الحروف رعيّة وأنت الملك تأمرها فتتشكّل بفعل أمرك إلى معانٍ مختلفة باستطاعتها أن تلد المعاني تلو المعاني دون أن تكلّ أو تملّ طالما أنها خاضعة تحت سيادتك ، ومن غير المنطقي أن يكون الملك الذي يملك هذا الكم من المعاني سريعة التناسل بلا هويّة حقيقية ثابتة ،ففي هذا ضياعٌ لحقوق الملكيّة ومن ثم تلاشي الثقة بينه وبين القارئ الذي هو في أمس الحاجة إلى شخص يركن إليه في التعبير عن خلجات نفسه، وما يدور في خلده أو بينه وبين المجتمع الذي يعوّل عليه في بناء الصرح الثقافي . والأسماء المستعارة بطبيعة الحال لا تفي بمتطلّبات القارئ أو المجتمع.. فكم من الأسماء التي عرفناها بقية ولم تتبخّر بفعل عوامل الحرارة التي لا يصمد أمامها إلّا أصحاب الهويّة الحقيقية ؟! فمثلا شعراء المهجر أين ذكرهم وانتاجهم ؟..ضاع أو دُفن إرثهم معهم، وأين من كانوا في المنتديات يغزلون شعورهم من بريق النجوم ؟ تلاشوا ونُسي اسمهم.. ثم ما لذي يدفع رجلا إلى استعارت اسما يتوارى خلفه ؟! لا جوابًا يلوح في أفق البال غير الضعف في بُنيته الشخصية لذلك لا يستطيع أن يواجه المجتمع بصحّة ما يؤمن به ،أو أن حروفه مُخزية لشخصه وأسرته ومجتمعه. أما الأنثى الشاعرة بشكلٍ خاص التي توارت خلف الاسم المستعار لتأمن على نفسه من الشرور التي قد تعرقل مسيرتها تورّطت بمشكلتين أوّلها :التشكيك في ابداعها واتهامها أن خلف هذا الاسم النسائي رجلٌ..وهذا لأن النظرة السائدة أن الأنثى أقل ابداعا من الرجل في منطقتنا ،ولو أنصف المنصفون وجدوا قصائد لبعض الإناث تفوق قصائد أصحاب المنابر وأولئك الذين يعتقدون أنهم متربعون على عرش القصيدة الخليجية . والنقطة الأخرى الأهم وهي تخص الموهوبة بصفة عامة: ففي هروبها من العشيرة بحجة أنها لا تريد مضايقات ولفت الأنظار اختارت اسما عبارة عن إعلان للفت الأنظار لمن يرغب في المضايقة وابتعدت عن الأسماء التي تحمل الجديّة ،وهذا كثيرا ما تراه خصوصا في المواقع الاجتماعيّة ..ف وضعت نفسها ضحية للأسماء التي تعلن عن جمالها ودلالها ..ولابد أنك أخذت فكرة عن عيونها أو ابتسامتها إلى نهاية مميزاتها التي تدّعيها قبل أن تقرأ لها .والمُقلّب بصره في حسابات المواقع الاجتماعية يرى أن الإثارة الرخيصة مهنة يمارسها بعض الذكور والإناث خلف الاسم المستعار، والحقيقة أن هذا لم يلفت نظري فهذا كما هو معروف عادة كل من كانت أدوات الكتابة عنده ضعيفة ،ما لفت نظري وشد انتباهي أن يبرر الرجل وقاحة الأنثى بحجة أنها بحاجة إلى أن تُنفّس عن مشاعرها بعيدًا عن سلطة كل ذي سلطة في الوقت الذي لا يقوم هو بهذا ولا يرضى أن تقوم أخته بهذا ولو كانت خلف الاسم المستعار. أخيرا: الإسراف في استخدام الاسم المستعار لا يقدم للأدب ميزة بل قد يساهم في رجمه ورجم أصحابه بالعيوب، والتعميم خطأ لم اقترفه هنا فكل ما كُتب خاضع لسلطة "بعض".