رائدٌ من روّاد الثقافة والأدب في المملكة العربية السّعودية، وهو وإن كان من طلائع المشتغلين بالكتابة والأدب والفكر بمنطقة عسير، وله ريادته الثقافية والأدبية وتجاربه السابقة زمنًا وحضورًا في التاريخ الأدبي والمشهد الثقافي المحلّي، فإن ريادته الأهم - من وجهة نظرنا - والأكثر أثرًا وفعلًا، هي ريادته العمل (بمسؤولية ووعيٍ بالغين) في إدارة المؤسسة الثقافية، من خلال رئاسته نادي أبها الأدبي ل(28) عامًا، إضافة إلى رئاسته عددًا واسعًا من اللجان الأدبية والثقافية لفترات طويلة، منها:أمانة جائزة أبها للثقافة وإدارة أسبوعيات المجلس الثقافيّ لأمير منطقة عسير آنذاك الأمير خالد الفيصل. وقد كان في إدارته للمؤسسات الثقافية على وعيٍ كاملٍ بأن العمل في هذه المؤسسات يستدعي المشاركة، كما يستدعي استيعاب الأصوات المخالفة، وإشراكها ضمن العمل المؤسسي. وفي هذه الجوانب تروى كثير من المواقف التي تكشف عن نهجٍ طليعي في إدارة الأزمات، وتحويلها إلى فرص، والوقوف على مسافة واحدة من جميع التيارات والمدارس، مع أنّه اختار بوضوح خيار التجديد والحداثة، والانطلاق نحو ثقافة العصر مع المحافظة على الهوية والمرجعية، مع الإفادة منها جميعًا. وبالرغم من خيار الحداثة والتجديد الذي اختاره الشيخ محمد بن حميد فإنه لم يقطع صلاتِه مع المدارس والرموز التي ناصبت هذا التوجه العداء؛ إذ ترك لأعلام هذه التيارات الفرصة للحضور والمشاركة في برامج النادي، وتقديم وجهات نظرهم في مناشطه المنبرية وحواراته وإصداراته المختلفة. وقد كان أبو عبدالله ذا علاقة جيدة بالوسط الشبابي، ويندر أن شابًّا يشتغل بالفكر والأدب إلا وللشيخ الحميد يد عليه من دعم أو استضافة أو طباعة أو شفاعة هنا أو هناك. ولقد كان حريصًا على أن يستشير كل المثقفين والمهمومين فيما يخص البرنامج الأدبي الذي ينهض به النادي الأدبي قبل اعتماده بصيغته النهائية. كما كان قريبًا من الأدباء مكرمًا لهم ساعيًا في حوائجهم ومدافعًا عن حاجاتهم وآمالهم وتطلعاتهم.. وكانت وجاهته الاجتماعية وقربه من المسؤول الأول في المنطقة سببين توصل بهما إلى تحقيق كثير من أهدافه النّبيلة في خدمة الأدباء والمثقفين والثقافة في منطقة عسير والمملكة بعامة. ولهذا أنت لا تكاد تجد أديبًا أو مثقفًا خلال الثلاثين عامًا الماضية إلا وله حكايته الخاصة مع الرائد الحميّد، التي تكشف عن حقيقة انتمائه لشريحة المثقفين والأدباء، وحدبه عليهم. إن محمد بن حميد هو - بحق - أبرز شخصية من الوسط الثقافي والأدبي جمعت بين الشعبية والنخبوية، وبين الاجتماعية والإدارية، وبين رجل الدولة والمواطن العادي.. وقد كان بالنسبة لي أبًا ورائدًا ونموذجًا، أستحضره في كل حين. ** **