في ظاهرة الإعلام الجديد يبدو تويتر بمزاياه التفاعلية هو الأكثر تأثيرا، وهو أيضا يخلق حالة تنافسية، لذا ينحاز المغردون إلى المواضيع التي تمنحهم حضورا وتزيد من عدد المتابعين، كالخوض في عوالم السياسة، الرياضة، أو القضايا الحقوقية أو الجدل في حالات التطرف بكل أطيافها. إلا أنه في ظل هذا الصخب والضجيج، نجد العديد من المغردين ينأون عن كل هذه الحالات المتطرفة والصاخبة ويتجهون إلى التعاطي مع الثقافة والأدب. وفي هذا الاستطلاع نرصد أراء بعض المغردين عن الحالة الثقافية التي يقدمها تويتر. رؤية من الجانب الثقافي أبو يعرب وهو مغرد حسابه الشخصي في تويتر يعبر عن قارئ عميق ولديه اهتمام ثقافي متنوع يقول: على ضوء تجربتي الشخصية، الحالة الثقافية في تويتر حالة ثقافية وإبداعية لا تلامس العمق ولا تواكب التحولات التي يشهدها المجتمع ويضيف أبو يعرب: في فضاء تويتر وجدت أصحاب الاهتمامات المشتركة بالأدب والفن، حسابات تمتلك ثقافة واسعة لها اطلاع كبير على التراث العربي والغربي، ساهمت في تنمية ذائقتي القرائية والإفادة من علمهم وثقافتهم وتجاربهم، ويرى بأن "أغلب الكتابات والنقاشات عن الكتب لا تتكئ على مناهج نقدية، النقد الانطباعي هو السائد والقراءة الذوقية في التقييم والنقاشات وهي سمة تُقرّب القارئ العادي من الكتاب وتعطي لمحة سريعة عن مضمونة" لكن أبو يعرب يرى أن هناك جانبا سلبيا يتمثل في عدم استمرارية بعض المغردين، ممن لهم حضور فاعل في النقاش والتوجيه لفترة من الزمان ثم بعد ذلك يبدأ الخمول أو حذف حسابه نهائياً، كذلك يرى أبو يعرب من جوانب سلبية أخرى وتتمثل في وجود فئة أخذت على عاتقها حق الوصاية فيما تكتب وفيما تقرأ فلا يحق لك القراءة لفلان من الناس لمجرد أنه يتخذ موقفاً عقديّاً أو فكرياً مع هذا الكاتب. أما فاطمة باسلامة ترى بأن تويتر ساعد البعض في الاتجاه نحو القراءة أكثر منه ليكون كاشفاً لحالة ثقافية عميقة. خَلق مساحة لاكتشاف الكتب والقرّاء والسعي نحو القراءة خلال ذلك، وهذا هو ما نتج عن استخدام تويتر كما أرى، حيث ازداد عدد القرّاء وليس المثقفين، إليوت قال إن الشخص في مجاله أيا كان هو يعكس شيئا من الثقافة العامة، وأظن أن هناك عددا من القراء يعكس لثقافة متخصصة، ومن رأيي أن العمق الثقافي قد يحدث في الثقافة المتخصصة أكثر منها كثقافة كاملة حيث أنها غير موجودة تقريباً. أسماء الهتلان ترى بأن الحالة الثقافية في تويتر شاملة لكل معطيات الثقافة، وتعتقد بأنه لا يمكن إبراز حالة على حساب حالة أخرى مضادة فنجدها عند بعضهم حالة ثقافية وإبداعية عميقة وعند آخر مجرد ترويج عن عناوين الكتب وعند الثالث نقاشات عابرة عن تلك الكتب ولكل شخص حالاته التي يعتمد عليها. إيمان العزوزي مغردة من دولة المغرب تشير إلى ملاحظة مهمة وهي الفرق بين المشرق والمغرب فيما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، فالمغرب وقد أشمل الحالة بالنسبة لشمال إفريقيا من مصر للمغرب تعتمد على الفيسبوك كأول وسيلة للتواصل عكس المشرق الذي يعتمد على التويتر بالأساس وهذا بسبب المجال المحدود. وترى إيمان العزوزي بأن فئة القراء ومساهماتهم المميزة النابعة من أمرين أساسيين أولهما الرغبة في المشاركة وتبادل الرأي كهدف معرفي وثانيهما توعوي للتعريف بالكتب ومدى توفرها ومجالاتها وتقييماتها مما يؤسس لبنك قرائي بامتياز يجد المتابع له كل ما يريده وهو جالس في مكانه، إذن التويتر كبداية النية متوفرة للإبداع بالنسبة للحسابات الثقافية المتفاعلة التي لا تقتصر على وضع المعلومة بل نقدها وتشريحها ونستثني من هذه النية الحسابات الدعائية أو الراغبة في الشهرة لهذا نجد أغلب الحسابات المميزة متابعينها.. قليل بالمقارنة مع المشاهير. أما إبراهيم العزاز فهو يعتبر بأن الحالة الثقافية في تويتر تأتي في توهج مستمر من خلال الهاشتاقات الأدبية المتواجدة، أو من خلال بعض المغردين المهتمين بالثقافة، لكن ذلك لا يعني أنها عميقة بل هي مجرد اقتباسات ومعلومات عن الكتاب أو صاحبه. لكنها في كثير من الأحيان تأتي مفيدة مع النقاشات التي حولها. نورة الحربي لها رؤية مختلفة فهي تشعر في بعض الأحيان بأنها حالة ثقافية وإبداعية عميقة وأجد مغردون على قدر عال من الثقافة والذوق الأدبي الرفيع ويعجبني الحديث معهم أو القراءة لهم وأحيانا أخرى أجدها أقل من ذلك بكثير وأشعر بأن المغردين بلا ذائقة أدبية تعي الإبداع وأجد بعض التغريدات مجرد ترويج للكتب ونقاشات عابرة كما ذكرت في سؤالك.. هذا حسب ما أراه. حسابات المبدعين أبو يعرب لا يجد حرجاً في أن يروج المبدع لمؤلفاته فهوى يراها وسيلة تساعدهم على إيصال مؤلفاتهم للقارئ العربي، كما أن يشير إلى أن تلك الحسابات لا تتفاعل كثيراً ولا تغرد بشكل منتظم في كثير من الأوقات، لا تكتب إلا عند الضرورة ولا تنشط إلا في معارض الكتب، لكنه ينحاز إلى حسابات النقاد فيقول: يوجد العديد من حسابات النقاد في تويتر ممن لهم باع طويل في النقد وخبرة في المناهج النقدية هم الأكثر حضوراً وفائدة احرص على كتاباتهم ومقالاتهم، لكن للأسف عددهم قليل، كما أنه يبرر لعدم تفاعل المبدعين في تويتر هو الخوف من التورط في المهاترات والدخول في نقاشات لا طائل منها، ليس من الصعب على القارئ الواعي تحسس ظاهرة النقد والتجريح الشخصي للطرف الآخر في ثقافتنا حينما تتحول هذه النقاشات إلى نقاشات مزدهرة بالشتائم والسباب، حيث لا يوجد حوارات ثقافية منفتحة في جو متسامح كل ما أجده حوارات تصب في مصلحة التسطيح الثقافي، لذلك هذا الطيف الإبداعي لم يتصدر المشهد الثقافي في تويتر بالمقارنة مع صخب وضجيج العوالم الأخرى. أما فاطمة با سلامة فهي ترى بأن هناك من يحاول أن يكتب بعيداً عن التمحور الشخصي وهناك من يحاول التوازن. ومن المهم أن نعرف أن الكاتب في آخر المطاف لديه فكرة يطرحها قد تناسب بعضنا وقد لا تناسب آخرين لكن لا نستطيع نفي الفائدة منها كلية إن لم نستفد شخصيا منها، أما بالنسبة للترويج فلا أعرف إن كانت هي الكلمة الأنسب، فالأفكار والكتابات ليست أشياء يروج لها بل هي غالبا تكون نتاج تجارب أو معتقدات ومن ثم فإن اعتناق فكرة وتصديقها يختلف عن مجاراة فكرة لمجرد غرابتها أو ندرتها وهنا يكمن الفرق لذلك يجب أن يعي المتلقي كل هذا بداية. أسماء الهتلان تؤكد أيضا بأن الفائدة نجدها في حساب الناقد ولا نستطيع الحصول عليها في حساب الروائي أو الشاعر إلا فيما ندر، الناقد المتمكن والمتمرس قارئ ومبدع وفنان أجد كل ما أبحث عنه في حسابه عبر مقالاته المنشورة وتغريداته لأنه حين ينقد كتابا ينقده من خلال رؤيته وقراءته دون تحيز لكاتب أو لكتاب على حساب كاتب وكتاب أخريين ، كثيراً ما أرى أن حسابات الشعراء والروائيين فقط لحضورهم الشخصي ولترويج إبداعاتهم، هناك قلة فقط من هؤلاء الرواة والشعراء وقد يكونون بعدد أصابع اليد الواحدة من يقدمون في حساباتهم ما يفيد القارئ. ايمان العزوزي تعتقد بأن الروائي والكتاب عموما ودور النشر كطرف ثان يجدون أنفسهم مقيدين و مجبرين- بحكم العقلية الثقافية السائدة الآن بالوطن العربي- على إتباع نمط تغريد معين في التويتر فلا سبيل لهم إلا وضع اقتباسات لكتبهم وإعادة التغريد للمهتمين بكتبهم والعناية لأقصى حد بكل ما من شأنه إيصال كتبهم للقارئ العربي لهذا فحساباتهم مكتظة بالمعجبين والدعاية وفارغة من المشاركة الفعلية في الحياة الثقافية العربية إلا استثناءات بسيطة. أما إبراهيم العزاز يرى بأن حضور الأدباء والنقاد عبر تويتر ومخالطتهم للمجتمع، يسهم في نقل الفائدة و الإبداع إلى القارئ وذلك من خلال النقاش والحديث حول رؤية الأديب أو الناقد فيما كتب. وأتمنى أن تصل هذه الحسابات إلى أعلى مشاهدة من المتابعين ومن كل مهتم بشأن الثقافة. بينما تفضل نورة الحربي أن اقرأ لهم خارج تويتر وتقول: كنت في بداية الأمر قد قمت بمتابعة الكثير منهم إلا أنني تراجعت مؤخرا فما يقدم في حساباتهم أجدها مملة رغم الفائدة أحيانا وليس الكل طبعا. الفائدة المعرفية والثقافية إبراهيم العزاز يقول عن مدى استفادته من تويتر: الفائدة المعرفية والثقافية تتوسع بشكل دائم من خلال قراءة ومتابعة الأدباء ومن يهتمون بالثقافة. لكنها لا تنضج وتكتمل إلا بقراءة الكتب ومراجعة المعلومات. أما فاطمة باسلامة فترى أن تويتر وعاء كبير للأفكار: الحقيقة أن تويتر يحقق استفادة لا بأس بها خلال المشاركة المتبادلة من خبرات وتجارب بين الأعضاء في صعيد تشابه الميول القرائية والمعرفية. وهناك استفادة أخرى هي اكتشاف محاور معرفة جديدة قد تختلف كلية عما تعرف، وهذا يجعلك كقارئ تريد أن تعرف أكثر، فتويتر وعاء كبير للأفكار أيا كان نوعها وللمعلومات أيا كان مصدرها وأنت لا تستطيع تقبل كل شيء ولا رفض كل شيء بل فلترة كل ذلك عبر البحث والقراءة المكثفة وأحيانا عبر النقاش. وبالنسبة لي شخصيا فتويتر أتاح لي التعرف على مجموعة جيدة من القراء والمتطلعين للمعرفة وهذا ما كنت أبحث عنه ولا أجده كثيرا. أسماء الهتلان تعول على التفاعل الثقافي بين المغردين وتقول: التعلم والمعرفة في تويتر لا سقف لهما ولا حدود استفادتي المعرفية والثقافية لا تقاس بالكم أو الكيف كل يوم يمر عليّ وأنا في تويتر أكتشف شيئًا جديدًا أضيفه لخبراتي السابقة وأتعلم منه، يكفي أن الحواجز والحدود بين المغردين الذين ينشرون الجمال ملغية وأن الفائدة تشمل الجميع والمعلومة تمرر بينهم بسهولة وسلاسة. أما إيمان العزوزي فهي تقدم رؤية عن حساب المغرد: كل مغرد يفتح حسابا على التويتر له هدف ما يتقيد به في المتابعة و التغريد وبالنسبة لحسابي أحاول أن امزج فيه بين ماهو شخصي وما هو معرفي ويغلب المعرفي على الشخصي وهو نفس الخيار بالنسبة لمن أتابع من الأصدقاء نحن نشكل "طائفة" استطاعت أن تضع لها أساسا وسط ضجيج السياسة واستطاعت أن تكسر الحدود بين الدول العربية وبين المشرق والمغرب طائفة تساهم بشكل كبير وقوي ومؤثر في الرفع من الشغف المعرفي والقرائي العربي وتحاول أن تنوع في الموضوعات كتوعية واجبة للخروج من القالب الكلاسيكي للمثقف العربي فالحسابات القرائية إلى جانب السينمائية وتلك المهتمة بالفن وأخرى المهتمة بالرحلات والحسابات الموسوعية كلها تساهم بطريقة أو بأخرى بجعل المعلومة حاضرة بشكل يومي في ذهن المتابع. إيمان العزوزي أيضا تشير إلى غياب تفعيل أهم عناصر التويتر: وهي الهاشتاقات مهما بذلنا من مجهود يبقى التفاعل ضعيف نستثني من هذا هاشتاق ماذا تقرأ، كانت لي محاولات كالمكتبة المثالية والمكتبة الألمانية، التويتر لحد الساعة ثقافيا لا يقارن بالحسابات الأجنبية والمحتوى العربي الثقافي مازال ضعيفا. نورة الحربي تجد فائدتها من تويتر كبيرة جداوتقول: وجدت ضالتي في تويتر واستفدت كثيرا من بعض الحسابات التي أتابعها بما تقدمه من فائدة وطرح راقي. أما في حساب أبو يعرب يتجلى القارئ العميق والجاد وكل متابع يجد الثراء الإبداعي في هذا الحساب. إلا أنه يتخفى وراء اسم مستعار قد يصادر جهده وكل ما يغرد به يتبدد خلف وراء هذا الاسم المستعار ويضيع الحق الأدبي. لكن أبو يعرب يبرر هذا الأمر بقوله: أرغب في توضيح أن هذا الاسم المستعار هو كنيتي الحقيقية، الاسم كاسم كما يقول الدكتور عبدالله الغذامي: "يمثل رقيباً، الاسم الحقيقي، يحمل عائلة، يحمل ثقافة، يحمل مسؤولية، والانترنت أتاح الآن أن يتحرر الإنسان من اسمه"، دوافع التخفي بالنسبة لي كثيرة أهمها الخوف من تقمص شخصية لا تتوافق مع شخصيتي الحقيقية والاندماج مع شخصية مثالية خادعة على الشبكة، الحقوق الأدبية في تويتر مهدورة في ظل غياب قوانين تحمي الملكية الفكرية، التغريدة تصبح مشاعاً في ظل غياب هذه القوانين وانتشار ثقافة النسخ واللصق.