لم تكن مفاجأة تصدر إسرائيل المرتبة الأولى بالعالم من حيث نسبة تمويل مراكز البحث العلمي والدراسات الإستراتيجية حيث تشكل 5% من دخلها العام وتزامن انشاء مثل هذه المراكز البحثية منذ يوم إعلان بن غوريون لتأسيسها على التراب الفلسطيني وأصبحت مصدراً أساسياً يعتمد على توصياتها صاحب القرار الإسرائيلي وتزايد الاهتمام بمراكز الأبحاث والدراسات عالميّاً بشكل واضح وملحوظ في العقود الأخيرة من القرن العشرين. فقد أصبحت تمثِّل أحد الدلائل المهمّة على تطور الدولة وتقييمها للبحث العلمي واستشرافها لآفاق المستقبل؛ وذلك وفق المنظور المعرفي لتطور المجتمعات الإنسانية عمومًا، وانطلاقاً من عدّ تلك المراكز مؤشراً للمنجزات الحضارية والنهضوية والثقافية وعنواناً للتقدّم وأحد مؤشِّراته في التنمية ورسم السياسات. وتعد عملية دراسة القضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع والدولة وتحليلها، من أهم الأدوار التي تضطلع بها المراكز البحثية عموماً؛ إذ تهدف من خلالها إلى معرفة الأسباب التي تكمن وراءها، وبلورة الرؤى والمقترحات العلمية المتعلّقة بها، ووضع الحلول المناسبة لها. وقد أصبح للمراكز البحثية دور رائد ومتقدِّم في قيادة السياسات العالمية، وصارت أداة رئيسة لإنتاج العديد من المشاريع الإستراتيجية الفاعلة. وهي الجهات الأساسية التي تستطيع رسم خطط المشاركة في تلك المشاريع، والإسهام فيها إسهاماً فاعلاً. كما أصبحت مراكز الأبحاث والدراسات جزءاً لا يتجزّأ من المشهد السياسي والتنموي في العديد من البلدان المتقدِّمة. وقد لا نبالغ إذا قلنا إن لها دوراً أساسياً في نهوض الأمم وتقدُّم الشعوب نحو تحقيق أهدافها. وقد ارتقت تلك المراكز الحديثة إلى حدّ، أصبحت فيه أحد الفاعلين في رسم التوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وأحد المؤثِّرين فيها، وأحد المشاركين في وضع الحلول لها؛ وذلك من خلال توظيف البحث العلمي في خدمة قضايا المجتمع، بتقديم الرؤى وطرح البدائل والخيارات، بما يدعم عمليات صنع إصدارات علمية وندوات، من شأنها أن تضاعف مستوى الوعي لدى صانع القرار والمؤسسات والأفراد. ومع تزايد زخم الأحداث السياسية والاقتصادية وانعكاساتها على الأمن القومي للدول إقليمياً ودولياً من حولنا تظهر أهمية مراكز الدراسات والبحوث كسلاح غير منظور بتقديمها الإستراتيجيات والسياسات المستقبلية لصانع القرار السياسي والاقتصادي بما يوجّه الحل الصاب للمشكلات والقضايا المطروحة للنهوض بواقع الدولة وصون الحركة المستقبلية لها بالشكل الأمثل. ولا بد أن تتجه الدراسات والبحوث المتعلّقة بالمستقبل السياسي للدولة نحو التوازن بين الهدف العسكري والوضع الاقتصادي والاجتماعي ومع تشابك العلاقات الدولية تظهر الحاجة ماسة لاتخاذ صانع القرار السياسي ولمصلحة البلاد العليا لاستخدام الإستراتيجية السياسية وتفعيل التكتيك الإستراتيجي حسب ظروف العلاقات والأحداث الإقليمية والدولية المتغيِّرة. من أجل نجاح أعمال هذه المراكز الخليجية والعربية والاستفادة القصوى من الدراسات والتقارير التي تقدّمها يأتي عامل الفضاء الحر الذي يحيط بطريقة النقاش وتقديم الآراء والأفكار المعروضة وثانياً الأخذ بالسياسات والبحوث الإستراتيجية المعروضة حيال قضايا الساعة ومناقشتها وتحليلها معهم من قبل صاحب القرار وأخيراً وليس آخراً تهيئة الميزانية المالية للتشغيل لتقابل طموحات المختصين والباحثين في إجراء بحوثهم ودراساتهم الإستراتيجية بفائض مالي لتمويلها.وتشغيل الكوادر المميزة كنخبة المفكرين العرب والتي وللأسف أصبحت تتلقفهم الكثير من دول الجذب الأوربية للاستفادة من المخزون العلمي والتجربة الموروثة لديهم من مشاركاتهم في ورش ودورات وندوات عالمية في مجال البحث العلمي والدراسات الإستراتيجية. أتمنى على المنظمات الإقليمية العربية والإسلامية في خليجنا العربي وبيتها الموحد الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ممثلة في قطاع الشؤون السياسية والدراسات الإستراتيجية ومعها كافة المراكز الدراسات البحثية المنتشرة في دول خليجنا العربي ومنها ما هو مرتبط أساساً بالمؤسسات الرسمية أو الأهلية الخاصة والدعوة بتشكيل هيئة استشارية من الخبراء في الملفات الخليجية والإقليمية لمناقشة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام سياسياً واقتصادياً والوصول للتوصيات والحلول المثلى لكل الملفات المهمة إقليمياً ودولياً والتي ترتبط بالأمن القومي الخليجي والقضايا المصيرية لعالمنا العربي والإسلامي ليسأنس بمحتواها صاحب القرار الوطني والتي تسهل الوصول لمرحلة الحلول الصائبة ورسم السياسات نحوها .لتشكل خطة طريق متكاملة مشتركة وموحدة للقرار السياسي الخليجي الواحد والذي يعتمد عليه المجلس الرئاسي للتعاون العربي الخليجي. كمصدر حلول استشارية لكل القضايا المصيرية التي تهم مستقبل أمننا الخليجي وأجيالنا القادمة.