كان هناك الكثير من الغرباء يحومون حول منزلي حين كنت قاصرًا يرتدون الثياب ذاتها ويحملون الأشياء ذاتها كما لو كانوا صورة مكررة لكنني كنت أطيل النظر كل يوم في وجه واحد كان يحمل جميع معاني الاختلاف كان النظر لوجهه يضاعف تأثير الفراشات في معدتي الصغيرة كنت أخجل دومًا حين كان يمر على نافذتي كل يوم في نفس الدقيقة التي أستيقظ بها وقبل موعد نومي بساعات مديدة ليبقى ساكنًا أمام وجهي ويبتسم! كنت أشعر دومًا بأنه يحميني رغم أنني لا أستطيع مغادرة المنزل لأسباب تحتفظ بها أمي كان أول من يطرق باب قلبي في هذا العالم الذي تقول عنه أمي مرارًا وتكرارًا بأنه مغتصب ويرمقها أبي فتصمت ويبتسم هو لي, ولا أكترث أنا فأذهب لنافذتي. لا أعلم كم من العمر استمرت قصتنا, لأنني كنت على يقين تام بأنه كان بداية العمر لي. استيقظت يوما من نومي قبل وقتي المعتاد بساعات لأنتظره أنا تلك المرة وكانت تلك آخر مرة أرى فيها وجه أبي لأن من كنت أظن بأنه يحميني وسيحمي حبه بين زوايا سنيني أطلق رصاصة النهاية على قلب من كان يبتسم دوما أمام اغتصاب العالم الذي تراه أمي ورأيته أنا بعد أن ودعني .. أذكر بأنني كسرت تلك النافذه ليلا بقوة وصراخ مزعج جدًا فكان باستقبالي صوره المكررة التي لا تفرق عنه بشيء بتاتًا. لن أذكر تفاصيل نضوج فكري ومعرفة ما يحدث حولي بعد أن أتممت سن العاشرة لأنه ببساطة كان بمثابة اغتصاب علني لطفولتي. اليوم أصبحت أمًا لطفلة جميلة ولدت رغمًا عن أنف الاحتلال لم أقل لها يوما بأن العالم مغتصب, كنت أضع غطاء رأسي كل يوم قبل أن تستيقظ من نومها وأقف أمام نافذتها وأصرخ عليها بمرح لتستيقظ وتشاركني السير في موطننا. أتتني يوما متسائلة عن هؤلاء الغرباء الذين يحومون حول منزلنا, فشعرت بألم كسر زجاج نافذتي القديمة بيدي. شرحت لها قضيتنا فتركتني أصارع أفكاري دون أي ردٍ منها. في اليوم التالي رأيتها تصرخ علي بمرح من خارج نافذتي وهي تضع غطاء رأس مستعينة بعلم بلادنا, فأيقنت بأنها ليست طفلة الست سنوات وأجزمت دموعي على ذلك. ** **