سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
د. العيسى يحذر من زرع مفاهيم الرفض الاجتماعي في عقول الأطفال والشباب «مؤتمر أكسفورد» يتبنى مبادرة رابطة العالم الإسلامي لدعم الاندماج الإيجابي للأقليات الدينية والثقافية
تبنى المؤتمر الدولي للسلام بين أتباع الأديان المنعقد في مقر جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة مبادرة رابطة العالم الإسلامي حول برامج الاندماج الوطني الإيجابي للأقليات الدينية والثقافية بمختلف تنوعها وتعددها، وكذا رؤية الرابطة في استبدال مصطلح (الأقليات) بوصف «فئة الخصوصية الدينية والثقافية»، التي جاءت في كلمة معالي الأمين العام للرابطة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى في حفل الافتتاح. وأيد المؤتمر الذي شهد حضور جمعٍ كبير من القيادات الدينية والسياسية والفكرية في بيانه الختامي مبادرة الرابطة حول الأقليات؛ لما فيها من تعزيز للاحترام بين أتباع الثقافات المتنوعة، وتقوية لأواصر العلاقة بين أبناء الوطن الواحد. وبدأ د. العيسى كلمته بشكر الحضور على اهتمامهم بشؤون السلام والوئام حول العالم، وتشديدهم المستمر على أن الديانات السماوية جاءت رحمة للعالمين، وأنها لم تكن في يوم من الأيام شقاءً ولا عنتاً على الأفراد أو المؤسسات. مشدداً على أن أعظم رحمة أسداها الله للخلق هي أن أرسل إليهم رُسُله ليبصروهم ويهدوهم لما فيه صلاحهم وسعادتهم في دينهم ودنياهم، وأن هذه الرحمة ما كانت لتدعو إلى صراع واحتراب أياً كان نوعه أو ذريعته، بل كانت دعوة للتعايش مع الجميع، ورسالة تحض على البر والإحسان إلى الآخرين، تنطلق من شريعةٍ تتفهم الاختلاف والتنوع، وتدعو للعفو والتسامح والتأليف بين القلوب. وأشار معالي الأمين العام إلى معضلتين تبرزان عندما تحل الكراهية والصدام والمصالح المادية مكان مبادئ العدالة والسلام. المعضلة الأولى هي الانتكاسة الأخلاقية التي تحل بالوئام الإنساني، والثانية هي بنسبة هذه الانتكاسة إلى شريعة الخالق. فكل كراهية يحركها باعث ديني تكون منسوبة ظلماً لتلك الشريعة، رغم أن كل من يعلم شرع الله الرحيم يدرك أنها أبعد ما تكون عن السلبيات والتجاوزات. وقد أثبت التاريخ أن الربط غير المنصف بين الانتكاسة والباعث الديني يفرز الكراهية والرفض والهزيمة والتداعي الداخلي. وشدد د. العيسى على أن كل امرئ محسوب على اجتهاده فقط، إن أخطأ أو أصاب، وليس هناك أحد محسوب على الدين سوى المعصوم في تبليغ رسالة الدين. فدين الله براء من أي خطأ أو تجاوز أو تَقَوُّل أو إساءة أو حتى جريمة مورست باسمه. ومن يستقرئ التاريخ الإنساني يتألم لسيلان أنهار من الدماء، ولمصادرة الحريات، وحجب العقول، وتأخر التنوير الحضاري. وكل ذلك كان في كثير من فصوله باسم الأديان، ودينُ الله بريء من هذا. مستذكراً الآية الكريمة: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ. إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}. ولفت معالي الأمين العام إلى أن البشرية «قد عانت كثيراً من أخطائها الفادحة والمتنوعة بحق نفسها، وحق خالقها، وحق الإنسانية جمعاء. وقد أدركنا في رابطة العالم الإسلامي أن أسباب ذلك تعود في مجملها إما إلى نقص في الوعي، أو جرأة متعمدة على القيم لمصالح مادية، أو توظيف خاطئ لسلطة القوة والهيمنة.. ولسنة الله تعالى عظات وعبر في ذلك كله». مستدركاً: غير أن لمجازفات الإخلال بميزان العدالة نتائجَ فادحة، يحصدها الطغاة في نهاية المطاف. وخطرها عليهم يكمن في استدراجهم حتى يحل عليهم القدر الإلهي المحتوم في هلاك كل ظالم وانتهاء كيانه؛ ليكون عبرة لغيره. أما اتعاظه بنفسه فهو غير ممكن في القضايا الكبرى التي تحل بها السنة الإلهية؛ لذا فإن حكيم الدين والسياسة ونقي الوجدان فيهما هو سفينة النجاة لشأنه الخاص ولرسالته ولأمته ولإنسانيته جمعاء. وهؤلاء هم العملة الصعبة والمعدن النفيس في كل زمان ومكان. ونبّه د. العيسى إلى أن المؤتمر «تَضَمَّنَ محاورَ مهمةً، شملت معاني عدة في مفهوم السلام والوئام، من بينها موضوع اللاجئين والاندماج الوطني في دول الأقليات أياً كان دين أو ثقافة تلك الأقليات. مقترحاً أن تُسمى تكريماً لها وإسهاماً في المزيد من اندماجها بدول التنوع الديني والثقافي، وأن تسمى فئتُها الأقل عدداً بفئة الخصوصية الدينية والثقافية. ثم طرح معالي الأمين العام مبادرات وبرامج الاندماج الهادفة لتعزيز الوئام والسلام الوطني في مختلف المجتمعات عبر ترسيخ مفهوم المشترك الوطني الذي يُفترض أن يُؤمِنَ به الجميع؛ لأنه يمثل مُسَلّمة لا تقبل الحوار ولا الجدال حولها، وهو وجوب احترام دستور وقانون وثقافة الدولة الوطنية، ومجرد دخول أي بلد يعطي العهد والميثاق بذلك، وإلا أصبح هذا الدخول محرماً؛ لأن عاقبته الخديعةُ والخيانة. مع العلم بأن لكل خصوصية دينية أو مذهبية أو ثقافية الحقَّ في المطالبة بالاعتراف القانوني بخاصيتها، لكنّ على الجميع في نهاية المطاف احترامَ القرارِ النهائي أياً كانت أداة حسمه الدستورية. ومع ضمان حق الجميع في التعبير عن وجهة نظرهم في القناعة بالقرار النهائي من عدمه إلا أن عليهم سويةً العملَ بالقرار واحترامه، كما أنه من الواجب ألا يؤثر حقهم في حرية الرأي تجاه القرار على وئامهم والتزامهم الوطني. ومن وجد تجاوباً مع خصوصيته الدينية والثقافية في بلد آخر، وأمكنه العيش فيه، اتجه إليه. وتابع معاليه: لا بد من تقريب وجهات النظر ونشر الوعي عن طريق إشراك الفعاليات الوطنية كافة المؤهلة التي تمتلك القدرة والتأثير من نفس نسيج الفصيل الديني أو الفكري أو الثقافي لكل خصوصية، سواء أتت تلك المشاركة من الداخل الوطني أو كانت ضيفاً عليه؛ لتشارك معه في دعم الوئام والاندماج من جهة، وإيضاح وجهة نظرها من جانب آخر. وأضاف بأن تبادل الزيارات والتهاني على المستويات الرسمية في المواسم والمناسبات يذيب جليد العزلة والتوجس. مشددًا على أن لا يؤدي تعليم الأطفال والشباب المنصبّ على مدارس الخصوصية الدينية والثقافية إلى عزلهم عن المحيط الذي يعيشون فيه. والأسوأ من ذلك أن يحمل مفاهيم رافضة أو كارهة للتعايش مع المجتمع. وزاد د. العيسى بأنه يتعين تجريم ازدراء أتباع الأديان والثقافات، ورفض أصوات الكراهية والتحريض والتفريق، سواء لأسباب دينية أو مذهبية أو ثقافية أو عرقية. ويتعين في هذا حظر المزايدات السياسية، سواء كانت لمجرد المناورة أو لتأصل العنصرية في أفكارها التي تُلَوّح من حين لآخر بورقة التحريض والكراهية للأديان عموماً أو لدين معين، أو تنتقص أو تزدري ثقافة أو حضارة أو عرقاً. مؤكداً أن للتاريخ مع تلك المجازفات تجارب قاسية، ونظريات الصدام والصراع الحضاري كافة باءت بالفشل، ولم يبق إلا أمل التفاهم والوعي والوئام، ولكل بلد حُكْمٌ وحاكم من قناعة شعبه، وليس لأحد أن يفرض عليه قناعة أخرى أكثر من حدود الاقتراح والمشورة، أو المطالبة المشروعة بحسب القانون. ودعا معاليه إلى تكوين مجالس أو مراكز داخل مؤسسات الاندماج الوطني، تُمثل فيها الأطياف الوطنية كافة بهدف تنظيم برامج الحوار وتعزيز الوئام مع التصدي للقضايا المطروحة كافة، بما في ذلك ما يثار من مشاكل اجتماعية أو نفسية أو استفسارات أو أي إشكالات أخرى. كما دعا إلى إيجاد مرجعية لكل خصوصية دينية ومذهبية في كل بلد، يلزم احترامها، والعمل بقرارها وفتواها وتوجيهها الديني.. وعلى الدول الإسلامية التعامل معها في إطار اتفاقات العلاقة بين البلدين، وعلى تلك المرجعية الحياد والاستقلال التام عن الدخول في أي من التصنيفات السلبية دينياً أو مذهبياً أو فكرياً أو سياسياً، سواء في داخلها الوطني أو خارجه. وعليها أن تُمثل المحضن والملاذ الروحي والثقافي لفئتها، وأن يكون لديها القدر اللازم من العلم والوعي الديني والحكمة في مهارات التواصل واتخاذ القرار. كما يلزم تجريم أي إساءة ذات فعل ضار لكيان هذه المرجعية، وأن يتم اختيارها بقناعة ورضا أفرادها وفق قانونها الخاص الذي تضعه أيضاً بنفسها تمهيداً للمصادقة الرسمية عليه من قِبل الدولة، وأن ينسجم هذا تماماً مع قوانين الأحوال الشخصية للأديان والطوائف لكل بلدان التعددية والتنوع. وطالب أمين رابطة العالم الإسلامي الدول الراعية ومرجعيات الخصوصيات الدينية والثقافية إلى تفويت الفرصة على المزايدات المتطرفة والإرهابية وأصوات الكراهية إثر كل حادثة يراد منها التحريض على الكراهية، أو العنف أو تصعيد الصدام والصراع الحضاري، أو التأثير على الوئام الوطني. وشدد د. العيسى على أن تُركز منصات الخصوصية الدينية والثقافية في خطبها ومحافلها ودروسها وبرامجها ومبادراتها على تعزيز تلك المفاهيم، والتشديد للجميع على أنها لا تتعارض مطلقاً مع خصوصية الهوية الدينية والثقافية، والتشديد كذلك على أن حكمة الشرع ومنطق العقل يفرضان على الجميع التعامل بوعي تام بعيداً عن العواطف الدينية والثقافية المجردة، وبعيداً عن تحريض الخطابات الوافدة عليها التي لا تراعي خصوصيتها المكانية والزمانية. ثم تقدم د. العيسى بالشكر للحضور على التجاوب والتفاعل مع المؤتمر الذي جاء ليرسخ رسالة الأديان السماوية، ويعزز الجهود للإسهام الفاعل والمؤثر في أهم المطالب الإنسانية المشتركة. وشدد على أن النتائج تكون دائماً بقدر الوعي والإخلاص وسمو النفوس في أخلاقها وقيمها الدينية والإنسانية عموماً. مشدداً على عدم فرض القناعات الدينية والثقافية ولكن للتفهم والاحترام الإيجابي والتعاون والتعايش والتسامح. ثم أزجى الشكر لمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية على التعاون المتميز لعقد المؤتمر. بعد ذلك توالت كلمات المشاركين في المؤتمر. وقد ألقى معالي الشيخ العلامة عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم كلمته، أعقبه ممثل الفاتيكان رئيس أساقفة ساوثوورك، ورئيس لجنة مؤتمر الأساقفة للأديان الأخرى نيافة المطران كيفن ماكدونالد، ثم الحاخام البروفيسور نورمان سولمن، وبعده ألقى رئيس مركز الدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد الدكتور فرحان نظامي كلمته في المؤتمر. كما شهد المؤتمر مشاركة المفكر والدبلوماسي البريطاني آلان مونرو الذي ألقى كلمةً في المؤتمر.