منذ عقود وأنا أعيش في فرنسا وأتنقل بين دول متعددة بحكم العمل والنشاط المهني ومنذ أكثر من ربع قرن وأنا في ميادين التغرب طالبا وموظفا ومسؤولا تعلمت الكثير من الدروس والتجارب التي سأظل أنقلها لكل إنسان عزيز وسأضعها قريبا في كتاب يحكي سيرتي الذاتية منذ سنوات عمري الأولى وحتى هذه السنوات التي أجني فيها ثمار سنوات من الدراسة والعمل كانت مليئة بالتعب والظروف الصعبة والتجارب المؤلمة وأيضاً كانت حافلة بإنجازات شخصية كان لدعاء الوالدة وحرصها -حفظها الله- ولأهل بيتي وأصدقائي المخلصين ودافعيتي وكفاحي بعد فضل الله السر في ذلك. ومن هذا المنبر وأنا أرى مئات أبنائنا وإخواننا في الخارج من أبناء بلدي الحبيب يقيمون في فرنسا للدراسة أو العمل أو التجارة وغيرها وأيضا يمارسون نفس المهمات في بلدان أخرى في أوروبا وأمريكا وشرق آسيا وجدت أن أوجّه إليهم رسالة ودّ ونصيحة من أب لأبنائه ومن أخ لإخوته حيث إني وغيري قد سبقهم في التغرب وواجهنا العديد من العقبات التي تجاوزناها بعد مرارة التجربة وألم الغربة. للغربة دروس كثيرة جدا فإن تمت الاستفادة منها فإنها تصنع الإنسان وتحوله إلى شخص منتج وواعٍ وتعلمه بأهمية الصبر وجمال المثابرة مهما طالت السنوات، وتوالت الظروف إلا أنّ هنالك ثمرة لابد أن تجني في يوم من الأيام وكل ما تأخر الوقت وزادت المتاعب تكون الثمار يانعة أكثر. العيش مع الآخرين في مجتمعاتهم تعرفنا بأهمية ديننا ومكانتنا عند الآخرين لذا فإنه من المهم جدا أن نصدّر لهم ثقافتنا وأصالتنا المرتكزة على التربية السليمة وعلينا أن نأخذ من ثقافتهم ما ينفعنا في حياتنا العملية من الانضباط ومن التعامل وغيرها لذا يجب أن يستفيد الجميع من كل مقومات الحياة في الغربة، وعلى كل مغترب أن يعي تمام الوعي أنه يمثل دينه ووطنه ودولته لذا عليه أن يحرص كل الحرص أن يكون خير سفير لذلك وأن يعكس الصورة المشرقة حتى يكون عضوا صالحا في كل مجتمع يذهب إليه وحتى يعود إلى وطنه مستفيدا من الغربة واعيا بكل المعاني المفيدة في غربته متجاوزا كل الأخطاء التي قد يقع فيها حذرا من الوقوع في مغبة «الانحراف أو الفشل» من المهم جدا الاستفادة من دروس الغربة في محاكاة أساليب العيش وفي الاستفادة من كل المعوقات في وضعها كأدوات للنجاح للسمو إلى أعلى مراتب النجاح والتفوق. للغربة دروس وعبر ومن الضروري أن يكون لكل مغترب أهداف أساسية وخطط مجدولة للإنجاز وأن يسير وعينيه نحو مدى لا يتوقف من الطموح؛ لإن هنالك من ينتظر أن يعود إليه محملا بكل الفخر والاعتزاز لما قدمه لدينه ووطنه وقيادته وهذا فيض من غيض من دروس الغربة التي تجود كل وقت بالمزيد على المغترب أن ينتفع منها ويعرف كيف يوظفها في حياته ومستقبله.