كل الأحكام البشرية محض رجحان بين صحة وخطأ.. بين صدق وكذب.. بين معرفة وجهل ما لم تكن مستوفية أركانها، من علم ومعرفة، وبراهين مكتملة دلائلها، جلية نزاهتها، واضحة حقائقها.. لذا لا تثق كثيراً فيها حد المسطرة المستقيم.. ولا خط الصدق اليقين !!.. بناءً على هذه الحقيقة كن معها في حياد، واعتدال.. ما لم تكن تعرف ما فيها من الصحة والخطأ.. أو على ثقة فيما فيها من الصدق والكذب.. أو بإدراك جانب المعرفة فيها.. أو القدرة على تفنيد ما تتضمنه من محض جهل !!.. فالناس الآن في عجلتهم الفارطة على سبيل المثل ، يقرأون سريعاً، يتعرفون الناس حيث يلتقونهم سريعاً، يستمعون إليهم سريعاً، يخطفون مما يقرأون جملة، ومن الحديث عبارة، ومن الملامح إطاراً، ومن الفكرة اختصاراً، ومن أفواه بعضهم كلمات، ومن بعض آخرين آراء، ومن المعلومة فكرة، و.. و.. كل أمرهم يسير في عجلة فائقة، فتأتي أحكامهم سريعة, هشة, مغلفة بورق شفيف من قشور هذه العجلة.. وسرعتهم لا تمكنهم من التغذية العميقة، تلك التي تعاهد عليها من بالدأب جعل التمعن ديدناً، وسبيلاً، ومن الإصغاء الواعي نهجاً، ومسلكاً، ومن الدقة، والروية أسلوباً، وتمكُّناً.. يمهُر في مكسبه، ويتقن في فهمه.. يعي بمعرفته، ويتمكن من رأيه، ويتجرد في عاطفته، ويتخلص من ميوله.. ليس للعجلة فيما يكسب سبيلاً، ولا فيما يمنحُ باباً.. وحدهم هؤلاء حين يدلون بأحكامهم يصدقون بما اكتمل لهم من مقومات الصواب فيما يحكمون.. مثل هؤلاء المتأنية خطاهم، الصبورة الثاقبة عقولهم، الثرية الماتحة خبراتهم، الصادقة المانحة آراؤهم، في هذا الخضم ثلَّة، بل قلة، بل نُدرة من يوثق فيما يحكمون.. سواء جاء حكمهم في فرد، أو فكره، أو منجزه، أو حقه، أو واجبه، أو صوابه، أو خطئه.. ، ..، ..، ..، ! ولأنهم كذلك، فهم كومض في غسق مدلهم، وكبرق خاطف في فضاء غائم ضبابي !!.. فما حال الومض، وحال البرق في مثل هذه الحالة؟!.. وما يكون أمر الغسق المدلهم، والفضاء الغائم الضبابي في سواد المسرعين، المتسرّعين في أحكامهم في الحالة ذاتها الشبيهة الواسعة؟!!