تعيش أمريكا حالياً أجواء الانتخابات النصفية، وهي أجواء مشحونة للغاية، تنقسم فيها أمريكا حول نفسها، تقريباً كما كان الأمر في خمسينات وستينات القرن الماضي، أثناء ثورة السود لنيل حقوقهم، وكان هذا الانقسام قد استفحل بعد فوز ترمب بالرئاسة، إذ كانت بدايته الحقيقية قد بدأت مع فوز أول رئيس أسود، باراك أوباما، في عام 2008، فعندما كان المتابعون يظنون أن التسامح قد بلغ أوجه في زعيمة العالم الحر، كانت هناك نيران تشتعل تحت الرماد، جعلت المحافظين البيض يعتقدون أن إمبراطوريتهم أفلتت من أيديهم للأقليات، وهي النيران، التي استثمرها المرشح الرئاسي، دونالد ترمب، بمساعدة رئيسية من مستشاره المقرب، العنصري ستيفن بانون، إذ لعب ترمب على وتر القومية، والعداء للأقليات، مثل اقتراحه بناء جدار، بين أمريكا والمكسيك، فحرك المشاعر لدى المحافظين، واجتذب كثيراً من شرائح المترددين، الذين صوّتوا له في نهاية المطاف. يجوب ترمب حالياً ولايات أمريكا، في رحلات مكوكية، يجتمع خلالها بأنصاره، وهي رحلات خصصت لدعم المرشحين الجمهوريين، الذين يخوضون معركة الانتخابات النصفية، سواء في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب، وبلغ أمر الانقسام أن معركة حاكمية ولاية فلوريدا تحولت لحرب عنصرية بغيضة، بين المرشح الأبيض، رون ديسانتس، والمرشح الأسود، اندرو قولوم، وكأن أمريكا عادت لنقطة الصفر، التي كانت عليها، قبل إقرار قانون المساواة في ستينات القرن الماضي، وفي خضم هذه المعركة الشرسة، حصلت تطورات مذهلة، فقبل أيام، تم إرسال طرود بريدية مشبوهة إلى زعامات ديمقراطية، من ضمنها باراك أوباما وهيلاري كلينتون واريك هولدر، وزير العدل في عهد أوباما، وإلى مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق، جون برينان، وإلى قناة سي إن إن، وغيرها من الأهداف. وبما أن كل من أرسلت لهم الطرود الملغومة من خصوم ترمب، بدأت وسائل الإعلام، التي تخاصم ترمب أصلاً، باتهام الرئيس بأن لغته الحادّة ضد خصومه هي السبب في ذلك، ما جعل ترمب يرد لهم ذات الاتهام، أي أن الإعلام هو سبب الفرقة والانقسام في المجتمع الأمريكي، ولا تزال رحى هذه الحرب دائرة، في مشهد لا يشبه أمريكا إطلاقاً، ولم تكد هذه الحرب تهدأ، حتى أقدم متطرف عنصري أبيض على مهاجمة كنيس يهودي، وقتل وأصاب عشرات، وهنا ستكون فرصة للإعلام ليتهم ترمب مجدداً بأنه هو السبب غير المباشر لذلك، من خلال أحاديثه السلبية عن الأقليات، وغني عن القول أن البيض المحافظين، أو العنصريين إن شئت الدقة، يمثِّلون شرائح لا يُستهان بها من جمهور ترمب، وهذه فرصة لا تفوت لخصوم ترمب في الإعلام، وسنتابع تطورات كل ذلك ونواصل الحديث عنه.