متناهية الصغر، ولكي نعطي الشعر الذي يجلب الغاوين حقه، فلا يمكن اعتبار كل الروايات شعراً إلا تلك الرواية التي بدأت على شكل جملة واحدة بين يدي كاتبها، ويستطيع قارئها أيضاً أن يعيدها إلى جملة واحدة.