لم تكن مصادفة أن تكون روسيا أول دولة غير عربية وإسلامية تعلن اعترافها بالدولة الفتية المملكة العربية السعودية، وأن يسلك قنصلها العام في جدة طريق البر لعاصمتها الرياض، ويتشرف بمقابلة المؤسس الإمام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -طيَّب الله ثراه-. وما هذا اللقاء التاريخي بين سفير ذي رؤية دبلوماسية مستقبلية، وبين الملك المؤسس بثاقب حكمته وبعد نظرته السياسية إلا مؤشر لعلاقات مهمة ومتوازنة تبنى لتؤثر وتتأثر إقليمياً ودولياً، وأوجدت الأحداث العالمية مناخات مناسبة لحصاد ثمار هذه العلاقات والصلات المتنامية بهدوء. وتوالت الزيارات الرسمية والتشاورية بين الدولتين المحوريتين في العالم في عهد روسيا الاتحادية، ونما معها حجم التبادل التجاري والتفاهم السياسي مع العديد من المواقف والقضايا الخاصة بالشرق الأوسط والعالم. وجاءت الرحلة الملكية الميمونة الزيارة التاريخية لمليكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود تتويجاً لسمو هذه العلاقات الثنائية ورمزاً لتطورها وثباتها لتصل لمرحلتها الإستراتيجية. وجاءت الكلمة السامية في اللقاء الرسمي بين الوفدين السعودي والروسي، حيث تفضل خادم الحرمين الشريفين بسرد القضايا التي سيتضمنها مدار البحث والتفاوض بين الوفدين الكبيرين. وقد بيّن -حفظه الله- كل القضايا العربية والإسلامية التي تنتظر حلولاً بالتعاون السعودي الروسي، وعلى رأسها قضية الأمة المصيرية حقوق الشعب الفلسطيني ومستقبل شعب سوريا العربي، والعمل على إيجاد حل سياسي حسب مرجعية مقررات جنيف، ويحقق لهذا الشعب الأمن والأمان والسلام، وأيضاً مثيله شعب العراق الذي يعاني من جرائم عصابات داعش الإرهابية، ويسعى لمكافحة الإرهاب العالمي، ويطمح بالسلم والتنمية الاقتصادية لتعمير بلاده المدمرة، ويأتي مستقبل الشرعية في الجارة العزيزة اليمن والعمل المشترك بين روسيا والمملكة العربية السعودية وتحقيق الحلول العادلة التي تضمن العدل لرسم خارطة طريق لمستقبل اليمن السعيدة بقوة وإخلاص شعبها العربي الذي ثار ضد عصابات الحوثيين وقوات المخلوع. تأتي أول زيارة رسمية ملكية للصديقة روسيا الاتحادية ضمن اهتمام وسائل الإعلام الروسية والأوروبية والعالمية، إذ لم تدركها قيادات عالمية قامت بزيارات رسمية لموسكو ومظاهر الحفاوة الرسمية والشعبية لم تشهدها عاصمة القياصرة من سنين طوال، وشهدت عرساً عربياً إسلامياً لاستقبال صقر العروبة ملك المملكة العربية السعودية والوفد المرافق له. لقد جاءت هذه الزيارة التاريخية والأمة العربية تعيش حالة صعبة من الفوضى الأمنية في العديد من أجزائها وسيطرة المليشيات المنفلتة الإرهابية، ففي اليمن والعراقوسوريا، وهنا يبرز الدور السعودي- الروسي لإيجاد رافعة دولية لإزالة أنقاض هذه الحروب الأهلية التي تراكمت بعد ويلات ما يُسمى باللهيب العربي لتُشكّل سلسلة متقدمة من الملفات السياسية والاقتصادية المهمة ليحقق التفاهم السعودي والروسي بداية لمرحلة الترميم للكيانات في المنطقة، التي تعرضت للتصدع بفعل هجمات الإرهاب الداعشي ومن وراءه، والمبرمج في جسم الوطن العربي. الأمن العربي القومي يحتل مجالاً مهماً من جدول أعمال هذه الزيارة التاريخية، فالمملكة العربية السعودية التي استطاعت قيادتها المخلصة عربياً وإقليمياً أن تحقق التوازن في علاقاتها مع دول الجوار العربي والإسلامي الآن تتزود بوسائل القوة والمنعة، من خلال التعاون العسكري السعودي الروسي من أبرز الاتفاقات الخيرة التي ستأتي بها زيارة المباركة التزود بالقوة المضافة للأمن القومي العربي أمام التهديدات الإقليمية والدولية. إنها مرحلة جديدة في الجهد العربي السعودي لمليكنا المفدى سلمان من أجل ترميم وقوة جسم أمتنا العربية ليعود لها الأمن والسلام والازدهار.