الانشقاق الثقافي: في الكتابة لكل منا بصمته التي تتشكّل من عوامل عديدة أهمها نمط الشخصية، والكُتب وكتّابها الذين أدمن على تعاطيهم صاحب البصمة، وانحنى لهم اعجابه. هذه البصمة مع التقادم يصبح من الصعب تغييرها، لأن تغييرها يعني إلغاءَها وبالتالي إلغاء صاحبها، لهذا كانت الحرب المستميتة في نقد فلان لمحاولة تبديل بصمته، مضيعة للوقت والجهد. تنوّع البصمات الكتابية المختلفة يشي بحرية يتمتع بها الكاتب والشاعر ويتيح للمتلقي خيارات متنوّعة، ويعطي انطباعًا جيدًا عن الحركة الثقافية أما النُسخ المكررة، والتقليد الأعمى لأسلوب فلان وفلان يفتقر للوعي الثقافي، والمصلحة الفكرية والثقافية. جميل أن تنشق الأجيال عن الأجيال السابقة، وتشتغل، وتشتعل بالجديد على أن لا تنفر من الماضي أو ممن يخالفها الفكر والأسلوب، فالتنوّع هو الثراء والإثراء الحقيقي، وهذا هو الهدف الذي ينبغي وضوحه للمجدد. الإنشقاق عن التبعيّة والتحليق يحتاج لوعي شامل بمسالك الطريق ومنحدراته، ونظرة ثاقبة في الأفق، وتقديرًا وعرفانًا بأهمية النقد، وإيمانًا بقدرات وإمكانيات الذات. وبعد هذا هو حر فيما يختاره وعليه تحمّل هذا، ومواجهة الناس بخياراته والدفاع عنها وعن حقه في الحرية بما يراه مناسبًا خصوصًا إذا قرر النشر. الاسم المستعار الحروف رعيّة وأنت الملك تأمرها فتتشكّل بفعل أمرك إلى معانٍ مختلفة باستطاعتها أن تلد المعاني تلو المعاني دون أن تكلّ أو تملّ، طالما أنها خاضعة تحت سيادتك، ومن غير المنطقي أن يكون الملك - الذي يملك هذا الكم من المعاني سريعة التناسل - بلا هويّة حقيقية ثابتة، ففي هذا ضياعٌ لحقوق الملكيّة ومن ثم تلاشي الثقة بينه وبين القارئ الذي هو في أمس الحاجة إلى شخص يركن إليه في التعبير عن خلجات نفسه، وما يدور في خلده أو بينه وبين المجتمع الذي يعوّل عليه في بناء الصرح الثقافي . والأسماء المستعارة بطبيعة الحال لا تفي بمتطلّبات القارئ أو المجتمع.. فكم من الأسماء التي عرفناها بقيت ولم تتبخّر بفعل الحرارة التي لا يصمد أمامها إلّا أصحاب الهويّة الحقيقية؟!