يحثنا ديننا الحنيف على التعاون على البر والتقوى وبذل الخير للناس وعدم الانتقاص منهم وإحباطهم وتثبيطهم، كان رسول الله يقول: ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا))؛ متفق عليه. ولكن ثمة أناس لا يستطيعون أن يقولوا كلمة الخير أو يبذلوا المعروف قولاً وعملاً، وألسنتهم وأيديهم تتسابق حينما يرون أحد الناجحين فيقعدون له كل مرصد تخذيلاً وتحطيما، وكم لهذه الأعمال والأقوال السلبية من تأثير على طموحات الشباب والمبتدئين وكم تسببت في إعاقة البعض عن سلوك طريق النجاح. ماذا تقول لأمثال هؤلاء (أعداء التفوق والنجاح) وبماذا نوصي شبابنا الطامحين حينما يرون مثل هذه المواقف، وكيف نزرع في نفوسهم الثقة والتشجيع وليس التحطيم؟. كانت تلك التساؤلات التي طرحناها على عدد من الخبراء وأهل الرأي.. وفيما يلي نص أحاديثهم: النقد اللاذع يشير الدكتور عبدالرحمن بن سعيد الحازمي -عميد الأكاديمية برابطة العالم الإسلامي - إلى أنه قد يُلحظ في بعض المجتمعات الإسلامية أناس إذا شاهدوا غيرهم أبدع وتميز وتفوق في بعض المجالات أو التخصصات، سارعوا من أول وهلة إلى النقد اللاذع، وتثبيط الهمم والعزائم، ورددوا عبارات الإحباط، مثل: «مسوي فيها مبتكر، أو مسوي إنه صاحب أفكار، أو نيته يريد يلفت النظر!» أو ما شابه ذلك. حقيقة يشعر الإنسان العاقل بالحزن والأسى عندما يرى بعض هذه المفاهيم والأساليب المثبطة للهمم منتشرة بين الناس، وعلى كثير من المستويات، فإن الشخص المتميز، أو الذي قد يكون لديه بعض الأفكار والرؤى الجديدة يخشى من أقرانه، أو ممن حوله أن يكون موضع انتقاد وتندر وسخرية!! فكم سمعنا ورأينا بعض الناس ممن حباهم الله قدرات متميزة ومبدعة، ولكن بعد مدة من الزمن تلاشت هذه الإبداعات والقدرات، ومن أهم الأسباب؛ أسلوب التثبيط والنقد اللاذع، أو السخرية، وقليل من يجد التشجيع في البداية، ويشق طريقه نحو الإبداع والتفوق. وهناك بعض القصص لأناس أبدعوا ووصلوا إلى ما وصلوا إليه من تفوق وتميز، ولكن تجده يتذكر بداياته فيقول: من أبرز الصعوبات التي واجهتني في طريقي التثبيط والنقد وعدم التشجيع لكل جديد. ولا شك أن هذا الأسلوب الشائع بين بعض الناس يؤخر ركب التقدم والرقي، ويجب أن تتوفر محاضن تربوية مشجعة ومحفزة لكل من لديه بوادر إبداع وتفوق وتميز، وأن تعتني المؤسسات التربوية المعنية بذلك اعتناء كبيراً ابتداء من الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام المختلفة. تصيد العثرات ويذكر الدكتور/ محمد بن عبدالله الطوالة - مدير المسؤولية الاجتماعية بمجموعة الطيار للسفر القابضة- أن الهمم العالية والنفوس التواقة والأرواح المتطلعة لا تقف عند حد ولا يمنعها طول كد ولا يحجبها كثرة نقد بل هي أنظارها مرفوعة وغاياتها مدفوعة لا تنثني ولا تتردد، والهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها وكلما نزلت قصدتها الآفات فلتكن همتك ناظرة للأعلى لا تعوقها آفة ولا يضرها مخذل فكم في الطريق من المثبطين وكم فيه من الناعقين همهم التنقص وشعارهم النقد وديدنهم ذكر المساوئ، ولكنها لا تضر إلا كل ناعق فصاحب الهمة العالية والطموح الهادف متطلع للمعالي باحث عن الحق ينظر بهدي الله مسترشد بسنة رسول الأمة صلى الله عليه وسلم متخذ من صحابته قدوة حينما سأله ربيعة لم تكن همته قريبة بل قال: أسألك مرافقتك في الجنة. ويطالب د. الطوالة الشباب النظر إلى بلوغ القمم وعزائم الأمور التي لا تقف عند حد، ومع ذلك ستلقى مثبطا وسوف تقابل هابطا وستجد مخذلا ولكن كل ذلك لا يضرك، حصن نفسك بروح التحدي وطور ذاتك للأفضل فالراحة لا تملأ بالراحة، اعمل واجتهد وانصب فإن لذيذ العيش في النصب، وكم ممن بلغ المنازل العالية بسبب همته الطامحة ابتدأ من لا شيء فأصبح لا يلتفت لأي شيء (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)، والنجاح له أعداؤه والابتسامة لها سراق والفرحة لها حساد فالحذر الحذر من الذين يتصيدون العثرات ويلتقطون الزلات وينالون بالسخرية من النابهين لأنهم يريدون إكثار الفاشلين في المجتمع ويزعجهم الرقي والتقدم، فلا تبال في أحد منهم ولا تلتفت لأي منهم، سابق الزمن في بناء نفسك والاستفادة من مقدرات وطنك كن لبنة متماسكة لا يغيرها الغير؛ اصنع المجد بيديك، ورثه لولدك بعد ذلك لا يضرك من خالفك أو انتقص من قدرك لأنه لم يستطع أن يلحق بك. التأسي برسولنا الكريم ويوضح فضيلة الشيخ سعود بن زيد المانع -مدير المعهد العلمي ورئيس جمعية تحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الدلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشجع العاملين ويحثهم على الاستمرار في العمل بجد ونشاط، ويضع لهم الحوافز وما يشحذ هممهم ويقوي عزائمهم في كل امور الحياة بما فيها ما يعود على الجسد بالقوة والنشاط أو يعود بالنفع على المسلمين كالمسابقة على الاقدام والرمي والفروسية وغيرها كماكان يرتب لهم بعض الأيام للمسابقة بين الخيول، وكذلك بين الابل بل وسابق معهم بناقته القصواء تحفيزاً لهم، وكان يطرح لهم احياناً ما يقدح به الاذهان كالأسئلة التي تحرك العقول وتكون وسيلة للتعليم كما في قصة عبدالله بن عمر عندما سألهم عن الشجرة التي تشبه المسلم وهي النخلة ويشيد بمن يتفوق أمام الحاضرين، بل ويدعو لهم، وهكذا شجع العاملين في بناء المسجد النبوي والعاملين في حفر الخندق، ومن اقترح فكرته وشجع كل من يكون له مساهمة أو عمل يعود بالنفع على المسلمين. وينبه المانع إلى أن من يستحقون التشجيع من يكدح في طلب المعيشة والرزق له ولأولاده بالعمل في المهن النافعة للناس أو البيع والشراء في الأسواق وغيرها، فالواجب علينا أن نشجع من ينفض عنه غبار البطالة ويخلع جلبابها ويسعى للمساهمة في نفع البلاد والمجتمع ويكسب ما تحصل به معيشته، وحري بنا أن نتأسى بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام بتشجيع العاملين في مختلف المجالات النافعة المبيحة، والإشادة بمن يسعى في عمل مفيد وتشجيعهم والتعاون معهم وتذليل الصعاب لهم، بل وتحفيزهم مادياً ومعنوياً، لأن ذلك مما يعينهم على التقدم والنجاح ويشجع غيرهم لمنافستهم فيما يرتقي بالأمة والبلاد، ولاشك أن الطاقات والأفكار موجودة وكثيرة بين شباب البلد: من مخترعين وتنفيذيين وحرفيين وفي كل الميادين، وهم يحتاجون منا الدعم والمساندة والصبر والتوجيه. وعلينا أن نستثمر هذه الثروات ونرعاها ونعينها ونذلل السبل في طريقها للوصول لمبتغاها وغايتها وإخراج كل طاقاتها وكنوزها الكامنة من أفكار وأعمال وابتكارات ومواهب، حتى تتحقق النتائج المرجوة ونجني الثمار اليانعة ونستفيء ظل اشجارها الوارفة وعند ذلك يحمد القوم السُّرَى. الفئة البائسة ويقول الأستاذ عثمان بن عبدالله آل عثمان _ مشرف الجودة الشاملة في تعليم محافظة الأفلاج -: بملء فيَّ لأرباب هذه الفئة البائسة المكفهرة النَّزقة: لن تعدوا واللهِ قدركم، ولن تبلغوا في سلم المجد والسؤدد شأوا، ولن تنالوا - ولو حرصتم أشد الحرص - نوالاً وافراً وهدفاً منشوداً وغايةً مقصودة، فأنتم ومن كان على شاكلتكم لستم أهلاً لاعتلاء القمة الشماء، ولا جديرين لنيل المراتب العالية والمناصب السامقة ذات الألق المشع والوهاج. ولقد صدق الأول حين قال: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لدميم وترى اللبيب محسدًا لم يجترم شتم الرجال وعرضه مشتوم إن على شبابنا الواعد والواعي والناهض والمنطلق في آفاق الحياة الواسعة أن يتجاهل بدءا وانتهاء صدى تلك الأصوات المُخذِّلة وتلكم الأبواق المزعجة، وأن لا يكترث بما تتفوه به ليلَ نهار ؛ بغياً وعدْوًا وظلماً وافتراء، وأن يضعوا ويؤطروا مقترفي إثمها في حجمهم الطبيعي، دون تهويل وتضخيم غير مبرر ومستساغ نقلاً وعقلاً، وما أجملَ الصبرَ ورباطةَ الجأشِ وكتمَ الغيظِ ومدارةَ كل ناعق ناقم لا يلوي على شيء ! بعيدا عن الانزلاق المؤذي والشنيع، واحترازاً من مغبة السقوط في مستنقع آسن مترع بالأمراض الفتاكة والأوبئة الخطيرة؛ فذلك أسلم للروح وأنفع للبدن من مكابدة من لا قيمة لمقامهم ولا اعتبار لوجودهم أحياء وأمواتاً.