في عام 1984م وبعد اجتماع عاصف بين أعضاء مجلس إدارة غرفة القصيم التجارية والدكتور (عبدالرحمن الزامل)، حين كان وكيلاً لوزارة التجارة والصناعة، في مقر الغرفة البسيط في بريدة، طلب مني الدكتور عبدالرحمن أن أركب معه السيارة في طريقنا لفندق السلمان، حيث كان معداً له وليمة غداء من أعضاء الغرفة التجارية، كنت حينها نائب الأمين العام للغرفة، وفي الطريق طلب الدكتور الزامل من السائق السير ببطء وسلوك طريق أطول، في الطريق قلت للدكتور عبدالرحمن «أعضاء المجلس لا يفكرون كتجار, هم وجهاء في مدنهم، وهمهم هو تكريس مفاهيم عفا عليها الزمن، لذا تجد صراعاتهم تدور حول تلك المفاهيم». قال لي الدكتور «سأعتمد عليك في تحسين دور الغرفة ولك مني كل الدعم»، فقلت «نريد دعوة وفد من الملحقين التجاريين المعتمدين في المملكة، لعل ذلك يفتح مجالات استثمارلقواعد القصيم التجارية وهي الناس والماء والزراعة»، وفعلاً تم ذلك ومنذ ذلك اليوم وغرفة تجارة القصيم تلعب دوراً رئيسياً في تنمية الاستثمار بمنطقة القصيم، حيث تفرعت لعدة غرف، أصبح في كل مدينة غرفة مستقلة أو فرع للغرفة. في الأسبوع الماضي، أرسل لي أمين عام غرفة القصيم التجارية الأستاذ (سعود الفدا) مطوية تأسيس (شركة القصيم للتمور) وهي الشركة التي أعلن عن تأسيسها صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود آل سعود أمير منطقة القصيم، هذه الشركة هي بمثابة شركة (سابك) التمور بالقصيم، حيث تهدف لتكون المنظم لقيام صناعة وطنية تعتمد التمور كلقيم أساسي، وتحقق قيمة مضافة تجعل من التمور مورداً اقتصادياً أساسياً في الاقتصاد السعودي، فهذه الشركة ستقوم ضمن عدة مراحل من تأسيسها بشراء التمور من المزارعين وتنقيتها وتحسين جودتها، ثم خزنها لتوفير تدفق مستدام للتمور وبأسعار ثابتة بحيث يعتمد على ذلك المصنعون والمسوقون، وهي بذلك أيضاً تقوم بتنويع توفر التمور من حيث طبيعتها، فتوفر التمور بحالة أصلية، وتوفر التمور على هيئة مسحوق التمور أو عجينة التمور، وربما توفرها بصورة أحادية النوع أو مخاليط من عدة أنواع وبنسب تناسب كل صناعة، هذه الشركة هي نتيجة تفكير سديد ونوعي في الاستثمار يعتمد على مقومات القصيم الزراعية. أصبحت زراعة وإنتاج التمور بمنطقة القصيم مقوماً اقتصادياً يحسب له حساب بالقصيم، فتلك تخلق فرص عمل تعد بآلاف الوظائف، تتمثل بوظائف الزراعة والصيانة الزراعية وهندسة الري والمياه وجني المحصول وتسويقه، ومع أن ذلك الأمر ليس على ما يرام من حيث التنظيم والجودة، حيث يلعب العمال الأجانب دوراً مركزياً يمثل خللاً هيكلياً في تلك الصناعة، فمعظم المزارعين يقوم بتأجير النخيل للعامل الأجنبي الذي يقوم برعاية المحصول وجنيه ثم بيعه للسوق، وهو يقوم بذلك لا يتوانى عن مخالفات صحية تمس النخلة أو الثمرة فيتعسف في التسميد ورش المبيدات، خصوصاً المبيدات التي تتشربها النخلة فتصبح جزءًا من نسيجها ونسيج الثمرة، وعندما نلوم المزارعين على ذلك الإهمال في تولية الأجانب شؤون إنتاجهم للتمور، يصيحون بصوت واحد «نحن نعاني من فوضى تنظيم عمالة الزراعة». تأسيس (شركة القصيم للتمور) هو سير في الطريق الصحيح، ومع ذلك نحتاج شركة أو شركات وطنية في زراعة التمور كخدمة وشركة أو شركات وطنية في هندسة الري وشركة أو شركات في صيانة الزراعة ورش المبيدات والتعهد بتوفير المعايير الصحية الملائمة، كما أن أكبر معضلة تواجه المزارعين وهي جني المحصول والذي يشار له بالقصيم ب»الجداد» أو «الصرام» في بعض مناطق المملكة، يعاني من سوء تنظيم في توفير العمالة، وربما يجدر بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية توفير تأشيرات خاصة لاستقدام العمالة الموسمية من بلدان محددة تقوم بعملية جني المحصول ثم العودة لبلدانها، هذا الأمر معمول به في بعض البلدان، كما يجب أن تقوم الجامعات السعودية بتطوير وسائل هندسية ميكانيكة لجني محاصيل التمور بحيث تقلل الاعتماد على الأيدي العاملة. زراعة وصناعة التمور ما زالت في مهدها من حيث قدرتها على أن تكون مورداً اقتصادياً يعتد به، ولكن لا بد أن يأتي يوم وتشب عن المهد وتصبح يافعة توفر عيشاً كريماً لكثير من المواطنين.