من جديد تستيقظ الهواجس في أوروبا من عودة المتطرفين إلى المسرح السياسي الأوروبي، فقد أعادت نتائج انتخابات ألمانيا البرلمانية قلق الأوروبيين من جديد بعد حصول حزب البديل لألمانيا على نسبة ثلاثة عشر بالمئة في المرتبة الثالثة بعد تحالف المستشارة أنجيلا ميركل «الحزب الديمقراطي المسيحي» و»الحزب الاجتماعي المسيحي» اللذين حصلا على نسبة ثلاثة وثلاثين بالمئة، قبل الحزب الاشتراكي الذي حصل على واحد وعشرين بالمئة. نسبة الثلاثة عشر مكنت الحزب اليميني المتطرف الذي يتبنى أفكار ومبادئ الحزب النازي، مكنته من دخول البرلمان الألماني لأول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وهو بنتيجة الثلاث عشر يتقدم على أحزاب اليسار، إذ تقدم على حزب الليبراليين الذين حصلوا على عشرة بالمئة، والخضر تسعة بالمئة، والحزب الرديكالي اليساري تسعة بالمئة. هذه النتائج وإن مكنت السيدة إنجيلا ميركل من الاحتفاظ بمنصب المستشارية للمرة الرابعة متساوية مع هلموت كول وأديناور اللذين وصلا أربع مرات إلى منصب المستشارية في ألمانيا، إلا أن على المستشارة التي حققت رخاء ونمواً متميزاً لألمانيا أن تجد حلفاء جدداً يعوضون خروج الحزب الاشتراكي الذي فضّل زعيمه رئيس البرلماني الأوروبي السابق مارتن شولتنر الاتجاه إلى قيادة المعارضة بدلاً من المشاركة في السلطة، ولمواجهة أكثر من ثلث البرلمان الذين يشكلون معارضة متضاربة الأهداف، إذ إضافة إلى الاشتراكيين الذين لهم واحد وعشرون بالمئة من المقاعد ليتكتل تسعة بالمئة من الرديكاليين اليساريين وثلاثة عشر من القوميين المتطرفين الذين يشكلون مع المتطرفين اليساريين قرابة ربع برلمان ألمانيا، وإن كان كل في اتجاه مضاد، ولهذا فإن هذه التركيبة ستزعج ميركل وتحد كثيراً من تحركاتها. وبالذات الحزب القومي المتطرف» البديل لألمانيا» الذي يتهم المستشارة بالخيانة لفتحها أبواب البلاد عام 2015 أمام مئات الآلاف من طالبي اللجوء وغالبيتهم من المسلمين، والحزب القومي المتطرف الذي يتبنى أفكار ومبادئ الحزب النازي يعادي سياسة ميركل التي تميزت بها ألمانيا في التعاطف مع اللاجئين والتي وجدت فيها أيدي عاملة وخبرات تعزز تفوق الاقتصاد الألماني الذي تفوق كثيراً على أقرانه الأوربيين، إذ إن ألمانيا في عهد ميركل تعيش نمواً كبيراً ونسبة بطالة هي الأدنى في تاريخها، إلا أن القوميين المتطرفين لعبوا على وتر السماح للاجئين بالتدفق على الأراضي الألمانية مثيرين الشكوك من وجودهم وتأثيرهم على تنامي الاضطرابات والإرهاب مشيرين إلى العمليات التي تبناها التنظيم الإرهابي داعش. وقد خدع الألماني بهذه الادعاءات ما رفع نسب التأييد للمتطرفين على حساب المؤيدين لتحالف ميركل وأيضاً من الحزب الاشتراكي ليحصد المتطرفون ثلاثة عشر بالمئة وهي نسبة لم يصل إليها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، مما جعل وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريل يقول وحتى قبل بدء الانتخابات إن النازيين يعودون لبرلمان ألمانيا من جديد. هذه النتائج تفرض على إنجيلا ميركل البحث عن تحالف جديد يضم إلى جانب تكتلها مع الحزب الاجتماعي المسيحي حزب الخضر، والحزب الليبرالي اللذين لهما ما يقارب العشرين بالمئة من مقاعد البرلمان، وحتى هذا الائتلاف يواجه معضلة الخلاف بين الخضر والليبراليين مما يجعله حتى وإن أفلحت في تكوينه هشاً. أمام شراسة معارضة القوميين المتطرفين وخبرة الحزب الاشتراكي.